“التكتل الوطني”.. أداة أمريكية لمواجهة صنعاء حمايةً لمصالح إسرائيل في البحر الأحمر
خاص – المساء برس| تقرير: يحيى محمد الشرفي|
في محاولة لتوحيد الأطراف اليمنية المتحالفة مع السعودية والإمارات والمدعومة أمريكياً، أُعلن أمس الثلاثاء عن تشكيل “التكتل الوطني للأحزاب والمكونات السياسية” في مدينة عدن، التي تسيطر عليها قوات المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً. ويأتي التكتل الجديد بغاية معلنة تتمثل في “استعادة الدولة” اليمنية ومواجهة قوات صنعاء، ضمن أهداف تتقاطع مع مساعي أمريكية وإسرائيلية لكبح عمليات صنعاء في البحر الأحمر.
التكتل الجديد وأهدافه المعلنة
التكتل الذي تشكل بدعم وإشراف أمريكي، وفقاً للبيان التأسيسي، يسعى إلى استعادة الدولة وتوحيد القوى اليمنية في مواجهة قوات صنعاء التي تعتبرها الحكومة اليمنية المدعومة من التحالف السعودي الإماراتي “متمردة”، مع وضع القضية الجنوبية كأحد الملفات الأساسية ضمن الحل النهائي للأزمة اليمنية. كما يدّعي التكتل الحفاظ على النظام الجمهوري وسيادة الدولة، وإن كانت أهدافه تشمل في المقام الأول التحرك عسكرياً ضد قوات صنعاء.
يتكون التكتل من 21 حزباً ومكوناً سياسياً، تشمل فصائل ذات وجود رمزي حيث أن بعض هذه الأحزاب بقيت فقط بالاسم منذ سنوات ويقودها ممثلون استُدعوا من الخارج. من بين أبرز الأعضاء، المؤتمر الشعبي العام (مؤتمر الخارج)، التجمع اليمني للإصلاح، الحزب الاشتراكي اليمني، واتحاد الرشاد اليمني. وتولى أحمد عبيد بن دغر، الذي أعيد من المنفى، رئاسة المجلس الأعلى للتكتل خلال دورته الأولى، ليشرف على المرحلة التأسيسية التي تهدف بحسب التكتل إلى “إنهاء انقلاب الحوثيين” و”تحرير المناطق” التي تسيطر عليها قوات صنعاء.
عودة التصعيد في ظل اتفاق خفض التصعيد
يأتي إعلان التكتل رغم توقيع اتفاق لخفض التصعيد العسكري بين صنعاء والرياض قبل عامين ونصف العام، وهو اتفاق أسهم في وقف القصف الجوي للتحالف السعودي على اليمن مقابل التزام صنعاء بوقف هجماتها الصاروخية والطائرات المسيّرة على السعودية والإمارات. كما أدى الاتفاق إلى خفض التصعيد في مختلف جبهات القتال داخل اليمن. وتشكيل هذا التكتل برؤيته التي تؤكد “إنهاء انقلاب الحوثيين” يعتبر انعطافة نحو استئناف النزاع المسلح بدلاً من البناء على اتفاق التهدئة ودفع عجلة التسوية السياسية.
دور أمريكي وتحفظات إقليمية
يتزامن إعلان التكتل مع ضغوط أمريكية متزايدة تهدف إلى حشد أطراف إقليمية في اليمن للتصدي لقوات صنعاء حمايةً للمصالح الإسرائيلية في البحر الأحمر. وقد تحركت واشنطن عبر مؤسساتها كـ”المعهد الديمقراطي الأمريكي” و”الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية” لحشد القوى السياسية المنفية ضد قوات صنعاء، كما عززت الدعم الإعلامي والسياسي للتكتل في إطار استراتيجية لوقف عمليات صنعاء التي تهدد الملاحة المرتبطة بإسرائيل، حيث تفاقمت هذه العمليات بعد أن فرضت صنعاء حصاراً غير مباشر على الملاحة الإسرائيلية منذ عام.
