آخر اعترافات قائد الأسطول الأمريكي الخامس بعد عام من المعركة في البحر الأحمر
خاص – المساء برس| تقرير: يحيى محمد الشرفي|
في تطور استراتيجي غير مسبوق، تمكن اليمن خلال أكثر من عام من كسر هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على البحر الأحمر، وتحدي السيطرة التقليدية التي مارستها البحرية الأمريكية لعقود.
بدأ هذا التحول الجوهري في نوفمبر 2023، حين فرضت القوات اليمنية حصارًا بحريًا على الملاحة الإسرائيلية عبر البحر الأحمر، مفتتحة جبهة إسناد قوية للمقاومة الفلسطينية في غزة بوجه الاحتلال والعدوان والحصار الإسرائيلي على قطاع غزة.
حصار بحري أربك الحسابات الدولية
فرض الحصار اليمني على الملاحة الإسرائيلية ضغوطًا هائلة على الاقتصاد الإسرائيلي، وأدى إلى شلل في ميناء أم الرشراش (إيلات) الذي انتهى به المطاف بعد أشهر قليلة من الحصار بإعلان الإفلاس إضافة لشلل حركة السفن المرتبطة بإسرائيل التي تعتمد على هذا الممر الحيوي.
ولأجل هذا وفي ليلة الـ19 من ديسمبر العام الماضي، أعلن وزير الدفاع الأمريكي من داخل كيان الاحتلال الإسرائيلي عن عملية “حارس الازدهار” لمنع اليمن من مواصلة فرض الحظر على الملاحة الإسرائيلية، لكن الآية انقلبت على واشنطن ومن معها، فمما زاد من تعقيد الوضع، حظر اليمن مرور السفن الأمريكية والبريطانية في البحر الأحمر كرد فعل على العدوان الأمريكي البريطاني العسكري المستمر ضد الشعب اليمني. وهذه الخطوة اعتُبرت تحديًا مباشرًا للهيمنة البحرية الأمريكية، وأثبتت قدرة اليمن على التأثير في الأمن الإقليمي والدولي.
هزيمة سريعة
لم يكد ينتهي عام 2023 حتى أقرت صحيفة “ناشيونال انترست” الأمريكية بأن من أسمتهم “الحوثيين” أثبتوا في 2023 قدرتهم على إبعاد البحرية الأمريكية باستخدام صواريخ مضادة للسفن بتكلفة بسيطة، مما أظهر ضعف حاملات الطائرات الأمريكية التي كانت رمزًا للقوة العسكرية، لكنها أصبحت قديمة وعرضة للهجمات في الحروب الحديثة التي أتى بها المقاتل اليمني.
اعترافات أمريكية بالفشل
وفي سلسلة من التصريحات اللافتة وبعد عام على إعلان عملية “حارس الازدهار” لحماية الملاحة الإسرائيلية، أقر قائد قوات الأسطول الأمريكي الخامس، الأدميرال داريل كودل، بعجز البحرية الأمريكية عن التعامل مع القدرات العسكرية اليمنية. ووصف كودل ما حدث في البحر الأحمر بأنه “قصة لا تُصدق”، مشيرًا إلى أن قواعد الاشتباك الأمريكية لم تعد كافية لمواجهة التحديات الجديدة. كما أشار إلى أن البحرية الأمريكية ليست في وضع جيد فيما يتعلق بتحديث السفن أو الصيانة اللازمة، ما أثر على جاهزيتها للاستجابة للتهديدات.
كودل لم يكن الوحيد الذي أقر بتلك التحديات؛ محللون غربيون أكدوا أن القدرات العسكرية اليمنية تجاوزت التوقعات. فالهجمات اليمنية، التي شملت صواريخ باليستية وطائرات مسيّرة، أظهرت دقة استهداف عالية وتعقيدًا في التخطيط العملياتي، مما أربك الدفاعات الأمريكية والإسرائيلية على حد سواء.
