ماذا بعد رحيل الأسد؟
صحافة – المساء برس| تقرير: أروى حنيش|
الترحيب الذي نراه اليوم في صفوف المعارضة المدنية الليبرالية اليسارية السورية بسقوط نظام بشار، ليس بالضرورة لاعقلانيًا، فهناك دائمًا بعض العقل حتى في أقصى حالات الجنون. وهل هناك حالة أكثر جنونًا من استبشار التحرير على يد فرع من تنظيم القاعدة؟ الآن تبدو لحظة النشوة مرتفعة، ولم تأت بعد لحظة الواقع. وأخشى أن تكون تلك اللحظة قريبة ونكتشف أن القادم أسوأ من الذي ذهب..! هكذا تعودنا في العالم العربي.
إسرائيل تتوغل في سوريا
المفارقة العجيبة أن النشوة تأتي بالتزامن مع الغارات الإسرائيلية المكثفة التي تقصف دمشق ومدن أخرى. يوم 9 ديسمبر قام الطيران الحربي الإسرائيلي ب 250 غارة جوية، وقبلها 150 غارة، شمل القصف مدن سورية عديدة، وبصورة مستمرة ليل نهار دمرت الغارات المكثفة السفن الحربية والفرقاطات والزوارق البحرية، قصفت المطارات العسكرية والقواعد السورية، ولم تبق على طائرة حربية واحدة، قصفت مخازن ومستودعات الأسلحة والذخيرة والصواريخ، ودمرت منظومات الرادارات، والدفاعات الجوية، ضربت المواقع العسكرية بما فيها من معدات ثقيلة ومتوسطة وخفيفة، قصفت مراكز الاستخبارات، ومراكز البحوث العلمية، ومختبر السلاح الكيماوي، والورش الصناعية وكل مرافق ومؤسسات الجيش، ولم تبق شيئًا من البنية التحتية العسكرية للجيش السوري.. الفرحة تعم المدن السورية بسقوط نظام الأسد، وإسرائيل تتوغل وتحتل الأراضي السورية في المنطقة العازلة بعمق مئات الكيلومترات في الجولان، وهي الآن تقترب من القنيطرة، وعلى مسافة بسيطة من دمشق. بالأمس أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو أن الجولان منطقة تابعة لإسرائيل، ولن تنسحب منها، وأعلن الغاء اتفاق 1974.
روسيا وقاعدة حميميم، وطرطوس بما تعنيه وجود مهدد بالبقاء، بعدما أنهت الفصائل المسلحة الوجود الإيراني. أمريكا راعية الزفة أين ستقف وهل ستبقى قواتها وقواعدها أم تغادر؟ وما مصير الطوائف، وأكراد سوريا وحزب العمال الكردستاني؟ وضع معقد للغاية.. هل تستطيع هيئة تحرير الشام والبقية تجاوز هذا الوضع، ووضع القدمين على طريق حقيقي إلى مستقبل سوريا ؟ يبدو الواقع ليس بهذه البساطة التي يراها البعض بصورة سطحية،
والقوى المدنية الليبرالية المؤيدة للتحرير عبر الجماعات الجهادية لها منطلقاتها البراجماتية.
مؤتمر الدوحة
بعيدًا عن الفرحة المستحقة.. يبدو أنه كانت هناك عملية تواصل وإزاحة وتسليم وبصورة منظمة برعاية دول أستانا، في الدوحة بموجبه يرحل الأسد ويبقي نصف النظام ليتعاون مع الفصائل في النقل السلمي للسلطة. وهذا ربما يخفف من مخاوف الانجراف نحو الفوضى والتصفيات.
ما نشره موقع الجمهورية نت السوري حول الاتصالات السريعة التي رعتها إيران- روسيا من ناحية، وتركيا-قطر من الناحية الأخرى في اجتماع الدوحة بين إدارة العمليات العسكرية و(ما تبقى) من النظام السوري، خاصة بعد سقوط حمص، توضح جانبًا كبيرًا من الغموض.
وما نشره الموقع:
* مصير بشار الأسد تم حسمه يوم السبت، السابع من كانون الأول (ديسمبر)، في مدينة الدوحة أثناء اجتماعات دول أستانا وشركائها العرب. وبحسب المصدر فقد اعتمدت روسيا وإيران على معلوماتهما الاستخبارية وتطورات الوضع في حمص، لتُخبر أنقرة في الاجتماع أنهما مُستعدتان لتسهيل عملية الانتقال السياسي في البلاد.
