عودة حيدر أبو بكر العطاس إلى عدن: إعادة ترتيب الأوراق في جنوب اليمن
خاص – المساء برس| تقرير: يحيى محمد الشرفي|
تشهد الساحة الجنوبية في اليمن تصاعدًا مستمرًا في التوترات السياسية، وذلك في ظل الصراع المحتدم بين المجلس الانتقالي الجنوبي، الموالي للإمارات، والسلطات الموالية للتحالف بقيادة السعودية.
وسط هذا الصراع المتشابك، ظهرت تطورات جديدة قد تؤدي إلى تغييرات هامة في المعادلة السياسية الجنوبية، من أبرزها عودة حيدر أبو بكر العطاس إلى عدن، وهو رئيس الوزراء الأسبق، وأحد أبرز الشخصيات الجنوبية التي كانت غائبة عن المشهد منذ حرب 1994. فما الذي يمكن أن تعنيه هذه العودة؟ وما هي أبعاد الصراع السياسي في الجنوب؟
صراع متفاقم بين الانتقالي والعليمي
الصراع جنوب اليمن لا يقتصر على خلافات سياسية تقليدية، بل يشمل تداخلات معقدة بين الفاعلين المحليين والإقليميين. فالمجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يمثل طيفًا واسعًا من الحراك الجنوبي المطالب بالانفصال واستعادة دولة الجنوب بدعم من الإمارات، بات يشكل حجر الزاوية في المشهد الجنوبي، حيث يسيطر على مدينة عدن وأجزاء أخرى من الجنوب. ورغم شراكته النظرية مع حكومة العليمي في إطار المجلس القيادي الرئاسي الذي شكلته السعودية بعد أن أطاحت بعبدربه منصور هادي في أبريل 2022، إلا أن التوترات بين الطرفين ازدادت حدة خلال الفترة الأخيرة، مع تصاعد الخلافات حول تعيينات المناصب الحكومية، والتمثيل في المفاوضات، بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية والمعيشية المتفاقمة في المناطق الجنوبية.
عودة رشاد العليمي إلى عدن أمس الثلاثاء بعد غياب طويل، تأتي في وقت حساس، حيث تصاعدت الانتقادات الموجهة إليه من قبل الانتقالي، الذي يتهمه بالفشل في تحسين الأوضاع الاقتصادية. ومع تصاعد هذا التوتر، يمكن اعتبار اصطحاب العليمي للعطاس بمثابة خطوة استراتيجية مدعومة من السعودية، تهدف إلى إحداث توازن جديد في الجنوب، حيث يُعتقد أن العطاس قد يكون ورقة ضغط ضد الانتقالي.
حيدر أبو بكر العطاس: شخصية تاريخية تعود إلى المشهد
ولطالما ارتبط اسم حيدر أبو بكر العطاس بتاريخ الجنوب السياسي، كونه شغل مناصب هامة، منها رئيس حكومة الوحدة بعد إعلان الوحدة اليمنية في 1990. لكنه غادر البلاد بعد حرب صيف 1994، التي شهدت انتهاء محاولات الانفصال وفرض السيطرة الشمالية على الجنوب. ورغم غيابه الطويل عن الساحة الجنوبية، فإن العطاس ظل مرتبطًا بالحكومات الموالية للسعودية، حيث شغل منصب مستشار لعبدربه منصور هادي حين كان رئيساً بعد الإطاحة بعلي عبدالله صالح في 2012.
عودة العطاس إلى عدن برفقة العليمي، بعد ما يقرب من ثلاثة عقود، تشير إلى توجه جديد من الرياض لإعادة ترتيب الأوراق في الجنوب، ووفقًا لمصادر سياسية، فإن هذه الخطوة مدعومة من السعودية، التي يبدو أنها تسعى لتهميش المجلس الانتقالي الجنوبي، وفتح الباب أمام قيادات جنوبية قديمة، مثل العطاس، لموازنة القوى في الجنوب، وهذه العودة حسب المصادر السياسية ليست مجرد حدث رمزي، بل تحمل في طياتها أبعادًا سياسية هامة، حيث قد تعني أن هناك محاولات لإعادة بناء تحالفات جديدة تساهم في تقويض نفوذ الانتقالي المدعوم من الإمارات وهي في ذات الخطوة ضربة سعودية توجه للإمارات بدرجة أساسية.
