مسار التحركات الأمريكية ضد اليمن بعد 7 أكتوبر: أبعاد متعددة ونتائج مخيبة

خاص – المساء برس| تقرير: يحيى محمد الشرفي|

في خضم التوترات الإقليمية المتزايدة بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان وتصاعد التهديدات الناتجة عن مفهوم “وحدة الساحات” الذي برز بشكل جلي بعد أحداث 7 أكتوبر 2023، تكفلت الولايات المتحدة جهودها لتحييد الجبهة اليمنية، في محاولة لتقويض دعم صنعاء للمقاومتين الفلسطينية واللبنانية، وإتاحة الفرصة لإسرائيل للتركيز على مسارح العمليات في غزة ولبنان.

1. السياق السياسي والدبلوماسي

انطلقت الجهود الأمريكية في اليمن على محورين رئيسيين: خارجي وداخلي.

المحور الخارجي:

قاد المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن، تيموثي ليندركينج، حملة دبلوماسية مكثفة لحشد الدعم الدولي ضد صنعاء، في إطار ما وصفه بمساعي تحقيق السلام. زار ليندركينج بغداد مطلع أكتوبر، في زيارة استهدفت، حسبما أفادت الخارجية العراقية، بحث الأوضاع في اليمن وسبل تحقيق الاستقرار. وجاءت الزيارة متزامنة مع بدء العدوان البري الإسرائيلي على لبنان، ما يوحي بمحاولة أمريكية لتجميد دور الجبهة اليمنية عبر مبادرات دبلوماسية تحمل طابع السلام.

وفي نوفمبر الجاري، كشفت “واشنطن بوست” عن جهود ليندركينج لإقناع حكومات عربية، كالسعودية ومصر، بإدانة الهجمات البحرية اليمنية التي استهدفت الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر. ورغم هذه الجهود، بدا أن التحركات الأمريكية واجهت تحديات في حشد موقف عربي موحد، مما دفع المسؤول الأمريكي إلى التعويل على إدارة ترامب المحتملة لإعادة تصنيف “أنصار الله” كمنظمة إرهابية.

المحور الداخلي:

على الساحة اليمنية الداخلية، كثّف السفير الأمريكي في اليمن، ستيفن فاجن، نشاطه في توحيد الفصائل المناهضة لصنعاء. من بين هذه الجهود تكليف وكالة التنمية الأمريكية (USAID) والمعهد الوطني الديمقراطي الأمريكي (NDI)، وبإشراف من السفارة الأمريكية، بتشكيل تكتل سياسي جديد يحمل اسم “التكتل السياسي الوطني”، بمشاركة 22 حزباً سياسياً كلها مكونات هامشية ولا وزن لها باستثناء حزبي الإصلاح وبقايا حزب المؤتمر التابع للإمارات. ورغم الدعم الأمريكي لهذا التكتل، إلا أن المجلس الانتقالي الجنوبي رفض الانضمام إليه، معتبراً أنه يتعارض مع مطالبه الانفصالية.

وقد اختار التكتل الجديد القيادي في حزب المؤتمر ورئيس مجلس الشورى في الحكومة الموالية للتحالف، أحمد عبيد بن دغر رئيساً له، حيث قال بن دغر في كلمة له يوم التدشين: “نرفض الاعتداءات الحوثية المتكررة على الملاحة الدولية، فتلك ممارسات لا صلة لها بمصالح شعبنا بل عبثًا بأمننا وأمن المنطقة، والأمن العالمي. ومصلحة لطهران، وأجندتها المعادية لكل ما هو عربي في المنطقة”، ومن خلال كلمة بن دغر يتأكد للجميع بأن أحد الأهداف الرئيسية للتكتل تتمثل في توسيع دائرة الرفض اليمني للعمليات العسكرية التي تنفذها صنعاء في البحرين الأحمر والعربي دعماً لفلسطين ولبنان، ومحاولة تصوير هذه الهجمات بأنها ليست في صالح الشعب اليمني، ولكن السردية التي يحاول التكتل السياسي الجديد ترسيخها في أوساط الشعب اليمني تلقى حالة من الرفض بسبب أن الشعب اليمني متضامن مع الشعبين الفلسطيني واللبناني ويؤيد العمليات المساندة لهما، بالإضافة إلى أن الفصائل السياسية المنضوية في التكتل الجديد لم تعد تلقى قبولاً شعبياً كبيراً لأنها فشلت في تثبيت الأوضاع الأمنية والاقتصادية والسياسية في المناطق التي تسيطر عليها.

