لا عزلة لحماس
منير شفيق – وما يسطرون|
نشرت «نيويورك تايمز» تقريراً، أو تقديراً للموقف، بأن حركة حماس «تواجه مستقبلاً، بلا أهمّ حليف لها. وذلك بعد الهجوم على حزب الله، ووقف إطلاق النار، ووقف القتال في لبنان. ما زاد من عزلة حماس». وتشارك في إصدار هذا التقدير، كل من آرون بوكسرمان وآدم راسكون وجوليان بارنس ورونين برغمان. واعتمد هؤلاء على أن «توجُّه حماس الأساسي بقيادة السنوار، كان إشراك حزب الله وإيران في القتال، لإنزال الهزيمة بالكيان الصهيوني».
طبعاً ليس صعباً أن يستنتج المحلل السياسي ما وراء هذا التقدير الذي يعتبر أن حماس أصبحت تواجه عزلة، بعد وقف إطلاق النار في لبنان، وذلك مع تقدير إضافي أشير إليه، بأن إيران أيضاً تريد تجنّب الانخراط في القتال مع أميركا والكيان الصهيوني. وذلك بقصد إيجاد أجواء سلبية إزاء الحرب ضد حماس عبر تأكيد «عزلتها».
يجب أن نلحظ منذ البداية، وتاريخياً، بأن تشَكّل موقف حماس لمقاومة الاحتلال الصهيوني والكيان الصهيوني، كان قراراً مبدئياً وإستراتيجياً، لا علاقة له بأيّ تحالفات لاحقة. ولكن مع إدراك حماس أن مقاومة الكيان الصهيوني ظاهرة فلسطينية وعربية وإسلامية، ويدعمها أحرار العالم، الأمر الذي يعني تشكّل التقاطعات الموضوعية، أو التحالفات بمختلف أشكالها وألوانها، مسألة حاصلة، ولا مفرّ منها، كما ستأخذ أشكالاً كثيرة. ولكن هذا لا يمنع، موضوعياً، أن يكون قرار المقاومة قراراً مبدئياً وإستراتيجياً، بغض النظر كيف ستتشكل أو لا تتشكل تحالفات.
وكذلك كان شأن كل من إيران وحزب الله، وأيّ طرف قرر المقاومة ضد الكيان الصهيوني، بالنسبة إلى التحالفات، ولا سيما أنه منذ البداية القرار مبدئي وإستراتيجي ومبادرة، بغض النظر كيف ستتشكل التحالفات أو لا تتشكل أو نوعية تشكلها. لأن هذا الموضوع متوقف، وسيتوقف، على مجموعة شروط، تتقرّر على ضوء الممارسة، وما تولّده من علاقات، كما لموازين القوى وأشكال تطوّرها دورها الحاسم، والمتعلّق في كل مرحلة وظرف.
أمّا من ناحية أخرى، فإن العزلة غير ممكنة، والتحالفات مضمونة. وأيّ اتفاق يمثّل استمراراً للعداء بين الطرف المعني والكيان الصهيوني، بأشكال أخرى. ويستمر التحالف أيضاً، بأشكال أخرى. إنّ الشكل الذي أخذه التحالف بين حماس وحزب الله في مرحلة ما بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، حَكَمته ظروف تلك المرحلة، بعد عملية «طوفان الأقصى» وما حدث من تطوّرات في أثنائها حتى اليوم. وهذا ما يجعل تقدير الموقف الذي صدر في «نيويورك تايمز» واهماً من أساسه، لأنه لا يدرك ما تقدّم من حقيقة ووقائع في التحالف، والعلاقات في ما بين أطراف محور المقاومة. ما لا يسمح بالقول إن حماس أصبحت معزولة بسبب اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، أو بسبب كيفية إدارة الصراع من جانب كل طرف من أطرافه، ولا سيما إيران. فأساس التحالف يقوم على مراعاة تموضع كل طرف في كل مرحلة، والعزلة غير واردة. ذلك لأن العلاقة التي قامت بين أطرافه، وأشكال تطوّرها، ثابتة على أساس مبدئي وإستراتيجي من كل طرف، فأحياناً يحكمها التقاطع، وليس القرار الموحّد، ودائماً احتفظ فيها كل طرف بتقديره للموقف المناسب في اتخاذ قراره. وهو ما لا يعني حدوث عزلة، أو حدوث تباعد، وإنما بالعكس، وبنظرة متأنيّة، يكون قد زاد التحالف قوّة. وهو ما سيتجلّى واقعياً في مرحلة ما بعد اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان. وذلك لو أسقطنا من حسابنا إمكان العودة إلى القتال في لبنان. بل إن التدقيق في الخروقات التي مارسها جيش الكيان الصهيوني، يجعل إمكان فرط الاتفاق احتمالاً قويّاً جداً.
لقد دلت التجربة في الأيام القليلة بعد الاتفاق في 27/11/2024، بأن نتنياهو، وبدعم أميركا، يريد وقف إطلاق النار من جانب واحد، أي من جانب حزب الله، فيما تطلق يد الجيش الصهيوني، في خرق الاتفاق، كيف شاء ومتى شاء، قصفاً، أو إعادة موضعة القوات الصهيونية في الجنوب، وصولاً حتى للسيطرة الجويّة على كل من لبنان وسوريا، الأمر الذي لا يسمح بتسميته اتفاق وقف إطلاق نار. ويسمح بعدم الالتزام به من جانب حزب الله، ولا سيما بعد أن تحدّد مسؤولية العودة للحرب وفرط الاتفاق مسؤولية خالصة على كل من الجيش الصهيوني وكل من يسكت على ما يتعرض له الاتفاق من خرق-اختراقات. وبهذا يكسب حزب الله ثقة كل الحريصين على وقف القتال، خصوصاً الشعب اللبناني، وخاصة المقاومة، وهذا ما عبّر عنه ردّ حزب الله في 2/12/2023، بإطلاق ثلاثة صواريخ على موقع رويسات العلم التابع لجيش العدو في كفرشوبا المحتلة.
ولكن في كل الأحوال، مع بقاء الاتفاق أو فرطه، فإن التحالف مع حماس باقٍ، والعزلة وهم، وتقدير خطأ للموقف.