هل كان المخطط لتدمير القدرات السورية باتفاق مسبق بين إسرائيل والفصائل المسلحة؟
خاص – المساء برس| تقرير: يحيى محمد الشرفي|
على الرغم من الدعم العسكري الذي تلقته الفصائل السورية المسلحة من الولايات المتحدة وتركيا وإسرائيل بهدف الإطاحة بنظام بشار الأسد، كانت هناك مفارقات واضحة في مسار الأحداث العسكرية بعد سقوط النظام. فقد تمكنت هذه الفصائل من السيطرة على دمشق والعديد من المدن الرئيسية في سوريا، إلا أنها لم تضع يدها أو تسيطر على المعسكرات والقواعد العسكرية التابعة للجيش السوري، مما يثير العديد من التساؤلات حول الدور الذي لعبته إسرائيل في تدمير هذه المنشآت الحساسة.
في هذا السياق، خرج رئيس هيئة تحرير الشام، أحمد الشرع (الجولاني)، بتصريح مفاجئ، حيث أعلن أن الفصائل المسلحة لا تعتزم الدخول في صراع مع إسرائيل. وقال الجولاني في مقابلة تلفزيونية مع القناة السورية: “لسنا في صدد الخوض في صراع مع إسرائيل”، مؤكداً أن سوريا قد “انهكتها سنوات من الحروب والصراعات” وأنها “ليست مؤهلة لخوض معركة ضد إسرائيل”. هذه التصريحات تبرز التوجهات الجديدة للقيادة السورية الحالية، والتي يتخلى فيها الجولاني عن أي نية لمحاربة إسرائيل في ظل الوضع المتأزم في سوريا.
مواقف الجولاني المتساهلة تجاه إسرائيل فتحت المجال لتفسيرات عديدة، أبرزها أن هناك علاقات غير معلنة بين سلطات دمشق الجديدة وتل أبيب. ورغم تأكيدات الاحتلال الإسرائيلي بعدم انسحابه من المناطق التي احتلها بعد سقوط الأسد، بما في ذلك جبل الشيخ، إلا أن هناك مؤشرات على تقاسم أدوار بين إسرائيل والفصائل المسلحة لتدمير سوريا سياسيًا وعسكريًا. وقد كان أحد أبرز مظاهر هذا التنسيق هو ما حدث مع القواعد العسكرية السورية.
ففي الوقت الذي انسحب فيه الجيش السوري من هذه القواعد والمنشآت بشكل سلمي، تاركًا وراءه ترسانة ضخمة من الأسلحة والمعدات العسكرية، لم تقم الفصائل المسلحة بالسيطرة على هذه القواعد وإعلان سلطتها وسيادتها عليها. بل بقيت هذه القواعد بدون أي سيطرة بشرية عليها. وبمجرد الإعلان عن سقوط نظام بشار الأسد واستلام الفصائل المسلحة للسلطة وإعلانها دخولها دمشق وبسط السيطرة العاصمة كلياً بدأت إسرائيل بشن قصف جوي عنيف استهدف كل القواعد العسكرية والمخازن وترسانة السلاح التابع للدولة السورية، وعلى مدى 6 أيام من القصف بقيت الفصائل المسلحة التي استلمت السلطة في دمشق صامتة على ما يحدث، مما يعزز الفرضية بوجود اتفاق مسبق سمح لإسرائيل بتدمير الترسانة العسكرية السورية دون تدخل الفصائل المسلحة التي من الواضح أنها تعمّدت أن تبقى بعيدة عن هذه القواعد والمعسكرات إلى أن تنتهي إسرائيل من مهمة تدميرها وتدمير ما فيها من ترسانة عسكرية.
تدمير إسرائيل لهذه القواعد والمطارات العسكرية بعد سقوط النظام، بينما كانت الفصائل المسلحة تركز على السيطرة على المدن الرئيسية والبنوك والمطارات المدنية فقط، يعكس تحولًا دراماتيكيًا في استراتيجية الأطراف المتورطة في الحرب السورية. هذا التنسيق الخفي بين إسرائيل والفصائل المسلحة يثير العديد من الأسئلة حول الأهداف الحقيقية لهذه الفصائل ودورها في تدمير القدرات العسكرية السورية لصالح إسرائيل ودورها أيضاً في المخطط الإسرائيلي الاحتلالي والتوسعي في المنطقة.
الأسئلة المطروحة اليوم تتعلق بالطبيعة الحقيقية للتحالفات الخفية التي قد تكون تشكلت بين إسرائيل والفصائل المسلحة التي سيطرت على سوريا، لتفكيك مقدرات الشعب السوري العسكرية تدريجياً، وهو ما يفتح الباب أمام تساؤلات أوسع حول مستقبل سوريا والمنطقة في ظل غياب استراتيجيات متماسكة لردع الاعتداءات الإسرائيلية وضمان سيادة الدولة السورية على أراضيها من قبل السلطة الجديدة لدمشق.