سعي ترامب الحثيث لتهجير الفلسطينيين هو البداية العملية للتنفيذ المعلن لمشروع صفقة القرن

المساء برس| تقرير: عبدالسلام التويتي|

من نافلة القول أنَّ «صفقة القرن» الترامبية عبارة عن خطة صهيوماسونية تتبنى المطامع التوسعية الصهيونية على أرض الواقع، وقد كان ترامب -باعتباره المكلف بتنفيذ هذه المهمة- عازم على تنفيذها عقب الفراغ من صياغة بنودها التي تنص -في الأغلب- على تهجير معظم الفلسطينيين من قطاع غزة والضفة مقابل تعويضات مالية واستثمارية دائمة الريع تتكفل بدفعها الأنظمة العربية الثرية، لا سيما المهرولة نحو التطبيع، بيد أنَّ خسارة «ترامب» أمام «بايدن» في انتخابات عام 2020 ومغادرته البيت الأبيض في يناير عام 2021 قد أدت إلى تجميد المشروع، وها هو «ترامب» يعود -بعد فوزه بولاية رئاسية ثانية- متحمسًا لتنفيذ تلك الخطة بشدة.

وقد كان «ترامب» يرمي من وراء الإيعاز لحليفه «نتنياهو» بالموافقة على اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة وتبادل الأسرى إلى تحقيق أهداف أخرى مذمومة تتعلق بتنفيذ صفقته المشؤومة، إذ لم تمر سوى 10 أيام من سريان اتفاق وقف إطلاق النار، حتى بدأ يطلب من «مصر» و«الأردن» استيعاب أكبر عددٍ ممكن من سكان «قطاع غزة» حتى يتسنى له إفراغه من سكانه بذريعة تدشين عمليات الإعمار، بينما يضمر في الحقيقة بدء مرحلة استعمار، وتطهير أراضي القطاع والضفة من ملايين الفلسطينيين واستبدالهم بمئات الآلاف من قطعان المستوطنين.

نحو تنفيذ شبه معلن لـ«صفقة القرن»

لا يمكن أن تفسر دعوة الصهيوني «ترامب» لكل من «مصر» و«الأردن» للمساهمة في إفراغ «قطاع غزة» من سكانه إلَّا في سياق السعي شبه المعلن لتنفيذ ما يسمى «صفقة القرن» الهادفة إلى إحلال قطعان الاستيطان الصهيونية على أنقاض التجمعات السكانية الفلسطينية بدءًا بإخلاء محافظات «القطاع» بأقلّ كلفة وانتهاءً بالسيطرة على كافة محافظات «الضفة» من خلال إقرار «ترامب» بكل الاعتداءأت الصهيونية عليها بنقل مقر سفارة بلاده لدى دولة الكيان إليها، فقد انتشرت شائعات وتقارير في عام 2020 -بحسب ما ورد في سياق التقرير الإخباري المعنون [من نقل السفارة إلى تهجير الفلسطينيين! هل كانت خطة ترامب تشمل غزة؟] الذي نشره موقع «القبس» في الـ5 من فبراير الجاري (تتعلق بمقترح ترامب الذي يهدف إلى تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة في إطار ما سُمي بـ “صفقة القرن”.
وقد تداولت وسائل الإعلام الدولية والعربية تقارير في ذلك العام عن نية الإدارة الأمريكية تحت قيادة ترامب دفع الفلسطينيين إلى مغادرة قطاع غزة في إطار خطة السلام المعروفة باسم “صفقة القرن”).

وقد قوبلت خطة ترامب الأخيرة من قبل الفصائل والقوى الفلسطينية التي تدرك أنها حلقة من حلقات تنفيذ صفقة القرن الصهيوماسونية بالرفض والاستهجان الناجمين عن إدراك ما يضمره المدعو «ترامب» للقضية الفلسطينية من سوء النية، نكتفي -في الاستدلال على الرفض الفلسطيني الرصين- بالإلماح إلى بيان «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» الذي اختتمته -بحسب الخبر الصحفي المختصر المعنون [الشعبية القيادة العامة: دعوة ترامب لتهجير شعبنا من غزة هي جزء من صفقة القرن] الذي نشرته «وكالة القدس للأنباء» في الـ31 من يناير الفائت- (بالتأكيد على قدرة الشعب الفلسطيني ومقاومته على هزيمة هذا المخطط الصهيوني الأمريكي القديم الجديد الذي يندرج في سياق صفقة القرن).

