اليمن والحظر البحري.. تقييد للتحركات الغربية واهتزاز عرش السيطرة الأمريكية (تقرير بالأرقام)

خاص – المساء برس| تحليل: يحيى محمد الشرفي|

في البحر الأحمر وغرب خليج عدن ستبدأ اليونان من الأول من نوفمبر القادم بقيادة ما يسمى قوة المهام المشتركة CTF 153 وهو التحالف البحري العسكري الذي أنشأته الولايات المتحدة في أبريل 2022 بعد تنامي القدرات العسكرية اليمنية البحرية.

وخلال شهري سبتمبر وأكتوبر ضمت قوات المهام المشتركة 10 سفن حربية وعددًا من الطائرات بدون طيار و4 طائرات ثابتة الجناح، بما في ذلك القطع التابعة للبحرية الأمريكية وقوات من ألمانيا. هذا الانتشار يعكس اهتمام الدول الغربية بالبحر الأحمر، والذي يعتبر ممرًا حيويًا للتجارة الدولية عبر قناة السويس. ويأتي هذا الاهتمام أيضاً في ظل ما فرضته جبهة الإسناد اليمنية من هيمنة يمنية على البحر الأحمر وتقليص حاد للتواجد والسيطرة الأمريكية والغربية على هذا الممر الاستراتيجي الأهم على مستوى العالم.

قوة المهام المشتركة CTF 153 تأسست في أبريل 2022 تحت قيادة البحرية الأمريكية كجزء من “قوات التحالف البحري المشترك” (CMF) بهدف تعزيز النفوذ البحري الغربي في المنطقة العربية وتحديداً منطقة غرب آسيا امتداداً من البحر الأحمر، إلى مضيق باب المندب، وخليج عدن، وأتت هذه القوة بعد استشعار الولايات المتحدة خطر تنامي القدرات العسكرية اليمنية على حساب النفوذ الأمريكي العسكري في البحر الأحمر من جهة وعلى أمن كيان الاحتلال الإسرائيلي من جهة ثانية، خاصةً بعد تكرار القوات اليمنية هجماتها البحرية التي استهدفت سفناً عسكرية تابعة للتحالف السعودي الإماراتي بما في ذلك مدمرتين أمريكيتين لم تعترف أمريكا باستهدافهما في 2017 كما أبقت اليمن إخفاء هذا الاستهداف عن الإعلام كورقة مساومة ضد الولايات المتحدة حينها، بينما كشف عملية الاستهداف بعد سنوات منها معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي في إحدى دراساته المنشورة في 2022.

اللافت أن قوة المهام المشتركة 153 أنشئ من خلالها ما يسمى تحالف “حارس الازدهار” والذي يضم أمريكا وبريطانيا فقط ورفضت الانضمام إليه العديد من الدول الأوروبية خوفاً من تنفيذ اليمن تهديداته بقطع ملاحتها من البحر الاحمر إذا مارست عملاً عدائياً ضد اليمن دعماً لكيان الاحتلال الإسرائيلي وهو ما تعرضت له الولايات المتحدة وبريطانيا التي أضيفت سفنها التجارية المملوكة لقائمة الأهداف اليمنية في البحر الأحمر.

وعلى الرغم من تواجد هذه القوة كحامية للمصالح الغربية ابتداءً ثم حامية لكيان الاحتلال الصهيوني من الهجمات التي يتعرض لها من اليمن، إلا أن نفوذ اليمن بقيادة حكومة صنعاء والقوات المسلحة اليمنية في البحر الأحمر استطاع تهديد وتقليص فعالية هذا الانتشار العسكري الغربي خاصة بعد توسيع القيود التي فرضتها القوات المسلحة اليمنية على حركة السفن التابعة أو المرتبطة بكيان الاحتلال الإسرائيلي والسفن التجارية والحربية التابعة لكل من الولايات المتحدة وبريطانيا وصولاً إلى قطعها تماماً من العبور.

