كمال خلف – وما يسطرون|

دخلت سورية حقبة جديدة محفوفة بالمخاطر والتحديات، والاسئلة حول مستقبل البلاد اكبر بكثير من الإجابات، والاسئلة حول تفسير انهيار النظام وما الذي جرى في الأيام المعدودة التي سبقت دخول فصائل المعارضة الى دمشق ستظل قائمة، والشهور وربما السنوات المقبلة ستكون حافلة بالكشف عن الكثير من الاسرار والخفايا حول الحقبة السابقة.

لا يبدو السوريون مهتمون في هذه اللحظة بما حدث سابقا، في الوقت الذي تعيش فيه أجيال سورية متعاقبة حالة فريدة لم يألفوها من قبل، فقد خرجوا من عباءة نظام بدأ منذ العام 1970 حتى عام 2024، والى فضاء مجهول لا يعرفون ملامحه. لكن الثابت في مجال الاهتمام الشعبي فيما يخص ما سبق يوم سقوط النظام امران اساسيان واضحان تماما: الأول هو ان الجيش السوري لم يرغب في القتال، وسلم المدن وتراجع، وهذا حقن الدم، وجنب المدن والأهالي معارك كانت سوف تزيد من عمق الازمة السورية وتطيل معاناة الشعب وتؤدي الى تهجير إضافي ودمار مضاعف. والامر الثاني شعور قسم واسع من السوريين بالصدمة من سيناريو النهاية، وفرار الرئيس الأسد مع عائلته دون أي خطاب تنحي، او إجراءات لتسليم صلاحياته بشكل لائق. هذه الاحداث سوف تتكشف كواليس وخفايا حولها في القادم من الأيام.

اما ما هو اهم الان بالنسبة للسوريين حسب تواصلي المباشر في اليومين الماضيين هو الحاضر والمستقبل، ثمة ملاحظات لابد من تسجيلها حول الواقع الراهن الان في سورية. أولها هو الذهنية والإجراءات التي جاء بها القادة الجدد المنتصرون في المعركة على سورية، من الواضح انهم واعون تماما لتفاصيل ما سوف يواجهون في الحالة الجديدة، وقد رتبوا خطابهم واجراءاتهم بعناية، وأول ما تم التأكيد عليه حسب بيانات ” الإدارة السياسية ” هو ان سورية انتصرت جميعها وليس هناك غلبة لسوري على الاخر، ومنع الانتقام والثأر، ومنع التعرض للممتلكات العامة والخاصة و ومنع استباحة المؤسسات، ومنع التعرض للإعلاميين او الضباط او افراد الجيش، ومنع المظاهر المسلحة في المدن، وإعادة كافة موظفي مؤسسات القطاع العام، ومنع التحريض الطائفي وغيرها من البيانات التي تدل على نوع من الوعي السياسي والادراك الاجتماعي لما يمكن ان يحول المسار في السنوات الماضية نحو بناء دولة.

وعلى الهامش فور اعلان دخول الفصائل الى دمشق اتصل بي صديق اعلامي سوري بارز معارض كان قد رحل عن سورية منذ 13 عاما بسبب موقفه المعارض للنظام السابق، ونقل لي هذه الأجواء، مؤكدا ان لا تهجير لسوري مهما كان موقفه السياسي، لا انتقام طائفي، وان ما سنراه في القادم من الأيام سيكون مبشرا.

لكن رغم ذلك سادت في المدن وخاصة دمشق العاصمة مظاهر فوضى في اليومين الماضيين، خاصة اطلاق الرصاص، سرقت محلات تجارية، ونهبت أملاك، وانتشر اللصوص وعصابات السلب، وارتفعت أسعار المواد الغذائية، وفقدت بعض السلع من الأسواق، ما دفع الإدارة الجديدة الى فرض حظر تجوال ليلا. وحسب ما علمت اليوم ان هذه المظاهر تراجعت بشكل نسبي في مدينة دمشق، مع وعود بضبط الوضع خلال أيام.

