ما علاقة السفيرة السويدية الجديدة لدى إسرائيل بجبهة الإسناد اليمنية؟ ورقة ضغط على صنعاء في معركة البحر الأحمر
خاص – المساء برس| تقرير: يحيى محمد الشرفي|
في خطوة قد تحمل أبعادًا خطيرة على الصعيد السياسي والأمني يمنياً فيما يخص جبهة الإسناد لغزة ضد العدو الإسرائيلي، تم تعيين ألكسندرا ريدمارك، زوجة المبعوث الأممي إلى اليمن هانز غروندبيرغ، سفيرة للسويد لدى الكيان الإسرائيلي.
هذا التعيين يثير تساؤلات حول إمكانية استغلال إسرائيل لهذه العلاقة الدبلوماسية من أجل الضغط على صنعاء التي تتخذ موقفًا عدائيًا تجاه الاحتلال الإسرائيلي وتدعم المقاومة الفلسطينية، هذا الدعم تجسد في فرض صنعاء حصارًا بحريًا على كيان “إسرائيل” عبر البحر الأحمر منذ عام، ردًا على العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة منذ 7 أكتوبر 2023.
الخلفية والدور الدبلوماسي
ألكسندرا ريدمارك شغلت سابقًا منصب سفيرة السويد في الأردن، وتمتاز بخبرة دبلوماسية طويلة في المنطقة، ومع تعيينها كسفيرة لدى كيان الاحتلال، تُفتح احتمالات جديدة لزيادة النفوذ الإسرائيلي جنوب اليمن عبر علاقاتها مع المجتمع الدولي، وخصوصًا في ملفات حساسة مثل الصراع اليمني السعودي والذي ينسحب على الصراع اليمني الأمريكي المرتبط بالعدوان الإسرائيلي على غزة، فاليمن الآن يتمركز في قلب الأحداث الإقليمية والدولية.
النفوذ الإسرائيلي عبر البعثات الدبلوماسية
تاريخيًا، استخدم الاحتلال الإسرائيلي نفوذه الدبلوماسي لتحقيق مكاسب سياسية وضغط على خصومه في الساحات الدولية، ومن أبرز الأمثلة على ذلك، استغلال علاقات الكيان مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لممارسة ضغوط على الدول التي تدعم القضية الفلسطينية.
وفي هذا السياق، لا يُستبعد أن تلجأ “إسرائيل” إلى استغلال العلاقة الدبلوماسية مع السويد، من خلال السفيرة ريدمارك، للضغط على صنعاء عبر زوجها هانز غروندبيرغ، الذي يتوسط في الأزمة اليمنية السعودية الغربية بصفته مبعوثًا أمميًا.
وقد تستغل “إسرائيل” هذا الوضع لدفع المبعوث الأممي للتأثير على قرارات صنعاء، أو على الأقل الضغط على صنعاء لتخفيف حصارها على الاحتلال في البحر الأحمر، حيث يعد هذا الممر المائي الاستراتيجي نقطة مهمة للصراع في المنطقة حالياً بعد أن ضل عقوداً ورقة غير مستغلة عربياً في الصراع العربي الإسرائيلي.
صنعاء تفرض حاليًا حصارًا بحريًا على إسرائيل في البحر الأحمر دعمًا للمقاومة الفلسطينية. وقد مثل ذلك تهديدًا لمصالح الاحتلال الإسرائيلي، بل وتسبب الحصار اليمني في دفع ميناء أم الرشراش (إيلات) لإعلان الإفلاس تماماً في سابقة لم تحدث من قبل. وبعد أن فشل الاحتلال في رفع الحصار بالقوة العسكرية التي تبنتها الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل أيضاً، فإن الاحتمال الوارد بقوة أن تستغل إسرائيل التطورات الأخيرة لممارسة ضغوط على صنعاء بوسائل غير مباشرة يكون الفاعل فيها والأداة الإسرائيلية هو المبعوث الأممي لدى اليمن، ومن هذه الضغوط المحتملة التأثير على القرار السياسي الدولي تجاه اليمن عموما وتجاه صنعاء تحديداً.
التصعيد في البحر الأحمر: ساحة للصراع
منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة في أكتوبر 2023، اتخذت صنعاء موقفًا قويًا ضد “إسرائيل”، وشمل هذا الموقف إجراءات ملموسة أبرزها وأهمها فرض حصار بحري على ملاحة الكيان في البحر الأحمر. هذا الحصار أثر على التجارة والملاحة الإسرائيلية بشكل كبير جداً. وبالنظر إلى النفوذ الذي قد تتمتع به ريدمارك كسفيرة في إسرائيل، يمكن أن تتحرك تل أبيب للضغط على الأمم المتحدة عبر قنوات دبلوماسية بهدف إضعاف موقف صنعاء العسكري أو السياسي، كالتهديد بفرض عقوبات أو إصدار قرارات ضد صنعاء تصب في صالح كيان الاحتلال.
أمثلة سابقة: استغلال العلاقات الدبلوماسية للضغط
ليست هذه هي المرة الأولى التي تستخدم فيها إسرائيل نفوذها عبر قنوات دبلوماسية لتحقيق مكاسب سياسية. ففي عام 2020، استخدمت إسرائيل علاقاتها القوية مع الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية للضغط على إيران بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، بهدف تشديد العقوبات الاقتصادية وإضعاف الدعم الإيراني للفصائل المقاومة في المنطقة، بما في ذلك في اليمن.
