أنصار الله: حركة يمنية ذات إرادة مستقلة بعيدة عن الوصاية الإيرانية
كامل المعمري – المساء برس|
بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، طرح أحد الأصدقاء عليّ سؤالاً يبدو للوهلة الأولى مشروعا: هل سترفع إيران يدها عن الحوثيين وتبيعهم كما فعلت مع بشار الأسد
لكن هذا السؤال يكشف عن سوء فهم عميق لعلاقة إيران بالحوثيين، وتحديدا لطبيعة استقلالهم السياسي والإستراتيجي.
الحوثيون، أو أنصار الله كما يطلقون على أنفسهم، ليسوا تابعين لإيران بأي شكل من الأشكال، بل هم حركة يمنية ذات هوية وطنية راسخة تتخذ قراراتها بما يتوافق مع مصالح الشعب اليمني أولا، بعيدا عن أي تدخلات خارجية.
من المهم أولا أن نوضح أن إيران ليست صاحبة اليد الطولى في اليمن.
على الرغم من أن البعض قد ربط الحوثيين بإيران نتيجة لدعم طهران العسكري والسياسي لهم، فإن هذا الدعم لا يعني أنهم تابعين لها أو تحت وصايتها.
بل في الواقع هم حركة يمنية محلية، ذات هوياتها وأهدافها المستقلة، ولا يتلقون أي توجيهات مباشرة من طهران وما يجمعهم بإيران هو القضية الفلسطينية وبعض الرؤى الإيديولوجية المشتركة، مثل العداء لأمريكا وإسرائيل، لكن هذه القواسم المشتركة لا تعني بالضرورة أنهم مجرد أداة في يد طهران.
شهادة أخرى تدعم هذه الحقيقة جاءت من الجنرال الأمريكي المتقاعد، ديفيد بترايوس، الذي صرح في تصريحات إعلامية خلال عام 2021 بأن الحوثيين “يتمتعون بدرجة عالية من الاستقلالية” وأنه لا يمكن اعتبارهم مجرد أداة في يد إيران. هذه التصريحات تؤكد أنهم لاعبون مستقلون يتخذون قراراتهم بناءً على مصالح اليمن ولا يقتصر دورهم على تلبية الأوامر الإيرانية.
بترايوس أضاف أيضاً أن “الحوثيين ليسوا تابعين لطهران بأي شكل من الأشكال” وهو تأكيد على أن السياسة الحوثية تتشكل من واقع اليمن الداخلي قبل أن تتأثر بالعوامل الإقليمية.
في هذا السياق، تبرز التصريحات الأخيرة من المسؤولين الأمريكيين لتؤكد ما كان الحوثيون يرددونه منذ سنوات إنهم ليسوا مجرد أداة في يد إيران، بل هم من يمتلكون قراراتهم بالكامل.
وزير الدفاع الأمريكي، في تصريحات حديثة، أكد أن الحوثيين “يتخذون قراراتهم بأنفسهم”، وهذا ما يعكس تحولا في الفهم الغربي للعلاقة بين أنصار الله وطهران. التصريحات الأمريكية الأخيرة تشير إلى أنهم يتمتعون باستقلالية في صنع القرار، وهو ما يؤكد حقيقة دامغة تفيد بأن الحركة تمضي قدما في مسارها الوطني بعيدا عن أي تبعية.
لم يقتصر الأمر على التصريحات الأمريكية فقط، بل سبقها العديد من المواقف الدولية والإقليمية التي أكدت على استقلالهم عن طهران.
منذ بداية الحرب العدوانية على اليمن، أثبتت حركة أنصار الله قوة وصلابة غير مسبوقة في مواجهة التحديات العسكرية والسياسية وعلى الرغم من الحملات الإعلامية والسياسية التي قد تحاول التقليل من شأنهم، فإن الواقع على الأرض يثبت أنهم ليسوا مجرد فصيل من دون دعم أو رؤية استراتيجية طويلة المدى.
قد يروج البعض لفكرة أن إيران قد تخلت عن حلفائها في بعض المحطات، ويُقال أن هذا المصير قد يصيب الحوثيين كما أصاب بشار الأسد في سوريا. إلا أن هذه القراءة هي قراءة سطحية وغير دقيقة في فهم ما يحدث في اليمن.
منذ اندلاع الحرب في اليمن، وصولا الى طوفان الاقصى عمل الحوثيون على بناء قوة عسكرية منظمة ومدروسة، ونجحوا في تجهيز أنفسهم لمواجهة طيف واسع من القوى المعادية سواء كانت داخلية أو خارجية. لا يمكن مقارنة وضعهم في اليمن بالوضع في سوريا، فالحرب في اليمن كانت مختلفة، من حيث التجهيزات العسكرية، والتحركات السياسية، والإعداد النفسي والمعنوي. فمنذ سنوات، عمل الحوثيون على تعزيز قدراتهم القتالية وتوسيع دائرة تأييدهم الشعبي، وزرعوا في الشعب اليمني روح المقاومة والصمود في وجه كل التحديات.
ما يميز انصار الله. عن غيرهم هو أن الحرب التي يخوضونها ليست مجرد مواجهة تقليدية، بل هي صراع وجود.
و الحركة تدرك تماما أنها في قلب معركة كبيرة، ليس فقط ضد خصوم داخليين، بل ضد قوى إقليمية ودولية تحاول فرض أجندتها على اليمن والمنطقة بأسرها. هذه الحقيقة جعلتهم أكثر تصميما على المضي قدما في معركة الدفاع عن السيادة الوطنية ضد التدخلات الأجنبية، مما جعلهم يتجاوزون الصعوبات العسكرية والاقتصادية التي تعرضوا لها.
أما في ما يتعلق بالإنجازات العسكرية، فقد أثبت انصار الله أنهم قوة لا يستهان بها. معركة البحر على سبيل المثال، والتي لاتزال مستمرة حتى يومنا هذا ضد الولايات المتحدة وبريطانيا واسرائيل وهي معركة أظهرت تفوقهم العسكري الاستثنائي فقد استطاعوا إلحاق الهزائم بالقوى الكبرى من خلال استراتيجيات ذكية، وتكتيك غير تقليدي، بل وحققوا أيضا مكاسب على الأرض التي أثبتت قدرة على السيطرة وإعادة ترتيب الوضع لصالحهم.
هذه الانتصارات على الأرض تجعلهم أكثر إصرارا على استكمال مسيرتهم في الدفاع عن وطنهم، وعن فلسطين المحتلة ويكسرون بذلك كل توقعات من يعتقدون أن دعمهم الإقليمي سيخبو مع مرور الوقت..
ولذلك اقول أن الربط بين سقوط نظام بشار الأسد في سوريا وبين الحوثيين في اليمن يعد تفسيرا مغلوطا، لأن كل دولة لها سياقها وظروفها الخاصة. ما يحدث في اليمن هو حرب إرادة وصمود في مواجهة قوى كبرى، ومن هذا المنطلق، يظل الحوثيون القوة التي لا يمكن تجاهلها، بل إنهم أكثر استعدادا واستنفارا لأي معركة قادمة مع خصوم الداخل و الخارج، ولن يتراجعوا عن تحقيق أهدافهم الوطنية بل على العكس، هم في حالة من الجهوزية المستمرة التي تضمن لهم التفوق في أي مواجهة قد تطرأ في المستقبل.