على المستوى الإعلامي كان المشهد يشي بارتباك وضعف للغاية، اغلاق الشاشات الرسمية والمحلية لايام، ونشر البيانات مطبوعة على الشاشة بصورة بدائية وكأنها بيانات فصيل مع أناشيد، وصور ثابته عمل بدائي. في مثل هذه الأوقات المفصلية والتاريخية يتوجه الناس في سورية وخارجها الى الشاشات الوطنية المحلية لمعرفة ما يجري داخل البلاد. وسورية مليئة بالكوادر المهمة والمحترفة.

بكل الأحوال مازلنا نتحدث عن البداية يصعب معها التقييم، الانتقال السياسي في سورية ليس عملية سهلة، ابعاد السلاح عن العملية السياسية سيكون تحدي مفصلي، الفوضى والاقتتال بين الفصائل شبح سيكون حاضرا في كل لحظة وخطوة، التدخلات الخارجية والمصالح الإقليمية والشروط الدولية، التيارات السياسية المعارضة المتباينة والمتناحرة، والتي يخون بعضها بعضا. كلها تحديات يمكن تجاوزها اذا توفرت الإرادة السياسية الوطنية، ولم يتم التعامل مع البلاد على انها غنيمة، او كعكة. والاهم الابتعاد عن المزايدات.

 العودة الى حقبة تشبه زمن الحياة الدستورية السورية بعد الاستقلال وقبل حقبة الانقلابات العسكرية هو ما يحلم به ربما غالبية النخب السورية الوطنية. وهذا ما يجب العمل عليه.

لكن التحدي الأكبر والاهم والأخطر، هو الاطماع الإسرائيلية في سورية والمنطقة، إسرائيل استغلت الفراغ وبدأت باحتلال أجزاء من الجنوب السوري، وقصف وتدمير كل مقدرات البلاد العسكرية والاقتصادية والاستراتيجية والحيوية، بهدف اضعاف سورية وجعلها مكشوفة وخاضعة، وسط صمت مطبق في العواصم العربية والغربية والأمم المتحدة و دول الإقليم، وعدم التعليق ولو بكلمة من الإدارة الجديدة في سورية المعنية المباشرة الان عن صون وحدة وسلامة البلاد ومقدراتها.

 إسرائيل شنت امس حربا كاملة الاوصاف على سورية، عدوان لا مبرر له الا النزعة التوسعية الاستعمارية وإخضاع دول الشرق الأوسط بالقوة والبلطجة والاجرام وخرق كل القوانين الدولية، وسط تكتم اعلامي عربي، يقف عند حدود تغطية احتفالات سقوط الأسد فقط.

على الدول التي أعلنت دعمها السلطة الجديدة ووقوفها الى جانب سورية في اسقاط النظام، ان يكون لها موقف حاسم، فمساعدة سورية لا تقف عند حدود اسقاط النظام، وعندما تغزو إسرائيل سورية، وتقصفها من شمالها الى جنوبها، تدير وجهها وكأن إسرائيل مسموح لها ان تفعل ما تريد. سورية تغتصب في لحظة تاريخية تقف فيه عند مفترق طريق نحو المستقبل. سورية تستباح بحرا وارضا وجوا، هل هذه هي الحرية والرخاء والازدهار وسورية الجديدة؟ ينام فيها الشعب تحت رحمة الطائرات والغارات واستباحة الأجواء واحتلال الأرض.

الدول العربية ماذا تنتظر؟ بعد إبادة غزة؟ وتدمير لبنان، وقضم إسرائيل أجزاء من سورية، وتدمير كل شيء فيها؟ ماذا تنتظرون؟ تنتظرون دوركم؟ هل تعتقدون ان الانبطاح ودفن الرؤوس بالرمال يحميكم؟ واهمون.

حمى الله سورية قلب العروبة ونبضها وحمى الله شعبها

قد يعجبك ايضا