لا دولة فلسطينية في غزة.. ولا دولة في الضفة

د. فايز أبو شمالة – وما يسطرون|

عشرات السنين ونحن الشعب الفلسطيني غارقون في بحر الأكاذيب عن قيام دولة فلسطينية مستقلة على الجزء الذي احتله الإسرائيليون سنة 1967، عشرات السنين ونحن نغني للدولة الفلسطينية التي ستمنحنا إيها إسرائيل بموافقة النظام العالمي، عشرات السنين ونحن ننتظر قيام الدولة التي قدمنا من أجلها عشرات آلاف الشهداء والجرحى، ومئات آلاف السنوات خلف القضبان، ليخرج علينا رئيس وزراء إسرائيل جازماً، بحديث قطعي يقول: لن أـسمح بقيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة، ولن نخلي مستوطن واحد من الضفة الغربية، وكل الضفة الغربية أرض إسرائيلية، ولن أسمح للسلطة الفلسطينية بالتواجد على أرض غزة، ووادي الأردن هو حدود إسرائيل الشرقية الممتدة من النهر إلى البحر.

وفي الميزان السياسي للتصريحات، ووفق الواقع القائم على الأرض، فإن نتانياهو أكثر صراحة وصدقاً وموضوعية من قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، ومن فخامة الرئيس، فالحقيقة التي تعززها الأحداث الميدانية تتوافق مع تصريحات نتانياهو، وبقية أعضاء الحكومة، بل وبقية أعضاء الكنيست الإسرائيلي على مختلف مشاربهم الحزبية والفكرية، فالسياسة الإسرائيلية بمجملها تقوم على عدم السماح بقيام دولة فلسطينية، والوقائع الميدانية تؤكد ذلك، وردة الفعل الفلسطينية في الميدان تزكي كل ما سبق.

عشرات السنين والبرامج السياسية الفلسطينية تتحدث عن دولة فلسطينية مستقلة، ولكن الفعل الفلسطيني في الميدان أبعد ما يكون عن الكلام، بل الفعل الفلسطيني في الميدان يشجع على قيام دولة إسرائيل الكبرى وعلى كل الأرض الفلسطينية، وقد ظهر ذلك جلياً من خلال:

1ـ من خلال محاربة القيادة الفلسطينية لأي شكل من أشكال المقاومة للاحتلال الإسرائيلي، وقبول القيادة الفلسطينية بلا أدنى اعترض لكل قرارات الحاكم العسكري الإسرائيلي الذي يقيم ألاف الحواجز على طرقات المواطنين في الضفة الغربية، ويشجع مئات آلاف المستوطنين الصهاينة على تملك أرض فلسطين، والقيام عليها، والسيطرة على كل مناحي الحياة في الضفة الغربية، ليغرق المواطن الفلسطيني في بحر الأكذوبة عن قيام دولة فلسطين.

2ـ من خلال معركة طوفان الأقصى، حيث ذبح أهل غزة من الوريد إلى الوريد، وعلى مدار 16 شهراً، في الوقت الذي تغافلت وتجاهلت قيادة منظمة التحرير لأفظع الجرائم التي اقترفها العدو بحق الإنسان في قلب غزة، حيث اكتفت قيادة منظمة التحرير بتصريحات الشجب والإدانة والاستنكار، مثلها مثل منظمات حقوق الإنسان الدولية.

كانت معركة طوفان الأقصى هي الفرصة الأخيرة للشعب الفلسطيني ليقف موحداً في خندق المقاومة، لمواجه العدو الإسرائيلي، وقد ضاعت الفرصة، واستفرد العدو الإسرائيلي بغزة، حتى إذا فرغ منها، وحصل على وقف لإطلاق النار، توجه بكل قدراته وطاقته القتالية إلى الضفة الغربية، التي لم تنج، ولن تنجو من الإرهاب الإسرائيلي، الذي يمارس تحت سمع وبصر القيادة الفلسطينية.

