عودة الإخوان من بوابة ليبيا: هل تترك مصر الساحة لتركيا؟ وهل يتكرر السيناريو السوري في مصر؟
المساء برس| تقرير| كامل المعمري|
من المؤكد ان التوتر الإقليمي بين مصر وتركيا سيعود للواجهة مجددا وفي عدة ملفات، وقد تصبح ليبيا الساحة الأبرز خلال الاسابيع القادمة خاصة في ظل التعقيدات المتزايدة الناجمة عن “إعلان أنقرة”، الذي يعزز من نفوذ تركيا وإثيوبيا في منطقة القرن الأفريقي على حساب المصالح المصرية.
اتفاق انقرة مثل محطة جديدة في الصراع حيث سيمكن إثيوبيا من الوصول إلى ساحل البحر الأحمر عبر الأراضي الصومالية. يُنظر إلى هذه الخطوة على أنها تعزيز كبير لمكانة أديس أبابا، الخصم التقليدي لمصر في نزاع مياه النيل، مما يهدد المصالح المصرية الإقليمية بشكل مباشر.
بالنسبة لمصر، يشكل هذا الاتفاق تهديدا مزدوجا فمن جهة، يعزز النفوذ الإثيوبي في المنطقة ويوفر لها ورقة ضغط إضافية في مفاوضات سد النهضة، خاصة أن الوصول إلى منفذ بحري يرفع من مكانة إثيوبيا الاستراتيجية. ومن جهة أخرى، يعكس الاتفاق تراجعا للدور المصري التقليدي في مناطق نفوذه التاريخية في القرن الأفريقي وحوض النيل، والذي كان يعتمد على العلاقات الثقافية والتاريخية مع دول المنطقة.
بالعودة الى ليبيا، التي تمثل عمقا استراتيجيا لمصر، ليست مجرد ساحة نزاع إقليمي، بل تمثل أيضا خط دفاع رئيسيا ضد التهديدات الأمنية والاقتصادية والسياسية التي قد تتصاعد مع تعاظم النفوذ التركي في المنطقة.
في السياق تشير تقارير متعددة إلى قيام أنقرة بحشد قوات موالية لها إلى جانب عشائر مسلحة، بهدف تعزيز سيطرتها على كامل الأراضي الليبية خاصة المنطقة الشرقية المحاذية للحدود المصرية هذه التحركات، التي تأتي بعد اتفاق وقف إطلاق النار لعام 2020 الذي رعته مصر وتركيا لتجنب تصعيد عسكري مباشر، تمثل خرقا واضحا للاتفاق وتهديدا صريحا للأمن القومي المصري.
في عام 2020، عندما كانت الأوضاع في ليبيا على شفا الانفجار، وضعت مصر خطوطا حمراء واضحة عند محور سرت-الجفرة، محذرة من أن تجاوزها سيؤدي إلى رد عسكري حاسم حينها استجاب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للتحذير المصري، وأذعن لضغوط القاهرة ودول إقليمية أخرى، مما أدى إلى تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار لكن ما نشهده اليوم يعكس نوايا تركيا للتراجع عن التزاماتها السابقة، حيث عادت إلى دعم القوات الموالية لها في طرابلس وربما بضوء اخضر امريكي خصوصا بعد انتصارها في سوريا باسقاط نظام الاسد عبر دعم المعارضه المسلحة.
تتحدث التقارير الاعلامية بأن التصعيد التركي في ليبيا لا يقتصر على تهديد استقرار هذا البلد المنقسم، بل يمتد إلى استهداف مباشر للحدود الغربية المصريةو في حال تمكنت هذه القوات المدعومة من تركيا من التقدم نحو الشرق الليبي، فقد تقترب من تنفيذ مخططات تهدف إلى إعادة جماعة الإخوان المسلمين إلى الواجهة في مصر، باستخدام ليبيا كقاعدة خلفية وبالتالي فان هذا السيناريو يشكل خطرا وجوديا على الأمن القومي المصري، خاصة في ظل وجود قوى إقليمية ودولية تدرك أبعاد المخطط التركي وتسعى لاحتوائه.
