ما الدور الذي تلعبه فرنسا في لبنان حالياً؟ وما الذي يجب أن يحذر منه اللبنانيون؟
خاص – المساء برس| تقرير: يحيى محمد الشرفي|
منذ تفجيرات البيجر، تلعب فرنسا دورًا متناقضًا في لبنان، حيث تتظاهر بدعم الاستقرار الإقليمي من جهة، وتعمل على تعزيز نفوذها من جهة أخرى. إيمانويل ماكرون يروّج لدور دبلوماسي يدعو إلى التهدئة في لبنان، لكن خلف هذه الدعوات يكمن هدف أكبر: استعادة لبنان كقاعدة نفوذ فرنسية في المنطقة، وسط تراجع الهيمنة الفرنسية في أفريقيا بعد طرد قواعدها العسكرية من أكثر من بلد هناك وصعوبة توسع نفوذها في الشرق الأوسط.
ازدواجية المواقف الفرنسية
تحركات فرنسا منذ سبتمبر 2024 تشير إلى وجود تحالفات غير معلنة مع الكيان الإسرائيلي. في حين دعت باريس إلى وقف الضربات الإسرائيلية على لبنان، نجد أنها في الوقت نفسه تقوم بحشد مواردها العسكرية لدعم “إسرائيل” ضد الهجمات الإيرانية. هذا التناقض يعكس أن مصالح فرنسا في لبنان لا تقتصر على حفظ الاستقرار، بل تتعدى ذلك إلى حماية شراكتها الاستراتيجية مع الكيان الإسرائيلي من جهة، وضمان عدم انجرارها إلى حرب شاملة في لبنان من جهة أخرى.
كما أن هذا الدعم العسكري السري يعكس التزام فرنسا بتحالفاتها مع “إسرائيل”، التي ترى فيها حليفًا استراتيجيًا يمكن الاعتماد عليه في المنطقة. ويتزامن هذا مع محاولات فرنسا لإظهار نفسها كقوة دبلوماسية محايدة تسعى للحفاظ على الاستقرار الإقليمي، ولكن من الواضح أن هذه الدبلوماسية تستند في الأساس إلى الحفاظ على مصالحها وتحقيق أهدافها الخاصة.
أهداف خفية وراء الدعم المزعوم للبنان
تسعى فرنسا إلى استغلال الأزمة اللبنانية لتعزيز سيطرتها الاقتصادية والسياسية في البلاد. مؤتمر باريس المزمع عقده في 24 أكتوبر 2024 يأتي كمحاولة للضغط على “إسرائيل” لعدم توسيع جبهتها مع لبنان، لكنه يحمل أيضًا أجندة خفية تسعى باريس من خلالها إلى تقديم نفسها كحليف ضروري في الأزمة. كذلك، تدعم باريس بقوة بقاء قوات “اليونيفيل” في لبنان ورغم أن هذا الموقف يواجه معارضة وضغوط إسرائيلية على فرنسا لسحب قواتها في اليونيفيل من لبنان إلا أن هذا الموقف ولو أنه يبدو في ظاهره في صالح اللبنانيين والمقاومة تحديداً في هذا الوقت الذي تشتد فيه المواجهات في الجبهات الحدودية بين المقاومة وجيش الاحتلال الإسرائيلي، إلا أن هذا الموقف الفرنسي لا يعني إظهار الرغبة الفرنسية بالحفاظ على الاستقرار بقدر ما يشير بقوة إلى محاولة باريس التمسك بأي شيء يضمن استمرار وجودها الميداني في المنطقة.
تحذير للبنان
الدور الفرنسي في لبنان يظل متشابكًا بين مصالح فرنسا في تعزيز نفوذها الإقليمي، وتحالفها الضمني مع “إسرائيل”، ومحاولتها عدم الغرق في نزاع عسكري طويل الأمد. هذا التحالف بين باريس وتل أبيب، وإن كان غير معلن، يكشف عن أن فرنسا لا تسعى فقط إلى استقرار لبنان، بل إلى استخدام الأزمة كأداة لإعادة بسط نفوذها في المنطقة.
ولهذا على الشعب والقوى السياسية في لبنان عدم الانخداع والانجرار خلف فرنسا التي تحاول إيهام اللبنانيين أنها تقدم نفسها كمدافع عن استقرار لبنان، بينما يتضح أن دورها الحقيقي هو إعادة بسط نفوذها في بلد شهد تاريخيًا حضورًا فرنسيًا قويًا، وجعله قاعدة لزيادة هيمنتها على البحر المتوسط والدول المجاورة، كما أن على اللبنانيين إدراك أن فرنسا تبحث عن أي قشة تتمسك بها لاستعادة نفوذها الذي تفقده في أفريقيا.