سبل النجاة من هجوم صفقة القرن
بدر الإبراهيم – وما يسطرون|
يمكن لنتنياهو الاحتفال مبدئياً بتشكيل «فريق الأحلام» الصهيوني لإدارة السياسة الخارجية الأميركية في عهد ترامب. أسماءٌ مثل وزير الخارجية ماركو روبيو، ومستشار الأمن القومي مايك والتز، ووزير الدفاع بيت هيغسيث، هي مندفعة بشدة في تأييد اليمين الصهيوني، يضاف إليهم السفير الأميركي الجديد في الكيان الصهيوني، مايك هاكابي، المؤمن بأن حدود إسرائيل تشمل «يهودا والسامرة». هؤلاء أيضاً صقور في الموقف من إيران، وهو بالضبط ما يحتاجه نتنياهو في حربه الكبرى التي يخوضها لتفكيك ما يعتبره طوق نارٍ إيرانياً يحيط بإسرائيل، ودفع إيران إلى الانكماش، تمهيداً للعمل على إسقاط نظامها، في الوقت الذي تؤكد إسرائيل قدرتها على استعادة الردع والهيمنة على الإقليم.
مع ذلك، تظل تكهناتٌ قائمة بأن الرئيس الجديد لا يبحث عن استمرار الحرب في المنطقة، فضلاً عن أن يخوضها ضد إيران لمصلحة نتنياهو، وهو في اعتماده على صقور من المحافظين الجدد والمتشددين الإنجيليين في إدارة السياسة الخارجية، يسعى إلى زيادة الضغط على إيران والصين، للوصول إلى أفضل صفقة ممكنة، بما يتلاءم مع نمط تفكيره كرجل أعمال يتباهى بالصفقات الناجحة. إذا اعتبرنا أن ترامب في أفضل الأحوال يبحث عن صفقة، إن كان في مسألة الحرب في المنطقة أو في موضوع النووي الإيراني، فإن هذا يمر بمحاولة تحصيل أفضل المكاسب الممكنة، ولهذا وسائلٌ منها استخدام واقع الحرب نفسها والعمل العسكري الإسرائيلي لتعزيز موقفه وموقف إسرائيل، وممارسة المزيد من الضغط الاقتصادي على إيران.
اندفاعة فريق الأحلام الصهيوني في واشنطن لدعم نتنياهو تهدف في الأساس إلى إعادة تأهيل إسرائيل في ما يخص وظيفتها كحارس أمين للمصالح الغربية في المنطقة، وهذا استكمال لما بدأه بايدن، ما يعني أنه لا يتوقع تغيير كبير في الموقف الأميركي الداعم للإبادة الإسرائيلية، لكنْ استمرار الدعم مرهون بتحقق الهدف، إذ إن نتنياهو مُطالَبٌ أيضاً بإثبات قدرته على أداء مهماته وتقليص الأعباء الأميركية في المنطقة، لا أن يكون عبئاً ويرفع الكلفة على الولايات المتحدة، وهو التحدي الذي يخوضه نتنياهو بالنار في غزة ولبنان، وبقية الجبهات بوتيرة منخفضة.
أولوية اليمين الإسرائيلي الحاكم، الذي يريد مساعدة فريق ترامب لتحقيقها، هي تصفية القضية الفلسطينية وإزالة الخطر الإستراتيجي الذي يمثله حضورها على أمن إسرائيل، وهذا يتحقق أولاً بالقضاء على أي فرصة لإقامة دولة فلسطينية في غزة والضفة (ولو كانت دولة على شاكلة سلطة رام الله)، وفي هذا يشكل فريق ترامب فرصةً لإحياء صفقة القرن، التي يتصورها نتنياهو موافقةً أميركيةً على ابتلاع الضفة الغربية وضمها. ينشغل الصهاينة بمحاولة القضاء على سلطة حماس في غزة، لكن أعينهم بشكل أساسي على الضفة الغربية، وهناك معركتهم المستمرة لضرب جيوب المقاومة، وإخضاع الفلسطينيين لإرادة جحافل المستوطنين.