مصر، التي لطالما أبدت صرامة تجاه أي تهديد لأمنها الغربي، حتى الان لم تصدر اي موقف رسمي لكنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذا التصعيد التركي الجديد. احتمالات اشتعال الوضع في ليبيا باتت تتزايد، والقوات المسلحة المصرية قد تجد نفسها مضطرة إلى اتخاذ خطوات استباقية للقضاء على التهديد القادم من الغرب الليبي.
في هذه الاثناء يتوقع مراقبون بان التدخل المصري قد يبدأ باستهداف مراكز تجمع القوات الموالية لتركيا في مناطق طرابلس وغرب ليبيا، إلى جانب دعم الحلفاء في شرق البلاد، وعلى رأسهم قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر.
التحركات المصرية لن تكون منعزلة، بل قد تحظى بدعم قوى إقليمية ودولية قلقة من الدور التركي في ليبيا، لا سيما الدول المتضررة من أنشطة تركيا في مناطق أخرى مثل سوريا والقرن الأفريقي. هذا التحالف المحتمل قد يؤدي إلى حصار شامل للجماعات المسلحة المدعومة من تركيا في ليبيا مما يسهم في تقليص نفوذ أنقرة ووقف تمددها الإقليمي.
مصر تدرك أن تركيا تستخدم ليبيا كقاعدة لتوسيع نفوذها في شمال أفريقيا، من خلال دعم حكومة طرابلس والقوات المتحالفة معها وبالنسبة للقاهرة، فإن تعزيز التواجد التركي في ليبيا يشكل تهديدا مباشرا لأمنها القومي لاسيما ان انقرة اصبحت شريكا مهما للولايات المتحدة الامريكية خصوصا بعد ازاحتها للنفوذ الروسي من سوريا وبالتالي فان تحركات تركيا في ليبيا مهمة بالنسبة لامريكا واسرائيل لتطبيق السيناريو السوري الذي سيمكن امريكا من ازاحة النفوذ الروسي في ليبيا وسيمكن اسرائيل من القضاء على الترسانه العسكرية المصرية في حال نجحت تركيا بتوسيع نفوذها في الحدود المصرية الليبية ودعم جماعة الاخوان المسلمين للعودة الى السلطة في مصر.
من المتوقع أن تسعى مصر إلى تعزيز دعمها السياسي والعسكري لمعسكر شرق ليبيا بقيادة المشير خليفة حفتر، الذي يمثل الحليف الأقرب لها في النزاع الليبي. هذا الدعم قد يتخذ أشكالا مختلفة، منها زيادة الإمدادات العسكرية والتقنية لقوات حفتر، وتعزيز التنسيق الاستخباراتي لمواجهة التحركات التركية في غرب ليبيا. كما قد تسعى مصر إلى الضغط على المجتمع الدولي لإعادة النظر في دعم حكومة طرابلس، مبررة ذلك بأنها أصبحت أداة للنفوذ التركي في المنطقة.
إلى جانب التصعيد العسكري، يمكن أن تلجأ مصر إلى خطوات سياسية ودبلوماسية لتعزيز موقفها في ليبيا. قد تعمل على بناء تحالفات إقليمية مع دول مثل الجزائر وتونس والامارات للحد من النفوذ التركي، مستغلة القلق المشترك من التدخل الأجنبي في الشؤون الليبية. كما يمكن أن تستخدم القاهرة علاقاتها مع القوى الكبرى، مثل روسيا وفرنسا، للتأثير على مسار الأحداث في ليبيا بما يخدم مصالحها الإقليمية.
في الختام يبدو ان الوضع الليبي معقد ومتداخل مع مصالح قوى إقليمية ودولية متعددة كما أن الانخراط المكثف في النزاع الليبي قد يفرض تكاليف اقتصادية وعسكرية كبيرة، في وقت تواجه فيه القاهرة تحديات داخلية واقتصادية متزايدة.
المصدر: جريدة رأي اليوم اللندنية