2. الضغوط الاقتصادية والإنسانية

لم تقتصر التحركات الأمريكية على السياسة والدبلوماسية، بل امتدت إلى فرض ضغوط اقتصادية وإنسانية على صنعاء. تضمنت هذه الضغوط تخفيض المساعدات الأممية في المناطق الخاضعة لأنصار الله، وفرض عقوبات على شخصيات يمنية وشركات مرتبطة بالجماعة، إضافة إلى تصعيد الحملات العسكرية عبر تحالفاتها في المنطقة.

3. المواقف الدولية وتقرير فريق الخبراء

سعت الولايات المتحدة لاستصدار عقوبات جديدة ضد صنعاء في مجلس الأمن استناداً إلى تقرير فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة، الذي تضمن اتهامات باستخدام الموانئ اليمنية لاستيراد الأسلحة وفرض رسوم غير قانونية على الملاحة في البحر الأحمر. ورغم جهود واشنطن، فشلت في تمرير العقوبات نتيجة اعتراضات دولية، أبرزها من روسيا، التي هددت باستخدام الفيتو.

تصعيد صنعاء: مواجهة الضغوط بالتوسيع العسكري

على الرغم من الضغوط الأمريكية، وسّعت صنعاء عملياتها العسكرية الداعمة للمقاومتين الفلسطينية واللبنانية. أعلنت مراحل تصعيدية متعددة، شملت فرض حصار بحري على الملاحة الإسرائيلية، واستهداف السفن التجارية والعسكرية في البحر الأحمر. وأكدت قيادات في صنعاء أن هذه العمليات تأتي ضمن دعمها الثابت لفلسطين ولبنان، في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.

التحديات والانعكاسات

بينما تسعى الولايات المتحدة لتحييد صنعاء وإضعاف مشروع “وحدة الساحات”، تواجه تحديات سياسية وعسكرية على الأرض. داخلياً، يبدو أن الجهود لتوحيد الفصائل المناهضة لصنعاء لم تحقق النجاح المطلوب بسبب الانقسامات العميقة بين الأطراف اليمنية. إقليمياً، لا تزال الهجمات البحرية اليمنية تفرض واقعاً معقداً على مسارح العمليات العسكرية، ما يهدد بإطالة أمد الصراع وعرقلة الأهداف الأمريكية والإسرائيلية.

وتعكس التحركات الأمريكية في اليمن بعد حرب لبنان رغبة واشنطن في احتواء الجبهات الداعمة للمقاومة الفلسطينية واللبنانية، لكن تعقيدات الساحة اليمنية وانعكاسات التصعيد العسكري تجعل تحقيق هذه الأهداف أكثر صعوبة. في ظل هذه المعطيات، يبدو أن المنطقة مقبلة على تصعيد أوسع، مع احتمالات مفتوحة لمزيد من المواجهات.

نتائج مخيبة لآمال واشنطن

كل ما سبق من تحركات إضافة لاستمرار المسار العسكري بالقصف الجوي ومحاولات ارهاب صنعاء وإخافتها باستخدام قاذفات القنابل الاستراتيجية (B2) التي انطلقت من استراليا لقصف اليمن في أكتوبر الماضي، لم تنجح التحركات الأمريكية ضد صنعاء خلال الفترة الماضية في تحقيق أهدافها، إذ أن صنعاء ما زالت مستمرة في فرض الحصار البحري على الملاحة الإسرائيلية في البحرين الأحمر والعربي، وما زالت مستمرة في تنفيذ عمليات تستهدف من خلالها أهداف عسكرية وحيوية في عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة، بل إن صنعاء تسعى لتوسيع عملياتها من خلال التحضير لمرحلة تصعيدية جديدة، حيث كشفت صحيفة الأخبار اللبنانية عن مصادر عسكرية مطلعة: “أنّ عمليات القوات اليمنية البحرية والجوية ضد الكيان، والتي تجري في إطار المرحلة الخامسة من عمليات الدعم والإسناد للشعبين الفلسطيني واللبناني، بلغت ذروتها أخيراً، في مؤشر إلى أن صنعاء تستعد للانتقال إلى مرحلة سادسة من تلك العمليات خلال الفترة القادمة، وطبقاً للمصادر، فمن المتوقع أن تدخل أسلحة جديدة محلية الصنع حيّز الاستعمال في إطار المرحلة المشار إليها”.

قد يعجبك ايضا