أما ثانياً، فالمطلوب إسرائيلياً لتحقيق الأهداف في الضفة وغزة فك الارتباط بين الفلسطينيين ومحيطهم، وخاصة من يساندهم عسكرياً في الحرب القائمة، لعزلهم بشكل كامل، والانطلاق إلى التطبيع. عبَّر نتنياهو بوضوح عن الأهمية الكبرى التي يوليها لتفكيك وحدة الساحات، وفصل جبهات الإسناد عن غزة، وخاصة الجبهة اللبنانية، ذلك أن القتال على جبهتين في وقت متزامن ليس بالأمر السهل، ورغم الافتراض الإسرائيلي بأن القتال في جبهة غزة منخفض الشدة، إلا أن استنزاف الجنود الإسرائيليين في جباليا استمر في الوقت الذي عانت فيه القوات الإسرائيلية في جنوب لبنان من مقاومة شرسة، مع استمرار انطلاق الصواريخ في شمال فلسطين وعمق الكيان.
يريد الإسرائيليون حالياً فصل الجبهتين، والوصول إلى اتفاق في الجبهة اللبنانية، للتفرغ لإنهاء المهمة في غزة، وهما رغبة أميركا وإسرائيل منذ انطلاق جبهات الإسناد. طرْحُ الوسيط الأميركي (وللمفارقة الوسيط هنا هو راعي العدوان) لاتفاق حول القرار 1701، لا يعني أن إسرائيل ستلتزم به ولو وافقت عليه، فهي ستحصل على ضمانات أميركية تتيح لها العمل في لبنان كما تعمل في سوريا، بقصف كل ما تعتبره خطراً يتهدد أمنها متى شاءت، وهو أمر قد لا تحتاج إسرائيل تضمينه في الاتفاق، ولا حتى وجود ضمانات أميركية مكتوبة، إذ لن تعترض الولايات المتحدة على حق إسرائيل في «الدفاع عن نفسها»، في الوقت الذي ترى فيه إسرائيل أن حزب الله لن يذهب إلى ردود أو تصعيد بعد تكبيله باتفاق وقف النار، بالذات أمام اللبنانيين.
إن المتوقع من التسليم بفصل الجبهات، ليس فقط زيادة معاناة الفلسطينيين في مواجهة مخططات اليمين الإسرائيلي والأميركي، بل إضعاف موقف الجبهات نفسها، بما يجعلها عرضة لحصار متواصل، وضربات مستمرة بين الحين والآخر، ذلك أن إسرائيل لن تتعايش مع أخطار إستراتيجية على حدودها، وحتى خطر مثل الجبهة اليمنية، ولن تتوقف عن محاولة فرض نفسها قوة مهيمنة إقليمياً، لتتمكن من إقناع ترامب وفريقه بجدوى دعمها والاعتماد عليها، وأول الطريق لذلك تفعيل مبدأ التجزئة الاستعماري المعروف، ويمكن العودة إلى تاريخ الصراع في المنطقة لاستكشاف مصير محاولات «النجاة القُطرية» للجبهات العربية.
بالنسبة إلى إيران وحلفائها، واقع الحال يفرض الاستمرار في عمل ميداني قوي يرسل لترامب رسالة حول ضرورة إيجاد صفقة مرضية لكل الأطراف في المنطقة، ويبدو هذا السبيل الوحيد لتجنب عواصف صفقة القرن، فلن تفيد محاولات خفض الأسقف في إيجاد مخارج ملائمة، لأن الأطماع الإسرائيلية الأميركية تكبر باستمرار، والحلم باتفاق نووي جديد يبدو بعيداً، في وضع تشعر الولايات المتحدة بوجود فرصة لكسر إيران وتثبيت هيمنتها في غرب آسيا، والانتقال الهادئ إلى شرقها لمجابهة الصين.