وفيما يخص الانتشار العسكري البحري لما يسمى “حارس الازدهار”، رصد قسم الرصد الدراسات لدى “المساء برس” الانتشار العسكري البحري الغربي في البحر الأحمر خلال الفترة من بداية سبتمبر المنصرم حتى 26 أكتوبر الجاري، وتبين أنه خلال هذه الفترة تفاوتت عمليات انتشار القطع البحرية الغربية لتشمل في مجملها 10 قطع حربية موزعة كالتالي:

1. المدمرة الامريكية USS Frank E. Petersen Jr.
2. المدمرة الامريكية USS Michael Murphy (DDG-112)
3. سفينة السطح الامريكية Indianapolis (LCS-17)
4. المدمرة الصاروخية الامريكية USS Spruance (DDG-111)
5. المدمرة الصاروخية الامريكية USS Stockdale (DDG-106)
6. الفرقاطة اليونانية Spetsai
7. الفرقاطة اليونانية Psara
8. المدمرة اليونانية CAIO DUILIO
9. الفرقاطة الألمانية Hamburg
10. الغواصة الامريكية USS Georgia (SSGN-729)

وحسب الدراسة، فإن هذه القطع الحربية لم تكن متواجدة بعددها الكامل في المنطقة، إذ غادرت بعض القطع المنطقة أو تم سحبها من قبل البنتاغون او مركز قيادة قوة المهام المشتركة في اليونان إلى مناطق انتشار أخرى، كما أن قطعاً حربية أخرى من القائمة السابقة لم تكن موجودة بداية سبتمبر الماضي وأضيفت مؤخراً ولهذا تمت إضافتها في القائمة باعتبار نشرها جاء في سياق ما يسمى عملية حارس الازدهار التي أصبحت عملياً مفرغة من محتواها بعد فشلها في تحقيق هدفها الرئيسي المتمثل بضرب اليمن ورفع الحظر اليمني المفروض على الملاحة الإسرائيلية.

وخلال الفترة المشمولة بالدراسة والرصد، استهدفت القوات المسلحة اليمنية سفينةَ ( OLYMPIC SPIRIT ) النفطيةَ الأمريكية في البحر الأحمر ورغم أن السفينة المذكورة مدنية إلا أنها تعمل لحساب البحرية الأمريكية حيث خصصها البنتاغون لتزويد المدمرات الأمريكية التابعة لمنطقة عمليات الأسطول الخامس الأمريكي بالوقود، ويعد استهدافها ضربة للبحرية الأمريكية حيث تم إعطاب السفينة تماماً ما اضطر البحرية الامركيية إلى الاعتراف بأنها قد تدمرت وأن الأسطول الخامس ينسق من أجل سحبها من موقع استهدافها في البحر الأحمر في العاشر من أكتوبر الجاري والبحث بشكل مستعجل عن بديل لهذه السفينة لاستمرار تزويد الطقع البحرية الأمريكية بالوقود اللازم لتشغيلها وإبقائها متمركزة في المنطقة.

وكان المتحدث باسم الجيش اليمني العميد يحيى سريع قد أعلن في 27 سبتمبر الماضي عن عملية عسكرية واسعة للبحرية اليمنية استهدفت خلالها 3 مدمرات أمريكية بـ23 صاروخاً باليستياً ومجنحاً وطائرات مسيرة لكن حينها لم يكشف العميد سريع عن أسماء هذه المدمرات، غير أنه أشار إلى أنها كانت تبحر باتجاه فلسطين المحتلة، وبعد كشف صنعاء عن هذه العملية اعترف البنتاغون بتعرض مدمراته لهجمات من قبل اليمن في البحر الاحمر، وتزامنت العملية اليمنية الواسعة ضد البحرية الأمريكية مع عملية الاغتيال التي نفذها العدو الإسرائيلي في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت والتي استهدف خلالها أمين عام حزب الله الشهيد السيد حسن نصر الله في اليوم ذاته حيث جاءت عملية الاغتيال بعد 14 ساعة من العملية اليمنية التي استهدفت المدمرات الثلاث الأمريكية، ليتبين أن صنعاء كانت على علم بتوجه العدو الإسرائيلي للتصعيد بقوة في جنوب لبنان بمساعدة أمريكية ولذا حاولت القوات المسلحة اليمنية قطع الطريق أمام البحرية الأمريكية ومنعها من الوصول إلى مياه فلسطين المحتلة.

