بين العجز التقني والشح الاستخباراتي: لماذا تستمر أمريكا في إرسال MQ-9 إلى اليمن؟

المساء برس| تقرير: كامل المعمري|

السقوط المتكرر لطائرات “إم كيو-9” الأمريكية في اليمن ، والذي كان آخره قبل ثلاثة أيام، ليبلغ عدد الطائرات التي تم إسقاطها قرابة 13 طائرة منذ انطلاق معركة طوفان الاقصى

يُثير العديد من التساؤلات حول تصميم الولايات المتحدة الأمريكية على إرسالها للتجسس أكثر من مرة فوق الأجواء اليمنية، وكذلك أسئلة جوهرية حول كفاءة الطائرة ومدى قدرتها على تحقيق الأهداف التي صُممت من أجلها. خاصة وأن هذه الطائرة تُروَّج منذ سنوات على أنها من أكثر الأنظمة الجوية تطورًا على مستوى العالم.

هناك تفسيران لا ثالث لهما، سأحاول تفصيلهما في هذه السطور:

تعتمد الولايات المتحدة بشكل كبير على الطائرات بدون طيار كأداة رئيسية في جمع المعلومات الاستخباراتية، خاصة في المناطق التي تفتقر فيها إلى وجود ميداني فعّال. ومع فشل أمريكا في المواجهات البحرية وفشل الكيان الإسرائيلي، أصبحت الحاجة إلى الحصول على بيانات استخباراتية موثوقة أكثر إلحاحا.

هذا الواقع يجعل من الصعب على الولايات المتحدة الاعتماد على مصادرها التقليدية، ما يدفعها إلى المخاطرة بإرسال طائرات “إم كيو-9 ريبر” رغم احتمالات إسقاطها.

قد تكون شحة المعلومات الاستخباراتية نتيجة لتآكل شبكاتها المحلية أو عدم قدرتها على بناء مصادر موثوقة داخل البيئة اليمنية، وهو ما يجعل الطائرة خيارا شبه إلزامي لتعويض هذا النقص.

حتى لو تم إسقاط الطائرة، يمكن للولايات المتحدة الاستفادة من البيانات التي تجمعها قبل تعرضها للتدمير. لكن هذا الرهان يبدو مكلفا للغاية، خاصة وأن خسارة الطائرات بهذا الشكل المتكرر تعني إضعافا متزايدا لصورتها أمام خصومها وحلفائها على حد سواء.

يبدو أن الإصرار الأمريكي على إرسال المزيد من هذه الطائرات إلى اليمن يعكس مأزقا مزدوجا.
فمن جهة، تسعى الولايات المتحدة لتعويض شح المعلومات الاستخباراتية بأي ثمن، ومن جهة أخرى، تجد نفسها عالقة في دائرة من الإخفاقات التقنية والسياسية التي تهدد سمعتها وقدرتها على فرض هيمنتها التكنولوجية.

من جهة أخرى، تواجه الشركة المصنعة للطائرة “جنرال أتوميكس” للطيران أزمة غير مسبوقة، إذ بدأت دول عديدة، سبق أن أبرمت صفقات لشراء هذه الطائرات، بإعادة النظر في جدوى تلك العقود. التقارير تشير إلى أن بعض هذه الدول تفكر في تعليق أو إلغاء الصفقات، ما يهدد مستقبل الشركة ومكانتها في سوق صناعة الطائرات بدون طيار.

هذه الأزمة دفعت الشركة إلى محاولة إنقاذ صورتها من خلال إدخال تحسينات تقنية على الطائرة، وإرسال النسخ المحسّنة إلى اليمن لإثبات فعاليتها.

لكن هذه المحاولات اصطدمت بواقع أكثر تعقيدًا، حيث تعرضت النسخ المعدلة للإسقاط هي الأخرى، ما زاد من الشكوك حول جدوى تلك التحسينات.

حوادث الإسقاط المتكررة في اليمن تؤثر على سمعة هذه الطائرات وتدفع الدول إلى إعادة تقييم استراتيجياتها الدفاعية واحتياجاتها من الطائرات بدون طيار. دول مثل الهند وأستراليا وكندا وغيرها تفكر في الانسحاب من هذه الصفقة نتيجة الإخفاقات المتتالية لهذه الطائرة.

الإشكالية هنا لا تتعلق فقط بالطائرة نفسها، بل تمتد إلى مدى قدرة التكنولوجيا العسكرية الأمريكية على الصمود في وجه التحديات الميدانية. فالسقوط المتكرر للطائرة “إم كيو-9 ريبر” يُبرز تحولا جوهريا في طبيعة الحروب، حيث أصبحت الأنظمة الدفاعية غير التقليدية أكثر قدرة على مواجهة التكنولوجيا عالية التكلفة.

هذا التحدي لا يضع فقط مستقبل هذه الطائرة على المحك، بل يهدد بزعزعة الثقة بمنتجات الشركة المصنعة بشكل عام، وربما بمكانة الولايات المتحدة كمصدر رئيسي للتكنولوجيا العسكرية المتقدمة.

صحفي متخصص في الشأن العسكري

قد يعجبك ايضا