تشابه ما يدور مع «وعد بلفور»

إذا سلمنا أنَّ دولة «الكيان الصهيوني» صنيعة الغرب الإمبريالي الماسوني، وهذا أمرٌ مجمع على صحتة، فمن باب أولى التسليم أنَّ «صفقة القرن» الأمريكية «الترامبية» امتدادٌ أو -على الأقل- نمطٌ تآمريٌ لاإنساني بوعد «بلفور» البريطاني، شرعن الأول منهما -قبل أكثر من قرنٍ من الزمان- لتأسيس «دولة الكيان الصهيوني» على حساب الحقوق التأريخية للشعب العربي الفلسطيني، وجاءت الأخيرة لتشرعن -بتجبر غير مسبوق- لحرمان الشعب الفلسطيني ممَّا تبقى له من الحقوق واقتلاعه من أرض آبائه وأجداده في أقصر مده، وقد أشير إلى ما يجمع «صفقة القرن» و«وعد بلفور» من مظاهر التشابه في سياق الاستطلاع التحليلي المعنون [تصريحات ترمب الأخيرة استكمال لـ”صفقة القرن”] الذي نشره موقع «قدس برس» في الـ5 من فبراير الراهن بما يلي: (بدوره قال الكاتب والمحلل السياسي عامر الهزيل: “إذا كان وعد بلفور عام 1917 قد أسس «الدولة اليهودية» وأدى إلى النكبة الفلسطينية الأولى مع بقاء قرابة 8 ملايين فلسطيني بين النهر والبحر اليوم، فإنَّ وعد ترامب عام 2025 يهدف استراتيجيًّا إلى تهجيرهم لإقامة «دولة يهودية خالصة بين النهر والبحر”).

وأشارت إليها -من جانب آخر- الصحفية «مروة عنبر» في سياق استطلاعها الميداني المعنون [أهالي غزة يوجهون رسالة لـ«ترامب»: سنُفشل مخططاتك.. ولن نترك أرضنا حتى آخر رمق] الذي نشرته في «جريدة الدستور» المصرية يوم الأربعاء الماضي على النحو التالي: (وأكد الدكتور «أيمن الرقب» أستاذ العلوم السياسية بـ«جامعة القدس» أنَّ التصريح خطير، وقد يكون بداية لتطبيق مخطط نتنياهو السابق، بإنشاء قناة تربط بين البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط، وتمر عبر غزة، فهناك أطماع تجارية لدى أمريكا وإسرائيل في السيطرة على غزة وبناء مدينة ساحلية جديدة.. نحن أمام «وعد بلفور جديد»، وكأن ترامب يستطيع ترحيل مليونين و300 ألف فلسطينى إلى أي مكان جديد ثم يبنى -بحسب ما أقنعه نتنياهو- ما يريد).

كما أشارت إلى ذلك الصحفية «إسراء بدر» في طيات استطلاعها المماثل المعنون [أستاذ قانون دولي: تصريحات “ترامب” بشأن تهجير الفلسطينيين جريمة حرب] الذي نشرته «اليوم السابع» ضحى الأربعاء بما يلي: (وفي هذا الصدد أشار الدكتور «محمد محمود مهران» أستاذ القانون الدولي إلى أنَّ تصريحات ترامب الأخيرة تمثل «وعد بلفور» جديدًا، حيث يحاول الرئيس الأمريكي -كما فعل بلفور قبل أكثر من قرن- منح ما لا يملك لمن لا يستحق).

خطة تهجيرية تفضح نوايا استعمارية

مهما تمتعت به «دولة الكيان» من استقلالية، فلا تكاد تخرج عن كونها أداة لرعاية مصالح القوى الإمبريالية الغربية وفي طليتعها «أمريكا» وبعض الدول الأوروبية، وبالرغم ممَّا يكتنف دورها الوظيفي من الغموض، فقد اتسم هذا الدور بالكثير من السفور في مستهل هذه الولاية «الترامبية» عبرت عنه مطامع «ترامب» الاستعمارية بـ«قطاع غزة» الذي يمثل بالنسبة له -في ضوء طموحاته التجارية- فرصة استثمارية ويغريه باستهداف القطاع بسيطرة احتكارية أشار إليها الدكتور «أيمن الرقب» -في سياق استطلاع «مروة عنبر»- بقوله: («بعد لقاء ترامب ونتنياهو، أكد الرئيس الأمريكي إصراره على تهجير سكان قطاع غزة، وغيّر لهجته؛ فبدلًا من أن يحدد مصر والأردن قال إنه سيجرى نقل أهل غزة لمكان آمن، وبناء بيوت جديدة، وإنَّ غزة غير مؤهلة للحياة وستقوم الولايات المتحدة بالسيطرة على القطاع).

وألمحت إلى تلك المطامع -بشكل قاطع- «إسراء بدر» -في سياق استطلاعها الصحفي- بما يلي: (وحذر الدكتور «مهران» من خطورة مخطط ترامب لتحويل غزة إلى منتجعات سياحية بعد تهجير سكانها، معتبرًا أنَّ هذا المخطط يكشف عن النوايا الاستعمارية الحقيقية وراء دعوات التهجير، مضيفًا أن الحديث عن تحويل أرض غزة إلى منتجعات سياحية بعد تشريد أهلها يمثل استخفافًا صارخًا بمعاناة الشعب الفلسطيني).