وتواجه هذه التحركات تحفظاً سعودياً وإماراتياً، إذ تفضل الرياض وأبوظبي عدم التصعيد المباشر مع صنعاء تجنباً لاستهداف أراضيهما. ووسط هذه التحفظات، توجهت واشنطن للبحث عن بدائل محلية لتقوية جبهة مواجهتها في البحر الأحمر عبر أطراف يمنية بدلاً من التدخل المباشر.
الدور الأمريكي في تكوين التكتل
تأسس “التكتل الوطني” بعد سلسلة اجتماعات رعتها جهات أمريكية بهدف توحيد القوى السياسية المتحالفة مع السعودية والإمارات، والتي تمتلك قوات عسكرية بأسماء متعددة في اليمن. ووفقاً للتقارير، استثمرت واشنطن في دعم التكتل سياسياً وإعلامياً، مع التركيز على مناطق البحر الأحمر الاستراتيجية بهدف كبح التهديدات التي تمثلها قوات صنعاء للمصالح الإسرائيلية والأمريكية في المنطقة.
موقف المجلس الانتقالي الجنوبي
أبدى المجلس الانتقالي الجنوبي، أحد مكونات المجلس الرئاسي المدعوم من التحالف، تحفظه على الانضمام إلى التكتل الجديد. وصرح المتحدث باسم المجلس، سالم ثابت العولقي، بأن الانتقالي لن يشارك في التكتل، مؤكداً أن موقفه سيصدر رسمياً لاحقاً. ويعد هذا التحفظ مثيراً للانتباه نظراً إلى أن المجلس كان من أوائل المكونات التي دعت إلى التحرك ضد قوات صنعاء بدعم أمريكي.
مع ذلك، يرجع هذا التحفظ إلى مخاوف الانتقالي من أن يؤثر التحالف الجديد سلباً على أهداف المجلس في السعي للانفصال والحكم الذاتي للجنوب. ويواجه المجلس انتقادات داخلية من نشطائه، إذ يعتقدون أن انضمام الجنوب للتكتل قد يُضعف موقفه في المطالبة بحق تقرير المصير.
تداعيات محتملة على الساحة اليمنية
يرى مراقبون أن تشكيل التكتل يعكس بوادر تصعيد عسكري قادم في اليمن، إذ يُعتبر بمثابة خطوة تحضيرية لتوحيد الجهود ضد قوات صنعاء، ما قد يؤدي إلى جر البلاد إلى مواجهة أوسع نطاقاً لخدمة مصالح أمريكية وإسرائيلية.
ويشير خبراء إلى أن واشنطن تأمل من خلال هذا التكتل في كبح العمليات التي تشنها صنعاء في البحر الأحمر، حيث تعتبرها إسرائيل تهديداً مباشراً لأمنها، مما يجعل التكتل أداة ضغط أمريكية على صنعاء بدلاً من كونه خطوة نحو السلام.
دعم حكومة التحالف السعودي
في تقرير نشرته “واشنطن بوست”، أشير إلى أن الحكومة اليمنية المدعومة من التحالف السعودي الإماراتي طالبت واشنطن رسمياً بدعم عمليات عسكرية ضد صنعاء، مستغلة مواقف واشنطن المعادية لصنعاء والتي تتهمها بدعم المقاومة الفلسطينية واللبنانية. ورغم هذا الطلب، لم تُبدِ الولايات المتحدة استجابة فورية، مما يبرز تراجع الثقة في الفصائل المدعومة من التحالف السعودي بعد ثماني سنوات من الحرب غير المثمرة.
مستقبل التكتل في ظل الانقسامات
من المتوقع أن يواجه التكتل تحديات داخلية، لا سيما مع اعتراض المجلس الانتقالي الجنوبي، وتضارب المصالح بين الأطراف اليمنية المختلفة. كما تظل مواقف دول الجوار مائلة إلى تجنب التدخل المباشر، مما قد يعرقل نجاح التكتل في تحقيق أهدافه دون التغلب على هذه الانقسامات وتوحيد الرؤية بين أعضائه.