اليمن يقاتل بلا سقف ولا خطوط حمراء
أثبتت الهجمات اليمنية التي استهدفت بشكل مباشر 3 حاملات طائرات أمريكية في كل مرة تتواجد فيها في منطقة العمليات اليمنية في البحر الأحمر أو البحر العربي، أثبتت أن اليمن قاتل ولا يزال بدون أي سقف وبدون أي خطوط حمراء وهو ما لم يعهده الأمريكي.
قائد سفينة حاملة الطائرات (دوايت دي أيزنهاور)، تشوداه هيل، التي استهدفتها القوات اليمنية ثلاث مرات خلال أيام قليلة حتى سحبها البنتاغون نهائياً من البحر الأحمر، قال في اعترافات نشرتها الصحافة الأمريكية “في بعض الحالات، كنت أرتدي البيجامة طوال الوقت – ولست خائفًا من قول ذلك – بحذاء المنزل، لم يكن لدي وقت لارتداء الزي الرسمي، إنها المرة الأولى التي تتعرض فيها حاملة طائرات أمريكية لتهديد مباشر مستمر من عدو منذ الحرب العالمية الثانية”.
اعترافات فاضحة من قادة المعركة
قائد السفينة الحربية يو اس اس ماسون التي شاركت في القتال ضد اليمن وتعرضت أكثر من مرة للاستهداف المباشر بالصواريخ والطائرات المسيرة اليمنية، قال في تصريح للصحافة الأمريكية “لقد كانت عمليات قتالية مستمرة غير مسبوقة، لم يسبق لها مثيل منذ الحرب العالمية الثانية، إنك تواجه تهديدات أكثر تطوراً، وتواجه التواجد داخل منطقة اشتباك بالأسلحة لعدة أيام وأشهر في كل مرة”.
القائد كارل إلزوورث، قائد سرب الساحل الغربي الذي شارك في مجموعة آيزنهاور في البحر الأحمر واصفاً الأشهر التي بقي فيها في المنطقة أثناء المواجهات مع القوات اليمنية: “لا أستطيع أن أتذكر آخر مرة خاضت فيها البحرية مهمة أكثر تحديًا مع مزيج من التهديدات المتعددة، والفرص المحدودة للغاية للراحة والاسترخاء، والقتال الحقيقي. ليس فقط للطيارين، بل ولطاقم المجموعة الضاربة بأكملها أيضًا، في أكثر المعارك نشاطًا في البحر منذ الحرب العالمية الثانية”.
قائد مجموعة حاملة الطائرات الثانية يو اس اس ايزنهاور، الادميرال كافون حكيم زاده: “ربما يكون البحر الأحمر من أكثر البيئات تحدياً في العالم سواءً كان الأمر يتعلق بشيء يطير بسرعة كبيرة وعلى ارتفاع عالي (ويقصد الصواريخ اليمنية الباليستية المضادة للسفن الفرط صوتية) أو شيء يطير على ارتفاع منخفض (يقصد الطائرات المسيرة)، إن الضغط الحقيقي كان ينبع من حقيقة أن الحوثيين كانوا هم الذين يقررون متى يريدون إطلاق النار، لذا كان عليك بالتأكيد أن تكون يقظًا ضد ذلك كل يوم”.
أما قائد إحدى أسراب الطائرات الأخرى التي شاركت في القتال فقال “إن محاربة طائرات الحوثي بدون طيار والصواريخ الباليستية المضادة للسفن أو المجنحة تعني القتال ضد مجموعة لا يستطيع معظم البحارة على متن حاملة الطائرات رؤيتها، لم يجرؤ أحد على تحدينا على المياه منذ الحرب العالمية الثانية”.
