ما يحدث في سوريا قد يكون خطيرا وجدير بالمتابعة

د. هاني الروسان – وما يسطرون|

بعد اقل من اسبوعين على انهيار النظام السوري ومغادرة بشار الاسد للعاصمة دمشق وانتقاله للعيش في موسكو، شهدت سوريا تسارعا في الاحداث زاد من ضبابية المشهد، الذي ضاعفه التركيز الاعلامي المفتعل على المسار الاستبدادي والقمعي لنظام البعث السوري وطغيان صور سجن صيدنايا وكأنه استثناء في التاريخ السلطوي العربي، والفرح العارم الذي عاشته شوارع المدن السورية احتفاء بالانعتاق من نظام اسرة الرجل الواحد، وصار من الضروري العودة الان الى فحص ما جرى خلال هذين الاسبوعين، لمعرفة طبيعة الاحداث والتطورات اللاحقة، لان الذي حدث لم يكن مجرد سقوط نظام في دولة عربية سقطت قبله انظمة عدة في العراق ومصر وتونس وليبيا واليمن والسودان وقد  تلحقها انظمة اخرى، بل بداية سقوط لنظام اقليمي تجاوز عمره السبعين عاما، وتغيير جذري في هويته السياسية، ومكونات مفاعيله المستقبلية، لتأسيس لما يسمى بالشرق الاوسط الجديد.

وربما كان من ابرز ما وقع بداية من اليوم الموالي لهروب الرئيس السوري هو قيام القوات الاسرائيلية بالتوغل الى خلف خطوط وقف النار مع سوريا واحتلال مساحات واسعة من الاراضي السورية من ذات الطبيعة الاستراتيجية التي تؤثر بالامن القومي لعدة دول في المنطقة، والحملة الجوية لتدمير ليس فقط قدرات الجيش السوري بل كل بنيته الهيكلية وتحويل سوريا الى دولة منزوعة السلاح تمنح اسرائيل مدى حيويا واسعا يوفر لها حرية مناورة استراتيجية خطيرة تهدد الامنين الاقليمي والدولي ، في ظل صمت دولي وعربي وسوري مثير للشك والريبة واقتصر فقط على ضرورة ان يتحمل المجتمع الدلي مسؤولياته بهذا الشأن.

1 ـ وما يزيد من حدة الشك والتخوف ان ترافق ذلك مع ما ورد على لسان قائد غرفة العمليات العسكرية احمد الشرع من ان النية تتجه لوقف العمل بالتجنيد الالزامي واقتصار بنية الجيش على المتطوعين، وان كان ذلك يحمل في طياته عدة دلالات منها التشبه بالدول الديمقراطية ودعوة قطاعات واسعة من الشباب السوري الذي غادر سوريا في وقت سابق تهربا من هذه الخدمة للعودة الى سوريا والمشاركة بجهود اعادة بناء الدولة، الا انها تأتي في سياق بالاضافة الى انه مبكر القيام بها قبل معرفة اتجاهات الاحداث مستقبلا، فان الخدمة الالزامية كانت في تقليد النظام السابق والوعي الجمعي للناس تدخل في سياق العداء لاسرائيل والاستعداد للحرب معها، حتى وان لم يتحرأ ولو لمرة واحدة على الرد على الاستباحات الاسرائيلية للسيادة السورية.

2 ـ يضاف الى ذلك التصريحات المبكرة وقبل دخول دمشق وسقوط النظام  كليا ما نقل على لسان قائد غرفة عمليات قوات المعارضة وكررها لاحقا من ان سوريا المنهكة ليست بصدد محاربة احد، كما ان للنظام الجديد اولوية الاعمار واعادة بناء الدولة، وهذه حقيقة لا يمكن انكارها، ولا يمكن انكار ان من حق الشعب السوري استراحة محارب على الاقل، غير ان كل ذلك كان من الممكن ان يتم بدون ضرورة لمثل هذه التصريحات التي لا تقف عند كونها تصريحات فقط، بقدر ما انها تشي بتوجهات جديدة ايضا تتعلق بقيم علاقات العيش المشترك لشعوب المنطقة، وتساوقا مع النهج العام لسياسات انظمة الحكم في دول الاقليم والانخراط في نهج التطبيع العربي المجاني مع اسرائيل.

