اليمن يفرض إرادته الاستراتيجية في معركة البحر الأحمر دعماً لغزة.. تغيير لقواعد اللعبة وإرباك الخصوم
خاص – المساء برس| تقرير: يحيى محمد الشرفي|
نجحت صنعاء في فرض نفسها كقوة إقليمية فاعلة خلال معركة البحر الأحمر، حيث تمكنت من تحقيق أهداف استراتيجية عززت موقفها الداخلي والإقليمي والدولي، وجعلت منها داعماً رئيسياً للمقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي.
دعم غزة محور الصراع
مع اندلاع معركة “طوفان الأقصى” في أكتوبر 2023، اتخذت صنعاء موقفاً واضحاً في نصرة الشعب الفلسطيني. وأعلنت أن استهداف السفن الإسرائيلية أو المرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر كجزء من الرد على العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة.
وتمكنت صنعاء من تحويل البحر الأحمر إلى ساحة مواجهة غير مباشرة مع الاحتلال الإسرائيلي وحلفائه، حيث شكلت تهديداً حقيقياً للملاحة الإسرائيلية ثم الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية معاً، ما أدى إلى إرباك استراتيجيات واشنطن وتل أبيب، التي أرادت أن تجعل إسرائيل بما لديها من غطاء تسليحي وسياسي ومادي وإعلامي أمريكي تستفرد بغزة فيما أمريكا تمنع أي مساندة لغزة من قبل أي طرف عربي أو إسلامي.
استراتيجية صنعاء: تغيير قواعد الاشتباك
تبنت صنعاء استراتيجية محكمة لتغيير موازين القوى في هذه المعركة:
استهداف الملاحة الإسرائيلية والدولية: عبر عمليات نوعية استخدمت فيها صواريخ بعيدة المدى وطائرات مسيرة، مما أجبر السفن التجارية المرتبطة بإسرائيل على تغيير مسارها إلى رأس الرجاء الصالح وتكبيد إسرائيل خسائر فادحة عوضاً عن إفلاس وإغلاق ميناء أم الرشراش “إيلات” بشكل شبه نهائي.
إضعاف الهيمنة الغربية: أجبرت الضغوط الاقتصادية والخسائر المتزايدة الاي تسبب بها الموقف اليمن، القوى الكبرى على التفكير في حلول سياسية بعد فشل الخيارات العسكرية، فعملت على محاولة ترغيب صنعاء وإغرائها لثنيها عن موقفها الداعم لغزة وخصوصاً قرار قطع الملاحة الإسرائيلية من البحر الأحمر.
ردع عسكري مباشر: نقلت صنعاء المواجهة من الدفاع إلى الهجوم عبر استهداف مواقع إسرائيلية في عمق الاحتلال بما أمكن لديها من أسلحة من صواريخ باليستية وفرط صوتية ومجنحة وطائرات مسيرة، مما أثبت قدرتها على التأثير في الصراع من خارج حدود فلسطين، إضافة للرد عسكرياً على الاعتداءات المتكررة على اليمن من قبل البوارج وحاملات الطائرات الأمريكية والبريطانية التي قصفت اليمن حماية لإسرائيل.
انعكاسات الصراع على القوى الكبرى
وفقاً لتقرير أمريكي نشره معهد الخليج العربي في واشنطن، أدى التصعيد اليمني الأخير في البحر الأحمر إلى كشف محدودية القوة الأميركية والإسرائيلية، حيث فشلت واشنطن وتل أبيب في ردع صنعاء.
خسائر اقتصادية ضخمة: قدرت خسائر الملاحة الإسرائيلية والأمريكية والبريطانية بأكثر من 40 مليار دولار خلال ال١٢ شهراً الأولى من تنفيذ صنعاء لقرارها بقطع الملاحة الاسرائيلية وحلفائها نتيجة تحويل مسار السفن عبر طريق رأس الرجاء الصالح، وفقاً لتقرير حديث نشرته صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية والتي كشفت أيضاً أن صنعاء أوفت بوعدها ورفعت الحظر عن الملاحة الأمريكية والبريطانية في البحر الأحمر بعد أن تنفذت شروطها التي قضت بوقف العدوان الإسرائيلي عن قطاع غزة، مؤكدة أن شركات الشحن تلقت رسائل بريدية من صنعاء بانه أصبح مسموحاً لسفنها بالمرور من البحر الأحمر، ولكن لأن صنعاء قالت إنها ستظل مراقبة لالتزام الاحتلال بتنفيذ اتفاق وقف النار بغزة واذا ما عاد الاحتلال لعدوانه على غزة او رفض اتمام الاتفاق او نقضه فإن صنعاء ستستأنف قصفها على الاحتلال وحظر الملاحة مرة أخرى ولأن الوضع في غزة لا يزال متأرجحاً بسبب استمرار تهديدات الإسرائيليين باستئناف الحرب على غزة وبالتالي استئناف صنعاء لجبهة اسنادها العسكرية لغزة، فإن بعض شركات الشحن العالمية لا تزال مترددة في تحويل مسار سفنها الى البحر الأحمر وتفضّل التريث حتى الربع الثاني من العام الحالي.
