أصداء – المساء برس| تقرير: صلاح الدين بن علي|

لم يكن الحادي عشر من فبراير من عام ألفين وخمسة عشر يوماً اعتيادياً في سجل العزّة اليماني، فذاك اليوم كان شاهداً على فرار جنود مشاة البحرية الأمريكية (المارينز) من العاصمة صنعاء العائدة لحظة إذ إلى حِجر السيادة الوطنية.

في ذلك التاريخ وتحت وقع الثورة فرّت أمريكا صاغرةً كما فرّت طوال عامٍ من الإسناد لغزّة حاملات طائراتها المذخرة في البحر الأحمر تحت وقع الضربات اليمانية التي قلبت موازين البحر وكشفت ضآلة الأمريكي.

عندما حطّت قوات مشاة البحرية الأمريكية (المارينز) رحالها في صنعاء، كانت واشنطن تعتقد أن العاصمة اليمنية ليست سوى نقطة على خارطة النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط، وأن جنودها فوق الأرض اليمنية باقون ما بقيت الهيمنة الأمريكية قائمة.

وقتها كانت السفارة الأمريكية في صنعاء أشبه بـ”غرفة عمليات” تدير المشهد اليمني، ترسم ملامح السياسة، وتفرض القرارات، وتحرك أدواتها المحلية بما يضمن بقاء اليمن تحت السيطرة، كان المارينز، بأسلحتهم المتطورة، جزءًا من هذه المعادلة، كقوةٍ تحرس المصالح الأمريكية في البلاد.

أمام كلّ ذلك وفي الحادي والعشرين من سبتمبر، يومِ الثورة الخالد، كان اليمن على موعد مع لحظة فاصلة، لحظة انهت زمن الإملاءات، وأسقطت حسابات واشنطن تحت أقدام الجماهير التي قررت استعادة القرار اليمني من براثن السفارات الأجنبية فمع تقدم الثورة بدأ النفوذ الأمريكي في التآكل شيئًا فشيئًا، حتى وصلت الرسالة إلى واشنطن واضحة “لم يعد لكم مكان هاهنا”.

في تلك المرحلة حاولت الولايات المتحدة، كعادتها، أن تناور، أن تساوم، أن تفرض حلولًا جديدة تُبقي على نفوذها، ولو من وراء الستار، لكن ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر كانت قد غيّرت كل شيء، لم يعد هناك مجالٌ للوصاية، ولم يعد هناك قبولٌ بالوجود الأمريكي وكذا وجود قوات المارينز التي كانت يومًا رمزًا لحضور وجبروت عاصمة الشيطان.

في يوم الحادي عشر من فبراير من عام ألفين وخمسة عشر جاءت اللحظة الحاسمة، أغلقت الثورة الشعبية السفارة الأمريكية، وأحرقت علم واشنطن الذي ظل مرفوعًا لعقود وفرّ جنود المارينز تحت ضغط الواقع الجديد، دون أن يتمكنوا حتى من الاحتفاظ بأسلحتهم.

حدث ذلك سريعاً وفي مشهدٍ بدا وكأنه استعادةٌ لصورة الفرار الأمريكي من سايغون الفيتنامية، فر الجنود الأمريكيون على عجل، بلا مراسم، بلا وداع، وبلا أي مظهر من مظاهر القوة التي اعتادوا التباهي بها، كان ذلك اليوم إعلانًا مدويًا بأن زمن الوصاية الأمريكية على اليمن قد انتهى، وأن ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر قد فرضت واقعًا جديدًا لا تملك واشنطن أمامه سوى الفرار.

لم يكن فرار المارينز سوى فصلٍ واحدٍ من تداعيات ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر، التي لم تكتفِ بإسقاط الهيمنة الأمريكية سياسيًا، بل أسست لمعادلةٍ جديدة أعادت رسم المشهد الإقليمي، كانت تلك الثورة إيذانًا بانطلاق مشروع تحرري لا يقف عند حدود الداخل اليمني، بل يمتد ليعيد صياغة توازنات القوى في المنطقة.

منذ يوم الفرار الأمريكي الكبير، يوم الحادي عشر من فبراير أدركت واشنطن أن ما حدث لم يكن مجرد تغييرٍ حكومي، أو تبديل نخبٍ سياسية، بل زلزال استراتيجي أنهى عقودًا من النفوذ الأمريكي، ومهّد لانتصارات قادمة فرضت نفسها في البحر الأحمر حيث فرت الأساطيل الأمريكية لاحقًا كما فرّ المارينز من صنعاء قبلها.

ما بين فرار المارينز من صنعاء والانكفاء في البحر الأحمر، قصةٌ تختزل فصولها سقوط مشروع الوصاية، وانتصارَ الإرادة اليمنية التي راهنت عاصمة الشيطان واشنطن على كسرها، فإذا بها تتحول إلى إعصار يجرف أحلام الهيمنة الأمريكية إلى قعر المحيط.

المصدر: الخبر اليمني

قد يعجبك ايضا