تحول استراتيجي نحو الهجوم الاستباقي
وبعد مرور عام من كل هذا القتال بدون نتيجة، وفي محاولة لاحتواء التهديد، دعت القيادة الأمريكية إلى تغيير قواعد الاشتباك لتصبح أكثر استباقية. حيث تحدث الأدميرال كودل عن ضرورة التحرك “وفق توقيتنا وإيقاعنا” لمنع الهجمات قبل وقوعها. ومع ذلك، فإن هذه الاستراتيجية لم تُترجم إلى نجاح ملموس، حيث استمرت القوات اليمنية في توجيه ضربات دقيقة ومنسقة طالت أهدافًا استراتيجية داخل العمق الإسرائيلي عوضاً عن مواصلة الهجمات ضد السفن الحربية الأمريكية.
بل إن اليمن زاد على ذلك بأن كان هو المبادر إلى تنفيذ عمليات هجومية ضد البحرية الأمريكية بهدف إفشال هجمات عدوانية جوية ضد اليمن كما حدث مع حاملة الطائرات أبراهام لينكولن في البحر الأحمر التي استهدفت أثناء تحضير طاقمها لهجوم ضد اليمن ما كشف حجم القدرات اليمنية في الهجوم وفي الحصول على المعلومة الاستخبارية وفي الجرأة غير المسبوقة في وضع حد لصاحبة أكبر أسطول بحري عبر المبادرة بهجوم استباقي لم يسبق أن تجرأ أحد من خصوم أمريكا على تنفيذه.
أعباء اقتصادية على البنتاغون
أحد أبرز التحديات التي واجهتها الولايات المتحدة هو الكلفة الاقتصادية العالية لاعتراض الهجمات اليمنية. الصواريخ الاعتراضية، التي تبلغ كلفتها ملايين الدولارات لكل عملية، دفعت البحرية الأمريكية إلى البحث عن خيارات أقل تكلفة، ما يعكس القلق المتزايد بشأن الفعالية الاقتصادية في مواجهة التهديد اليمني.
جبهة إسناد للمقاومة الفلسطينية
لم يقتصر التأثير اليمني على البحر الأحمر فقط؛ فقد شكلت هذه العمليات دعمًا مباشرًا للمقاومة الفلسطينية في غزة، ما أضاف بُعدًا جديدًا للصراع الإقليمي. فرض الحصار البحري على إسرائيل جعلها تواجه ضغوطًا غير مسبوقة، وأثبت أن اليمن قادر على ممارسة دور فاعل في إعادة تشكيل موازين القوى في المنطقة.
تحولات موازين القوى في البحر الأحمر
التصريحات الأمريكية والمحللين الغربيين أجمعت على أن اليمن نجح في فرض معادلة جديدة في البحر الأحمر. القدرات العسكرية اليمنية، التي تطورت بشكل لافت، استطاعت أن تخلق تحديات استراتيجية للقوى الكبرى.
وما حققه اليمن خلال العام الماضي يمثل تحولًا نوعيًا في موازين القوى الإقليمية والدولية. قدرة اليمن على شل الملاحة الإسرائيلية، وفرض حظر على السفن الأمريكية والبريطانية، كشفت عن ضعف الهيمنة التقليدية للولايات المتحدة وأكدت أن القدرات العسكرية اليمنية أصبحت رقمًا صعبًا في معادلة الأمن العالمي.
“الردع الأمريكي: خيال يفشل أمام الواقع”
وبعد عام على الحرب الأمريكية البحرية الفاشلة ضد اليمن، يرى الباحث الأمريكي مالكوم كييون أن فشل الردع الأمريكي ينبع من افتقاره إلى فهم نفسيات الخصوم، مثل الحوثيين، الذين تعرضوا للقصف المتواصل بأسلحة أمريكية دون أن يثنيهم ذلك عن المقاومة. يشبّه كييون “الردع” بطقوس سحرية، حيث يعتقد الغرب أن مجرد استخدام الأسلحة المتقدمة سيجبر الخصوم على الطاعة، دون اعتبار للواقع أو قدرة الخصوم على التحدي. الردع أصبح بالنسبة للغرب دراما نفسية يرويها لنفسه، وليس استراتيجية فعالة، حيث يلجأ إلى الخيال لتعويض خسائره في مواجهة خصوم يرفضون الخضوع للهيمنة.