ونحن في هذا السياق وان كنا لسنا الان بصدد تحليل خطاب الشرع بوصفه زعيما لهذا التغيير في سوريا، غير ان ذلك لا يمنع من ضرورة الاشارة الى ملاحظة فارقة في كل تصريحاته وخطاباته التي القاها حتى الان وهي تعمده الابتعاد عن كل ما من شأنه ان يساهم في تحديد هوية سوريا العربية واستبدال ذلك بالهوية الاسلامية، حيث كرر اكثر من مرة عبارة الامة الاسلامية بديلا عن الهوية الغربية التي كانت تصبغ عادة الخطاب السياسي للدولة السورية على مر تاريخها الحديث، كما انه لم يسجل في كل منطوقه خلال نفس الفترة اية اشارة الى فلسطين او الى الصراع العربي الاسرائيلي، وهو ما يطرح تساؤلا مشروعا عن سبب ذلك، وفيما كان ذلك يدخل في اطار ما يسمى بالتكتيك، ام ان له دلالات تتعلق بطبيعة مستقبل المنطقة وهويتها ونوعية تفاعلاتها.

ولئن كان من المبكر التوقف امام كل ذلك غير ان ذلك ومرة اخرى لا يمنع من ضرورة الاشارة الى بعض التخوفات من ان يكون هذا الخطاب الذي ينتمي بكثير من مفرداته الى الاسلام السياسي وهذا امر طبيعي باعتبار الرجل من صلب قيادات هذا التيار متعدد الفصائل ومتعدد مكونات خطابه السياسي، ولكن الامر هو خروج الشرع عن كل مكونات هذه التيارات، باستثناء الاسلام التركي او تيار اردوغان تحديدا سليل الخطاب السياسي التركي الذي يزاوج بين العلمانية والاسلام او ان صح التعبير خطاب تتريك الاسلام ولكن بفارق كبير عن محاولات التتريك المبكرة للعلمانية التركية، وهذا بحد ذاته ليس مهما او خطيرا الا بالقدر الذي يساهم فيه بنزع الجانب الهوياتي عن النظام العربي ليصبح مدخلا لدخول تركيا واسرائيل وغريهما من دول واطراف الشرق الاوسط الذي عرف تاريخيا بانه مفهوم سياسي وليس جغرافي يضيق ويتسع وفقا لاهداف وسياسات الدول الكبرى وذات المصالح.

فمما لا شك فيه ان مساحة احتمالات تعايش الاسلام التركي مع اسرائيل اوسع بما لا يقارن بمساحة الاسلام الايراني او بقية جماعات الاسلام السياسي العروبي، طبعا وفقا لمعايير الخطاب المعلن، وفي هذا يتشكل ميل لفهم التفويض الامريكي للتحرك التركي على الساحة السورية، اذ يمكن لذلك ان يوفر لتركيا دورا اقليميا معترف به من قبل اكثر من طرف من الاطراف الاقليمية وينتقل بها من مؤخرة الترتيب في حال الاندماج مع اوروبا الى طليعة الترتيب في تفاعلات الشرق الاوسط يمنحها مزيدا من اوراق الضغط والتفاوض مع الاطراف الدولية، ويخفف من حدة مخاوف دول الاقليم من عودة الرهان الامريكي على الاسلام السياسي التقليدي كورقة ضغط في وجه اصدقائها العرب، وينهي فاعلية الدور الايراني.

ولكن من الحانب الاخر وهو الاهم من وجهة نظر امريكية اسرائيلية فان سلخ البعد العروبي من الهوية السياسية للنظام العربي او بصورة ادق القضاء عليه تماما يسهل على اسرائيل الاندماج به وينزع على البعد البعيد من الوعي الجمعي استثنائية الوجود الاسرائيلي بالاقليم الذي مثل سببا مباشرا في فشل محاولات التطبيع وادماج اسرائيل في محيطها.

من هذا فان علينا ان نتابع ما يحدث في سوريا، اذ من شأنه ان يكون ولادة مشوهة وخطيرة ان لم يتم مراقبته وتصحيح ما قد ينطوي عليه، حيث ان تسلل اسرائيل الى ثناياه دون الاقرار بالحقوق الوطنية الفلسطينية واقامة الدولة المستقلة على حدود عام 1967 لن يعني الا محاولة لتصفية القضية الفلسطينية وخلق اسباب توتر جديدة.

قد يعجبك ايضا