فهل بعد خذلان القيادة الفلسطينية لأهل غزة من جرأة على الحديث عن وحدة مصير بين غزة والضفة الغربية؟

وهل بعد خذلان القيادة الفلسطينية لأهل الضفة الغربية، وترك الدبابات الإسرائيلية تجوس مدنهم دون أدنى مقاومة من القيادة الفلسطينية، هل بعد هذا الخذلان من حق للقيادة الفلسطينية للحديث عن المصداقية في مواجهة العدوان؟

الحقائق الميدانية التي أفرزتها معركة طوفان الأقصى لتؤكد على التفوق الإسرائيلي في الفصل بين غزة والضفة الغربية، ولتؤكد على استحالة التخلي الإسرائيلي عن الضفة الغربية، ولتؤكد على استحالة الرجوع إلى وحدة الموقف الميداني في غزة والضفة الغربية، كما كان سائداً خلال انتفاضة الحجارة 1978، وخلال انتفاضة الأقصى 2000، والحقائق الميدانية لتؤكد على انفصال الضفة الغربية عن غزة، بنظامين سياسيين لا يربط بينهما إلا ما تجبيه السلطة من الضرائب، وما توفره من الرواتب، وما دون ذلك، فالضفة الغربية في بلاد الشرق، وغزة في بلاد الغرب، والقيادة الفلسطينية تلهث خلف المكاسب، والمصالح الشخصية، دون أن تفكر أو تهتم أو تتابع الشأن العام الفلسطيني، وآلية إدارة الصراع مع العدو الإسرائيلي.

في ظل هذا الواقع الفلسطيني السياسي البائس، وفي ظل اهتراء القيادة الفلسطينية، وكمونها الخبيث لاقتناص الفرص في اليوم التالي للحرب على غزة، ووفق ما يجري على أرض الضفة الغربية من متغيرات ووقائع وحواجز ومستوطنات وطرق التفافية وإحباط فلسطيني، كل ذلك ليؤكد على استحالة قيام دولة فلسطينية على أرض غزة والضفة الغربية، حتى ولو بعد مئة سنة، وإذ تفيد الحقائق بأن أرض الضفة الغربية تضيع بهدوء وسلاسة، وأن ما ظل من مساحة أرض عليها لا تصلح لقيام دولة فلسطينية، ولا تصلح حتى لإقامة روابط قرى بين أطرافها المبعثرة على ذيل المستوطنات الإسرائيلية، ولا يوجد بها مقومات دولة، ولا صلة اقتصادية بين شمالها وجنوبها، وعليه يجب التفكير بجدية وموضوعية وحكمة وازنة بمستقبل ما تبقى من الأرض، وما تبقى من انتماء، وتسليم أمر الضفة الغربية بقضها وقضيضها إلى الأردن العربي، ليتحمل الأردن شعباً وحكومة ومملكة المسؤولية عما ظل من أرض فلسطينية، لم تدعسها عجلات الاستيطان، وتحت بند إنقاذ ما يمكن إنقاذه من أرض الضفة الغربية، ليصير ربط مصيرها بمصير الأردن العربي ضربة موجعة ومفاجئة للسياسة الإسرائيلية، وليتحمل الشعب العربي في شرق الأردن المسؤولية عن حياة أشقائه في الضفة الغربية ومصيرهم ومستقبلهم، ومستقبل الأرض، وذلك في عملية انقاذ سريعة وعاجلة وواقعية.

أما غزة المحاصرة والمدمرة فلا مطمع إسرائيلي جدي بها، ولا قدرة إسرائيلية فعلية على كسر عنقها، ولن تسمح إسرائيل بوحدة غزة مع الضفة الغربية في يوم من الأيام، ولا نية ولا قدرة ولا رغبة لدى القيادة الفلسطينية لفرض وحدة المصير بين غزة والضفة الغربية، لذلك أقول: لا خوف على غزة رغم تصريحات الرئيس الأمريكي ترامب عن تهجير أهلها، فأهل غزة عرفوا طريقهم، وحددوا مستقبلهم، وإنهم لصامدون صابرون، وأنهم لقادرون على إدارة شؤون حياتهم بعيداً عن الجبروت الإسرائيلي، وبعيداً عن أكذوبة الدولة التي لن تقام في يوم من الأيام تحت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية التي خذلت غزة أرضا وشعباً على مدار 16 شهراً من حرب الإبادة.

انقذوا ما ظل من أرض الضفة الغربية بعيداً عن قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، ولا تخافوا على غزة لا من غول الاستيطان، ولا من وحش التهجير.

قد يعجبك ايضا