القيادة الفلسطينية والضبع المرقط

د. فايز أبو شمالة – وما يسطرون|

من التراث الفلسطيني، حدثتني أمي رحمها الله، وقالت:

إن الضبع المرقط ذو حيلة، فحين يلتقي مع الإنسان، يبول الضبع على ذيله، ويرش الإنسان، فيصير الإنسان مضبوعاً، يجري خلف الضبع المرقط، ويظن أنه أبوه، يجري، ويجري خلف الضبع، ويقول: انتظرني يا أبي، يا حبيبي يا أبي، خذني معك، ليواصل الضبع المرقط المشي، تاركاً الإنسان المضبوع يلهث خلفه، ويرجوه أن ينتظره، حتى يصل الضبع إلى المغارة، هناك يمسك الضبع المرقط بالإنسان المضبوع، ويأكله.

تذكرت حكاية أمي التي لم تقرأ في كتاب، ولم تخط الحرف، وأنا أسمع عن القيادة الفلسطينية، وهي تجرد الجيوش، وتستدعي العربات المصفحة التي استلمتها من العدو الإسرائيلي، وتشن حملة إعلامية، وحملة عسكرية، ضد شباب المقاومة في الضفة الغربية، ولاسيما شباب المقاومة في مدينة جنين ومخيمها، وقد نشرت وسائل الإعلام مشاهد للأجهزة الأمنية الفلسطينية وهي تقوم بمحاصرة مدينة جنين، وتشرع في قتل المقاومين، واعتقالهم جرحى، وتصفيتهم، بحجة حماية المشروع الوطني، وفي الحقيقة فإن هذه الممارسات لا تخدم إلا المستوطنين الصهاينة، وهي جزء من خطط المتطرفين الإرهابيين أمثال سموتريتش وبن غفير، اللذان وزعا السلاح على المستوطنين في الضفة الغربية، ويستعدون لتطبيق مخططات ضم الضفة الغربية، وتهويد المسجد الأقصى.

سلوك القيادة الفلسطينية بسلطتها التنفيذية، وسلطتها المركزية، وسلطتها الميدانية أشبه بسلوك الإنسان المضبوع، الذي يظن أنه يلحق بأبيه على طريق الصلاح والفلاح، وأنه يمشي على طريق الخير، الذي سيمنحه الحرية والمكانة المرموقة، وأن طريقه طريق السلامة، ليكتشف لاحقاً أنه كان يسير على خطى الضبع، وأنه كان مضبوعاً، وأن طريق الضبع تعني النهاية، وتعني مضغ لحم القضية الفلسطينية، وشرب دمائها التي تنزف بسلاح السلطة الفلسطينية في مدينة جنين.

تضيف أمي إلى حكاية الإنسان المضبوع طريق الخلاص، وتقول:

لا علاج للإنسان المضبوع إلا باللحاق به قبل أن يصل إلى مغارة الضبع، ومن ثم الإمساك به، وضربة بقوة على رأسه، حتى يُشج رأسه، وتسيل منه الدماء، لتطهر الدماء وجه المضبوع من تأثير بول الضبع؛ الذي سيطر على عقل وروح الإنسان المضبوع، وسيّره وفق رغباته، وقتها يفيق المضبوع، ويصحو من الأوهام، ويبدأ بالتساؤل: أين أنا، أين كنت؟ ماذا جرى لي؟ كيف حسبت في لحظة أن الضبع أبي، وأن الضبع من عشاق السلام، وأن الضبع يعمل لمصلحتي، ويرشدني على طريق الحرية، والتخلص من الاحتلال، وكيف غبت عن الوعي حتى جهلت أن المقاومة هي الطريق الوحيد للحرية.

المضبوع بعد أن تشج الجماهير رأسه، وبعد أن تسيل دماءه، يشكر من قام برده عن الخطأ، ومن أهداه الطريق القويم، ومن أخذ بيده من الفناء إلى البقاء.

يبدو أن قيادتنا الفلسطينية المضبوعة من العدو الإسرائيلي بحاجة إلى من يعيدها إلى جادة الصواب، ومن يرد إليها عقلها الوطني، ومن يوقظ فيها الإحساس بالمسؤولية تجاه المجتمع الفلسطيني، الذي يتمنى أن تفيق القيادة الفلسطينية المضبوعة من ضلالها، أو لتذهب هذه القيادة المضبوعة إلى الجحيم.

قد يعجبك ايضا