* بعدها تم تفصيلُ المبادئ الأساسية الناظمة لهذه العملية بالشراكة مع السعودية ومصر والعراق والأردن وقطر، لتتضمن سبع نقاط وافقت عليها “إدارة العمليات العسكرية” للمعارضة:
1- الانتقال المُنظّم والسلس للسلطة.
2- الحفاظ على المؤسسات الدبلوماسية وأمنها (بالإضافة إلى المراقد المُقدَّسة حسب طلب إيران).
3- الحفاظ على مؤسسات الدولة.
4- منع عمليات الانتقام والاقتتال الأهلي.
5- تأمين السلاح الكيماوي والأسلحة الاستراتيجية.
6- منع التعدي على القواعد العسكرية الروسية.
7- الالتزام بالقرار 2254 في عملية التحول السياسي.
واشترطت “إدارة العمليات العسكرية” بالمقابل:
1- مُغادرة بشار الأسد الفورية من سوريا.
2- إصدار بيان من رئيس الوزراء الحالي يقوم فيه بالإعلان عن تسليم السلطة.
3-إعلام قيادة الجيش لضباطها بأن النظام قد سقط.
بناء على هذا، قامت موسكو بإعلام بشار الأسد بتفاصيل الإتفاق، وتم استدعاء المبعوث الأممي الخاص جير بيدرسون وإبلاغه بالتطورات، وأعقبَ ذلك إصدارُ بيان صحفي عن الاجتماع وعن المبعوث الأممي.
هذا المعلومات، حسب ما نشره الموقع المذكور، لكن لا نستطيع الجزم بدقّة المعلومات، لكنها المتاح اليوم لتفسير ما حدث.
توازن القوى
كانت سيطرة بشار الأسد على أغلبية الرقعة السورية سببًا في تجمد الحل السياسي، والغرور الذاتي لدى نظام بشار بقدرته على حسم المعركة وحيدًا وإلغاء الجميع. لكن التقدم الجهادي يعطي أملاً للمعارضة المدنية السورية بعودة الملف التفاوضي والحل السياسي. فالحالة البراجماتية ليست مفصولة عن لغة القوة، إذ لا يمكن لقوى المعارضة المدنية السورية أن تستفيد من حالة توازن القوى الجديد ما لم يكن لها حضور على الأرض يجعلها قوة مؤثرة على طاولة التفاوض، وهو ما ليس متوفرًا اليوم. كما أن تطمينات ووعود هيئة تحرير الشام، لا يمكن الوثوق بها دون التزود بجرعة غباء سياسي مكثفة غير متوافرة حاليًا على البيئة السورية.
يبدو أن تطمينات الهيئة الموجهة إعلاميًا معنية باقناع الغرب أكثر مما هي معنية باقناع الداخل السوري.. الداخل السوري يعرف أن الهيئة تحكم إدلب منذ سنوات بالحديد والنار، وأنها حتى بعد دخول حلب لم تتوقف عن فرض نموذجها الديني المتطرف. مثل هذا الخطاب يبدو مؤقتًا، وسيظهر الوجه الحقيقي للحركة، وموقفها من الحريات المدنية، وما تظهره اليوم من تواضع أمام كل التحديات التي تواجهها سيتغير في الغد.. نعم، لم يترك الأسد للسوري أملاً أو خياراً عقلانيا، مما أبقى نظامه المترنح منذ 14عامًا، لكن التغيير المستند على مشاعر الثأر والحقد والألم لا ينتج سوى نسخة جديدة من الثأر والحقد والألم.
في الأخير، ليس الحل بزوال نظام الأسد، ولا في الانخداع بغزليات الجهاد. قد تكون القشة الجهادية أخف على النفس من واقع اليأس وغياب البديل، لكن القليل من الشك في الوعود الجهادية قد يخفف من المأساة القادمة على انقاض المأساة الراهنة. والتفكير في مستقبل سوريا بصفتها المرحلة الضرورية لمواجهة عنف الجهاد إجراء مهم لتجنب موجة بكائيات وانهيارات عرفناها طويلاً بعد كل موجة، لم يستفد منها إلا صانعي المأساة.
المصدر: تقرير لجريدة عرب جورنال الدولية