وفي سياق مشابه، يمكن أن تحاول إسرائيل استغلال العلاقات الدبلوماسية السويدية لتحريك ملف اليمن لصالحها، فقد تلجأ إلى التأثير على الأمم المتحدة من خلال غروندبيرغ وزوجته السفيرة ريدمارك لمحاولة التوصل إلى حلول سياسية تجعل من النفوذ الإسرائيلي متوغلاً في جنوب اليمن، أو الدفع نحو تحركات عسكرية تقوم بها أذرع إسرائيل في الجنوب اليمن ضد القوات المسلحة اليمنية بهدف تخفيف الضغط في البحر الأحمر وإشغال صنعاء عن مواصلة فرض الحصار البحري المفروض على إسرائيل.
الضغط على اليمن: خيارات إسرائيلية متعددة
إسرائيل قد لا تكتفي بالمحاولات الدبلوماسية فقط، بل قد تلجأ إلى التصعيد المباشر في البحر الأحمر بالتنسيق مع حلفائها الغربيين، ومع وجود أطراف يمنية حليفة لإسرائيل تجاهر باستعدادها القتال مع الاحتلال ضد صنعاء، على رأسها الحكومة التابعة للتحالف السعودي الإماراتي برئاسة رشاد العليمي، والتي تقدمت بطلب رسمي للولايات المتحدة بمدها بالسلاح لشن عمليات عسكرية برية ضد صنعاء لمنعها مما تسميه حكومة عدن “تهديد الحوثيين للملاحة الدولية”.
وكانت إسرائيل قد شنت قصفاً جوياً ضد صنعاء مرتين متتاليتين استهدفت فيهما مخازن الوقود لمحطات الكهرباء في ميناء الحديدة، رداً على هجمات اليمن المباشرة بالصواريخ الباليستية الفرط صوتية وطائرة “يافا” المسيرة التي استهدفت بها صنعاء قلب كيان الاحتلال الإسرائيلي وفشل الاحتلال في التصدي لها أو كشفها رغم المسافة الطويلة التي قطعتها أسلحة صنعاء.
السيناريوهات المحتملة
مع تعيين ريدمارك سفيرة في إسرائيل، يمكن أن تتطور الأمور في اتجاهين. الأول هو أن تستغل إسرائيل هذه العلاقة لتعزيز ضغطها على صنعاء عبر القنوات الأممية والدبلوماسية السويدية، ما قد يؤدي إلى محاولة فرض تسويات على اليمنيين للتخفيف من الحصار البحري أو التراجع عن دعم المقاومة الفلسطينية وهذا من المستحيل أن تقبل به صنعاء.
السيناريو الثاني، هو أن تظل صنعاء على موقفها الثابت، ما قد يؤدي إلى تصعيد عسكري في البحر الأحمر وفي الجغرافيا اليمنية ضد صنعاء يصاحب هذا التصعيد الإسرائيلي حرب مباشرة ضد صنعاء من قبل الأمم المتحدة كفرض عقوبات أو شن حرب اقتصادية شاملة او مضاعفة الحرب الاقتصادية الممارسة ضد صنعاء التي بدأ تنفيذها منذ الأسابيع الأولى لطوفان الأقصى، أو محاولات دولية لفرض عقوبات تقود إلى فرض عزلة على اليمن، بحجة تهديد الملاحة الدولية، في كلتا الحالتين، يبدو أن إسرائيل ستسعى إلى الاستفادة من هذه الورقة الدبلوماسية للضغط على اليمن، مستغلة تعيين ريدمارك كسفيرة في تل أبيب، لتعزيز موقفها الاستراتيجي في المنطقة.
حقيقة وتوصية
خلاصة هذا التقرير هو أن، المبعوث الأممي إلى اليمن، غروندبيرغ، انتزعت عنه صفة الحيادية التي تعتبر العمود الفقري في مهمته كمبعوث دولي لحل النزاعات، وذلك بعد تعيين زوجته سفيرة بلادها لدى كيان الاحتلال الإسرائيلي، وبما أن اليمن يعيش حالة حرب معلنة مع كيان الاحتلال فإن المبعوث الأممي لم يعد وسيطاً بل أصبح طرفاً في هذا الصراع، وبالتالي لم يعد من الآمن الوثوق فيه والتعاطي معه كما كان سابقاً بصفته وسيطاً محايداً، فهو اليوم لم يعد محايداً.
وعلى هذا الأساس، قد يتعين على القيادة اليمنية في صنعاء إعادة النظر في مسألة استمرار التفاعل والتعاطي مع غروندبيرغ من عدمه، وتحديد موقف واضح وحاسم، وفي حين قد يرى البعض أن هذه التطورات قد لا تمثل أهمية كبيرة او أن الوضع لا يزال ضمن المساحة الآمنة ولم نصل بعد للمستوى الذي يستدعي معه ضرورة التحرك، فإن الأسابيع او الأشهر القليلة القادمة كفيلة بأن تحدد فيها صنعاء ما إذا كانت ستكمل التعاطي مع غروندبيرغ كوسيط ومبعوث دولي ذو صفة حيادية من عدمه من خلال مراقبة أبسط الخطوات والتصريحات التي تصدر عنه وقياس ما إذا كانت تخدم كيان الاحتلال الإسرائيلي بطريقة غير مباشرة أم لا، ولعل مهمة كهذه تقع بالدرجة الرئيسية على عاتق المستوى السياسي الأعلى في الدولة وهو هنا ممثلاً برئيس المجلس السياسي مهدي محمد المشاط الذي بات مطالباً اليوم أكثر من أي وقت مضى بتهميش مناوشات العالم الافتراضي والتفرغ للملفات الاستراتيجية ذات البعد الأمني والقومي والتي تسهم في تحديد مصير اليمن لعقود قادمة.