وفيما يتعلق بالتواجد العسكري للبحرية الأمريكية والإيطالية في منطقة البحر العربي والجزء الشمالي الغربي من المحيط الهندي، فقد تم رصد تفاوت لتواجد 8 قطع حربية تحت قيادة فرقة العمل البحري CTF-150 بينها حسب ما نشرت تقارير في 22 اكتوبر الجاري حاملتي طائرات أمريكية ويونانية، علماً أنه لم يحدث أن تواجدت جميع القطع الحربية في وقت واحد في هذه المنطقة وشملت هذه القطع ما يلي:

القطع البحرية الإيطالية:
– حاملة الطائرات الإيطالية ITS Cavour (CVH-550) وقد أجرت الحاملة تدريبات مع حاملة الطائرات الأمريكية أثناء عودتها إلى إيطاليا.
– الفرقاطة ITS Alpino (F594)
– السفينة متعددة المهام ITS Raimondo Montecuccoli (P432).

القطع البحرية الامريكية:
– حاملة الطائرات USS Abraham Lincoln (CVN-72 على متنها الجناح الجوي التاسع
– المدمرة USS O’Kane (DDG 77)
– سفينة الدعم الجاف USNS Alan Shepard
– سفينة الدعم الجاف USNS Amelia Earhart
– تم نشر القاعدة العائمةUSS Lewis B. Puller (ESB-3) في البحر العربي تستخدمها قوات العمليات الخاصة ومكافحة الألغام

استمرار الحصار اليمني

رغم تواجد قطع بحرية غربية وأمريكية في كل من شمال البحر الأحمر وجنوب خليج عدن والبحر العربي وأطراف المحيط الهندي، إلا أن اليمن استطاع فرض حصاره على كيان الاحتلال الإسرائيلي وهذا ما تكشفه الأرقام الرسمية المعلنة من قبل مراكز الدراسات الأمريكية والأوروبية والإسرائيلية أيضاً بشأن تداعيات الحظر اليمني في البحر الأحمر وما أدى إليه من انخفاض نسبة السفن التي تعبر البحر الأحمر
تواجه القوات البحرية الغربية، بقيادة الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، تحديات غير مسبوقة في منطقة البحر الأحمر، بحر العرب، وخليج عدن، مع انتشار مكثف للسفن الحربية التي تشمل المدمرات والفرقاطات وحاملات الطائرات. وبالرغم من هذا الوجود، فإن اليمن، بدعم محور المقاومة في المنطقة، قد برهن على قدرته على فرض سيطرة متزايدة على البحر الأحمر ومضيق باب المندب، ما يعزز من النفوذ الإقليمي ويجعل حركة الملاحة، وخاصة للسفن الإسرائيلية أو المرتبطة بإسرائيل، خاضعة لقيود صارمة. هذا التواجد اليمني يعتبر خطوةً استراتيجية نحو قطع خطوط الإمداد عن الكيان الإسرائيلي ومنعه من استخدام هذه الممرات البحرية الحيوية.

الانتشار البحري الغربي تحت قيادة “قوة المهام المشتركة 153″ CTF-153 و”قوة المهام المشتركة 150” CTF-150، يشمل تشكيلات بحرية متكاملة من الولايات المتحدة، بريطانيا، اليونان، وإيطاليا، حيث تُنفذ عمليات مشتركة تحت مسمى “حماية الملاحة”. غير أن هذا التواجد يمكن قراءته كوسيلة لاستعراض القوة ومحاولة للضغط على الأطراف المتحالفة مع محور المقاومة، خاصة في اليمن، والذي فرض طوقًا عسكريًا يمنع السفن الأمريكية والبريطانية من الوصول للمنطقة، ووفقا للبحرية الأمريكية، تراجعت حركة الحاويات عبر البحر الأحمر بنسبة 90% بسبب العمليات اليمنية التي تستهدف الملاحة الإسرائيلية والمرتبطة بكيان الاحتلال الإسرائيلي.

التحركات اليمنية تصب في خدمة محور المقاومة في مواجهة إسرائيل، حيث أن تقييد الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر يعزز من صمود المقاومة الفلسطينية عبر قطع الإمدادات والتواصل البحري للكيان الإسرائيلي، خاصة في ظل الدعم الواضح من واشنطن ولندن له. بهذا، يصبح البحر الأحمر مركزًا للصراع، يكشف أن التفوق الغربي في المنطقة لم يعد مضمونًا، وأن اليمن قادر على اتخاذ قرارات مستقلة ومؤثرة في المشهد الإقليمي، لصالح الفلسطينيين والمقاومة.

قد يعجبك ايضا