كما يمكن استشفاف النوايا الاستعمارية ذات الأبعاد الاستثمارية من احتواء التقرير التحليلي التساؤلي المعنون [كيف ستتعامل الدول العربية مع خطة ترامب لتهجير الفلسطينيين والاستيلاء على غزة؟] الذي نشره «عربي21» في الـ5 من فبراير الراهن على ما يلي: (شدد المحلل السياسي «حسام الدجني» على أن “تصريحات ترامب لا يمكن المرور عليها مرور الكرام، لأنها تعكس رؤية ومشروعًا متكاملًا تتقاطع به إدارة ترامب واليمين المتطرف في إسرائيل، وينسجم مع مشاريع استراتيجية تتعلق بغزة، وأنَّ هذه المشاريع تتطلب تهجير السكان في أكبر عملية تطهير عرقي عرفها التأريخ المعاصر، وأهم المشروعات الاستراتيجية تتعلق بمشروع غاز المتوسط على سواحل غزة، وخط السكة الحديد الذي طرحه بايدن في قمة العشرين).

وقد أشير إلى جدية هذه النوايا في مستهل المتابعة الإخبارية المعنونة [ترامب يكشف عن خطته للاستيلاء على غزة ويتطلع إلى “ملكية طويلة الأمد”] التي نشرت في «الجزيرة نت» في الـ5 من الشهر الحالي بما يلي: (كشف الرئيس الأميركي دونالد ترامب -مساء الثلاثاء- عن خطة الولايات المتحدة للسيطرة على قطاع غزة الذي دمرته حرب الإبادة الإسرائيلية، وقال إنه يتطلع إلى أن تكون لأميركا “ملكية طويلة الأمد” في القطاع.

وتوقع «ترامب» أن يتحول «قطاع غزة» الذي يضم أكثر من مليوني فلسطيني -بعد أن تسيطر عليه أميركا- إلى “ريفييرا الشرق الأوسط”، وقال خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو عقب مباحثات ثنائية جرت بينهما: “ريفييرا الشرق الأوسط.. هذا شيء يمكن أن يكون بالغ الروعة”).

تماهي الموقف مع اليمين المتطرف

لأنَّ مقترح ترامب الراهن أو خطة «ترامب» لتهجير الفلسطينيين التي تعتبر استكمالًا لما سمي «صفقة القرن» تعبر عن تصهيُن مزمن، فإنها تعكس وجهة نظر «نتنياهو» واليمين الصهيوني المتطرف، وتتماهى معها بشكلٍ مقرف، وتحظى منها بالرضا وبالإشادة وصولًا إلى اعتبارها انجازًا تأريخيًّا على قدرٍ كبيرٍ من الريادة، وذلك ما يمكن فهمه من انطواء المتابعة الإخبارية المنشورة في «الجزيرة نت» على ما تأتي: (من جهته، اعتبر نتنياهو أنَّ خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسيطرة الأميركية على قطاع غزة تستحق الاهتمام، مضيفًا أنها “يمكن أن تغيّر التأريخ”).

ويمكن أن يفهم ذلك المعنى بصورة أعمّ من احتواء الخبر الصحفي المعنون [ترامب يكشف عن دور جديد لأمريكا في غزة: سنتولى السيطرة على القطاع] الذي نشره موقع “CNN عربي” يوم الأربعاء الـ5 من الشهر الجاري على ما يلي: (ومن جانبه، أعرب نتنياهو عن دعمه لفكرة ترامب حول غزة، وقال إنها “يمكن أن تغير التأريخ”. وهو المعنى الذي أشير إليه في سياق التقرير التحليلي المعنون [ترامب بعد لقاء نتنياهو: الولايات المتحدة ستسيطر على قطاع غزة وتمتلكه] الذي نشرته صحيفة «الراكوبة» في الـ5 من فبراير الحالي على النحو التالي: (واعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنَّ خطة ترامب للسيطرة الأميركية على قطاع غزة ”فكرة جديرة الاهتمام”، مضيفا أنها “يمكن أن تغيّر التأريخ”).

أمَّا وزير الإعلام الفلسطيني الأسبق الدكتور «نبيل عمرو» فقد رأى – أثناء مشاركته في حلقة برنامج «مدار الغد» التي عرضت يوم الأربعاء الماضي في قناة «الغد»- أنَّ المدعو «ترامب» -بعد تفاجئه بمقترحه المتبني التطهير العرقي ضد الفلسطينيين المتناقض مع أفكار السلام التي استدر بها أصوات الناخبين- لا يختلف عن الوزرين الصهيونيين «بتسلئيل سموتريتش» و«إيتمار بن غفير» الأشد تبنيًّا للعنف والتطرف.

قد يعجبك ايضا