على حافة التاريخ الأماميّة
خريستو المر – وما يسطرون|
كلّ المقاومين اليوم من أجل العدالة والتحرّر من الاستعمار والظلم يقفون معاً، عرفوا أم لم يعرفوا. يأخذون التاريخ من ناصيته ليفعل ما يشاء العدل، أولئك هم معاً يناضلون على حافة التاريخ الأماميّة، ويقف على حافة الحافّة أولئك المقاومون في لبنان وغزّة، المنطقتين الشاهدتين على الوحشيّة الاستعماريّة العنصريّة للشركات الغربيّة ووسائل إعلامها. المقاومون لا يكتفون بردّ فعل على أزمة، بل يشعلون نيران الوحدة والتضامن والعمل المستمر. لأكثر من عام، عانى الشعب الفلسطيني – وخاصة في غزة – من هجوم إباديّ لا يوصف من قبل دولة الاستعمار الإباديّ العنصريّ الصهيونيّة، بدعم متواصل من الإمبريالية الأميركية. دُمِّرت المنازل، سوّيت المدارس بالأرض، تحوّلت المستشفيات إلى أنقاض، وقُتِلَ الأبرياء. حجم الدمار لا يمكن تصوّره.
ومع ذلك، يتألّق الشعب الفلسطيني وهو تحت الدمار، وتتألّق فيه روح المقاومة أكثر من أي قنبلة وأيّ نيران. شجاعته تتحدّى الآلة العسكريّة الإسرائيليّة-الأميركية-الغربيّة وكلّ حصار. غزة، وكلّ فلسطين، تستمرّ في المقاومة.
العمل الذي يحدث في بلاد العالم خارج المقاومة المسلّحة، ليس لا شيئاً. هو أيضاً عمل مقاومة وإنّما وسائلها مختلفة. هي لا تحمل خطر الاستشهاد، ولكنّها تشكّل شهادة لمحبّة الحياة والعدالة والحرّية باحتمالها الشدائد وضغوط المجتمع وخطر فقدان العمل. كلّ تظاهرة أو مؤتمر أو لقاء ليس مجرد جمهرة أو تجمّع لأصوات؛ بل هو زئير مدوٍ، صرخة قويّة جماعيّة يشترك فيها الطلاب، ربّات المنازل (وهنّ في الحقيقة عاملات دون أجر)، المتقاعدون، المحاسبون، العمّال، أصحاب الأعمال الصغيرة، الصحافيّون الشرفاء، الفنّانون، والمحترفون، وغيرهم. كلّما اجتمع هؤلاء، اجتماعهم يقول: محاولات إرهابنا بقوانين غير مشروعة لن يسكتنا، وسنتحدّى قوانينكم بالقانون وبحقّنا بالحرّية. لن نصمت. نحن نرفض أن نكون متفرّجين سلبيّين بينما يتم القضاء على شعب بأكمله بشكل منهجي. نحن هنا لأنّنا ندرك أنّ التحرر ليس حلماً بعيداً؛ بل هو ضرورة مطلقة، ضرورة مطلقة الآن!
كلّ عمل مشترك من أجل فلسطين حول العالم هو شهادة على إصرار جماعيّ لإعلاء أصوات المظلومين، والدعوة إلى العدالة، والعمل بلا كلل من أجل مستقبل يتمتّع فيه الشعب الفلسطيني بكامل حقوقه الإنسانية وكرامته على أرض الأجداد وفي الشتات. على أرض الواقع، نحن نشهد صعود وعي أنّ النضال الفلسطيني ليس معركة معزولة؛ بل هو القلب النابض لشعور شعبيّ حول العالم مناهض للاستعمار والعنصريّة والعنف الممنهج للحكومات، وللشركات المختبئة التي تتحكّم في قراراتها. كلّ عمل مشترك من أجل فلسطين هو وقفة تضامن مع فلسطين، ووقفة تضامن مع الشعوب الأصلية في جميع أنحاء العالم الذين يواجهون قوى النهب نفسها ومحو الضعفاء العنصريّة. من فلسطين إلى لبنان، من حوض الأمازون إلى جزيرة السلحفاة (شمال أميركا)، النضال ضد الاستعمار الاستيطاني واحد. العنف البنيويّ الذي يحاصر ويسلب إنسانيّة الناس في جميع أنحاء العالم هو واحد.
مبادئ العاملين من أجل فلسطين حول العالم واضحة: العدالة، المساواة، وكرامة الإنسان للجميع. الانتفاضات السلميّة من أجل فلسطين حول العالم تعبير عن رفض الصهيونية، والفصل العنصري، وكل شكل من أشكال عنف الدولة الذي يدعم الهيكليّات القمعيّة ليس فقط ضدّ الفلسطينيّين وإنّما أيضاً ضدّ السود والسكّان الأصليّين في شمال أميركا والمهاجرين في أوروبا وغيرهم من الذين تُمارس الدول في حقّهم عنفاً بُنيويّاً. إنّ التضامن العالميّ وكلّ عمل مشترك من أجل فلسطين يقول إنّ جرائم النظام الصهيونيّ – الإبادة الجماعية، التطهير العرقي، الفصل العنصري – ليست جرائم ضد الفلسطينيين فقط، بل هي اعتداء على الإنسانية جمعاء. «لن نرتاح حتى يتم محاسبة كل جريمة بحقّ الفلسطينيّين، وحتى يعيش كل فلسطينيّ – من النهر إلى البحر – في حرية وسلام» هكذا رأى المجتمعون في أحد المؤتمرات منذ يومين. لا شكّ أنّ تحقيق هذه الرؤية يتطلب أكثر من الأمل – يتطلب العمل. لهذا يجتمع الشرفاء للتخطيط، والتعاون، والتعبئة.
إنّ التحرّكات الشعبيّة التي قادها الطلّاب كثيراً من الأحيان، وحركة المقاطعة، والمقاومة المستمرة في غزة والضفة الغربية، وفي لبنان، هي معنويّاً في خندق واحد على الخطوط الأماميّة في معركة محاصرة الاستعمار. دور الشرفاء هو تقوية هذا النضال ودعمه. هذا النضال ليس من أجل فلسطين فقط؛ فهو من حيث يدري أو لا يدري منخرط في معركة لتفكيك كل أشكال الاضطهاد. من سجون فلسطين إلى شوارع فيرغسون، من مخيمات اللاجئين في لبنان إلى غابات الأمازون، من المقاومة في اليمن والعراق إلى المقاومة في لبنان وفلسطين، كلّ يقاوم بطريقته الخاصة، من أجل عالم لا يُضطهد فيه أحد.
السنة الماضية أظهرت لنا البعد الإجراميّ للإفلات الإسرائيلي من العقاب وتواطؤ السياسات الدولية والعربيّة الداعمة للإبادة. لكنّها أظهرت لنا أيضاً انتفاضة الروح المقاوِمَة للظلم والطامحة للحرّية عند الإنسان، أكان في فلسطين، أو لبنان، أو اليمن، أو العراق، أو في الشوارع حول العالم. واجبنا كبشر أن نبني العالم الذي نعلم أنه ممكن – عالم خالٍ من قيود العنصريّة والاستعمار الاستيطانيّ وكلّ أشكال الاضطهاد. الطريق أمامنا سيكون مليئاً بالتحديات، لكنه سيكون أيضاً طريق تغيير. ما من شكّ أنّنا معاً يمكننا أن نحقق التحرير والعدالة اللذين نريدهما في فلسطين حرّة من البحر إلى النهر، وأن ندفع بحافة التاريخ الأماميّة إلى تخوم الحرّية والكرامة الإنسانيّة.