إلى دعاة التطبيع في ظل الرمال: الفارق ليس في الموارد بل في الرجولة والإرادة
وما يسطرون – كامل المعمري – المساء برس|
حين تتأمل في حال اليمن اليوم، ترى أمة تصوغ إرادتها الفولاذية وسط غبار المعارك، تتحدى أعظم أساطيل العالم، وتثبت أن البقاء ليس للأغنى، بل للأقوى روحا وعزيمة.
وفي المقابل، يقف دعاة التطبيع من الأنظمة الخليجية على أطراف التاريخ، يصفون صمود هذا الشعب بـ”المغامرة العبثية”
لكنهم يجهلون أن التاريخ لا يُصاغ داخل القصور بل يُنحت في ميادين التحدي.
اليمني يواجه النيران مباشرة، يضع كفه فوق جمر التحديات، بينما يقبع المطبّعون في ظلال راحتهم الهشة يختبئون خلف الستائر
ايها المنبطحون اليمن لم يُولد بقرار من المستعمر البريطاني، ولم تُرسم حدوده بمراسيم من قوى أجنبية. هذا البلد كان، منذ القدم، حضارة تهيمن على طرق التجارة العالمية، ومهدا لممالك عظيمة مثل سبأ وحِمير وقتبان. في وقت كان الخليج منطقة صحراوية متناثرة، كانت اليمن تُصدر العطور والبخور للعالم وتُقيم معاهدات مع الإمبراطوريات الكبرى.
حين كان اليمنيون يبنون سد مأرب، الذي يُعد من أعظم الإنجازات الهندسية في التاريخ القديم، كان الخليج منطقة فارغة، لا تدب فيها الحياة سوى عندما تمر بها خطوات القادة اليمنيين وحين اذكر الخليج اقصد هنا تلك الدويلات المطبعه والتي تهرول نحو التطبيع وهي معروفة
خذوا على سبيل المثال الحاجب المنصور بن أبي عامر المعافري، اليمني الذي غزا أوروبا وحكم الأندلس، بينما لم يكن للخليج في تلك الحقبة أي ذكر في معادلات القوة.
حين تنظر إلى القائد اليمني الحاجب المنصور بن أبي عامر المعافري، تدرك كيف يمكن لشخص من أرض اليمن أن يُغير مجرى تاريخ أوروبا. في وقت كانت فيه بعض مناطق الخليج تقتصر على الصيد والتجارة البسيطة، كان الحاجب المنصور يُرعب أوروبا كلها.
بينما كانت اليمن تفتح الأرض وتنشر الإسلام، كانت دول الخليج تراقب عن كثب، لا شيء سوى صمت الرمال. وكما كنتم في تلك الحقبة مجرد شهود على التاريخ، فإنكم اليوم، رغم كل الأموال والثروات، تبقون في هامش الأحداث، تتبعون الرياح في سياسات الاستسلام، بينما اليمن يصنع المعجزات ويعيد كتابة التاريخ.
اليمنيون اليوم، رغم المعاناة الاقتصادية والحصار، يرفعون راية المقاومة في وجه القوة العسكرية الأكبر في العالم فعندما نستهدف حاملات الطائرات الأمريكية مثل إبراهام لينكولن، وايزنهاور فهذا ليس مجرد عمل عسكري، بل تحدٍّ جريء لإمبراطورية تُرهب العالم بأساطيلها في حين أن بعض دول الخليج تعتمد على قواعد عسكرية أمريكية لحمايتها،
الفارق هنا ليس في الموارد، بل في الرجولة والإرادة!
هكذا هم اليمنيون من بناء سد مأرب إلى فتح الأندلس، ومن مقاومة الإمبراطوريات القديمة إلى تحدي الأساطيل الأمريكية، أثبت اليمني أنه إذا قرر المغامرة، فإنه يصل إلى أهدافه
كما ان هذا الشعب لم ينتظر يوما أن تُكتب له الفرص، بل كان دائما يصنعها بنفسه
أيها الشامتون الساخرون من معاناة اليمنيين،وظروفهم الاقتصادية تذكروا أن اليمني اذا خاض غمار الحروب لايعود منها الا مكللا بالنصر
وإذا خارت قواه يوما، فهو دائما ما ينهض من جديد.
أما أنتم، فماذا قدمتم غير السكوت عن المذابح في فلسطين والتطبيع مع الاحتلال، والتفاخر بثراء لا قيمة له؟
لذا يجب ان تعرفوا ان هذا البلد لم يكن يوما أرضا عابرة في صفحات التاريخ فبين عظمة ماضيه وشجاعة حاضره، يبقى رمزا للأمة التي لا تركع، حتى أمام أعظم القوى.
ثم إن المقارنة بين اليمن وبينكم هي مقارنة بين الشجاعة والذل، بين من يصنع التاريخ وبين من يقتات على فتات الآخرين هي مقارنة بين من يجعل العالم ينحني احتراما له، وبين من يُنفق المليارات ليشتري الاحترام ولا يجده
انتم لم تعرفوا من الحياة سوى بريق الرفاهية الزائف، بينما اليمني يتنقل بين تلال الوغى ليعود حاملا للرايات لا الخيبات.
لم تكونوا شيئا في التاريخ، سوى محطة شاردة بين الرياح الصحراوية لذا فلا مجال للمقارنة
وإذا كان اليمني قد صنع التاريخ في الماضي، فإنه سيصنعه اليوم أيضا أما انتم عباره عن زجاجة عطر وكيس مال ولهذا نجد دويلاتكم رغم ثرواتها النفطية الهائلة، تبدو فارغة من المبادئ
تهرولون الى حفلات الرقص بينما تشيحون بوجوهكم عن دماء الأبرياء في غزة وعن مجازر الاحتلال
ياهولاء: التاريخ ليس لمن يشتري أبراجا أو يعقد صفقات، بل لمن يضحي من أجل كرامته. وإذا كانت الأيام قد علمتنا شيئا، فهي أن اليمني إذا غامر لا شيء يستطيع أن يوقفه..من جبالنا إلى سهولنا، من مدننا إلى قُرى الأطراف، نبتت فينا عزيمة لا تهزها العواصف ولا تخبو في وجه الزمان
وإذا كنتم تعتقدون أن ناطحات السحاب ستجعلكم تلامسون السماء، فاليمني يلمسها كل يوم بشموخه
أما انتم ستبقون مشغولين بتزيين واجهتكم الزجاجية، حتى تسقط عليها أول عاصفة، لتجدوا انفسكم مجرد رقمٍ آخر في هامش التاريخ.
المصدر: مقال منشور للكاتب في جريدة رأي اليوم اللندنية