إضعاف الردع العسكري الأميركي: استنزفت صنعاء مخزونات واشنطن من الصواريخ الدفاعية، التي كانت تحاول التصدي بها للهجمات اليمنية التي تستهدف السفن المحظور عبورها من البحر الأحمر بموجب القرار اليمني إسناداً لغزة، مما أثر سلباً على استعدادات واشنطن العسكرية البحرية في المحيط الهادئ حيث تخوض صراع استعداد لأي مواجهات قادمة مع الصين.
تعزيز العلاقات مع قوى دولية: استطاعت صنعاء بسبب قدرتها وجرأتها التي فاجأت الجميع، تعميق تعاونها مع روسيا وإيران، مما زاد من تعقيد المشهد الإقليمي، بحسب رواية وتحليل مراكز الدراسات الأمريكية.
صنعاء: حليف استراتيجي لفلسطين ومصدر إزعاج لخصومها
تمكنت صنعاء من تقديم نفسها كلاعب رئيسي في دعم القضية الفلسطينية. وأثبتت أن دعمها ليس مجرد موقف سياسي، بل استراتيجية شاملة تهدف إلى تعزيز مكانتها كقوة إقليمية، وقد نجحت ذلك بالفعل وفرضت قرارها وأصرت عليه حتى قررت هي وبموجب شروطها التي وضعتها رفع الحظر الملاحي في البحر الأحمر على أمريكا وبريطانيا فيما لا تزال تفرض حظراً على الاحتلال الإسرائيلي بسبب عدم رفع الحصار عن غزة كلياً ولكون وقف النار بغزة لا يزال وقفاً مؤقتاً ولا يزال الجيش الصهيوني يتمركز في مناطق عديدة في قطاع غزة حيث تنتظر صنعاء الانسحاب الكامل ورفع الحصار الكامل عن القطاع.
موقف حاسم من الاحتلال الإسرائيلي: بشكل تلقائي وبسبب قوة الموقف وجرأته التي كانت الشعوب العربية متعطشة لها منذ عقود، تعززت شعبية قيادة صنعاء ليس محلياً فقط بل إقليمياً ودولياً عبر تبنيها مواقف داعمة للمقاومة الفلسطينية واستهدافها لمصالح إسرائيل بشكل مباشر.
إرباك حلفاء واشنطن: وضع التصعيد في البحر الأحمر حلفاء أميركا، وخاصة السعودية، في موقف صعب، حيث بات يُنظر إلى صنعاء كقوة تدافع عن الفلسطينيين، مما قلص من قدرة الرياض على المشاركة في التحالف البحري المعادي لليمن بقيادة واشنطن.
مستقبل الصراع: ماذا بعد؟
يشير محللون إلى أن قدرة صنعاء على فرض قواعد اشتباك جديدة تشير إلى أن اليمن بات يشكل تهديداً حقيقياً للمصالح الغربية والإسرائيلية.
ومع القرار الأمريكي بإعادة تصنيف أنصار الله على لائحة الإرهاب وذلك لمنعهم من الحصول على النصر الكبير الذي حققوه فإن ذلك يعتبر تصعيداً من دونالد ترامب وهذا التصعيد وفق مراكز الدراسات الأمريكية ذاتها قد يؤدي إلى مزيد من التوترات الدولية، خاصة في ظل فشل الولايات المتحدة في إيجاد مخرج يضمن استمرار هيمنتها في المنطقة.
داخلياً، عززت صنعاء من شعبيتها عبر صمودها في مواجهة الضغوط العسكرية والاقتصادية، مما جعلها أكثر استقراراً وتحصيناً من أي وقت مضى.
نصر استراتيجي
أثبتت صنعاء في معركة البحر الأحمر قدرتها على تحويل التحديات إلى فرص، وصنعت نصراً استراتيجياً أعاد تشكيل موازين القوى في المنطقة.
هذا النصر لا يقتصر على تعزيز موقفها السياسي والعسكري، بل يُظهر أن إرادة الشعوب يمكنها أن تتغلب على أعتى القوى إذا ما استندت إلى رؤية واضحة واستراتيجية محكمة.