الانتقالي: تحت ضغوط داخلية وخارجية
من جهة أخرى، يواجه المجلس الانتقالي الجنوبي ضغوطًا متعددة. فعلى الصعيد الداخلي، تشهد المناطق الجنوبية، خاصة تلك الغنية بالنفط مثل حضرموت، تحركات تصعيدية من قبل الانتقالي في محاولته لتعزيز سيطرته على المناطق الاقتصادية الهامة، وهذه التحركات مدفوعة بدرجة أساسية من الإمارات التي لم تكتفِ بالسيطرة على الموانئ جنوب البلاد وبعض المحافظات الاستراتيجية مثل أرخبيل سقطرى، بل تسعى لمد نفوذها على الإقليم الشرقي لليمن الذي يحوي أهم الثروات المعدنية الرئيسية لليمن بأكمله. هذا التصعيد لم يمر بدون ردود فعل إقليمية ودولية. فالتحركات في حضرموت أثارت قلقًا كبيرًا لدى السعودية والولايات المتحدة، اللتين تريان في هذه المناطق الهامة والغنية بالنفط مناطق محظورة على أي طرف خارجي وحكراً على المملكة والولايات المتحدة والإبقاء على هذه المنطقة بعيدة عن أي تصعيد يؤثر على المصالح السعودية والغربية النفطية.
على الصعيد الدولي، تواجه قيادة الانتقالي تهديدات بفرض عقوبات، حيث بدأت الولايات المتحدة وبعض الأطراف الغربية بالتحقيق في مزاعم تتعلق بفساد وتهريب أسلحة من قبل بعض قيادات الانتقالي. هذه الضغوط وإن كانت مجرد مزاعم وادعاءات لا أساس لها من الصحة إلا أنها تأتي في إطار محاولات دولية للضغط على الانتقالي لتخفيف موقفه التصعيدي ضد الأطراف اليمنية الأخرى التابعة للسعودية، والمشاركة في الحلول السياسية التي تتماشى مع أجندة هذه الأطراف. من ناحية أخرى، يبدو أن هناك رغبة أمريكية في دفع الانتقالي إلى الانخراط في حرب برية ضد القوات المسلحة اليمنية التابعة لحكومة صنعاء في المناطق الشمالية لليمن، ورغم أن هذه الخطوة كان الانتقالي هو من يبادر بعرضها على الأمريكيين من أجل الحصول على الدعم العسكري من البنتاغون للمشاركة مع الأمريكيين في الحرب ضد القوات اليمنية التابعة لصنعاء رداً على الحصار الذي فرضته على الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر، إلا أن هذه الخطوة إن تمت الآن فإنما تأتي في سياق تحقيق هدف استنزاف قوات المجلس الانتقالي وإفراغ المناطق الجنوبية التي يسيطر عليها بقوة السلاح والمسلحين وتفريغ الساحة في الجنوب للقوات المسماة (درع الوطن) التي شكلتها السعودية بعد تشكيلها المجلس القيادي الرئاسي والتي تعتبر خليطاً من السلفيين المتطرفين وبقايا الجنود والضباط التابعين سابقاً لنظام علي عبدالله صالح وبقايا فصائل حزب الإصلاح.
الدور السعودي والبريطاني: تهميش الانتقالي
التحركات السعودية الأخيرة تشير بوضوح إلى رغبة المملكة في إعادة تشكيل الساحة السياسية الجنوبية، وتهميش المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي بات يشكل عبئًا على الرياض في ظل تصاعد طموحاته الانفصالية. دعم الرياض لعودة العطاس إلى عدن، بالتزامن مع إعادة تفعيل ورقة جناح عبدربه منصور هادي من خلال سماح السعودية لهادي بإجراء اتصال لوزير داخليته السابق أحمد الميسري أبرز خصوم الانتقالي في محافظة أبين الاستراتيجية والتي غرق فيها الانتقالي في حرب استنزاف منذ قرابة عامين وفشل في السيطرة عليها، يأتي في إطار سعي الرياض لإعادة تفعيل قوى جنوبية تقليدية كانت موالية لها سابقاً، على حساب الانتقالي ومن خلفه الإمارات.
بريطانيا أيضًا بدأت تلعب دورًا متزايدًا في الجنوب، حيث تحاول عبر حلفائها السابقين، مثل أحمد العيسي، إعادة ترتيب الأوضاع بما يخدم مصالحها في المنطقة. فاللقاءات التي عقدتها السفيرة البريطانية مع قادة جنوبيين مقربين من هادي تشير إلى أن لندن تسعى لدعم القوى الجنوبية المناهضة للانتقالي، في محاولة لتقليص نفوذه.
مستقبل الصراع في الجنوب
عودة العطاس إلى عدن تحمل رمزية هامة، لكنها تعكس في الوقت ذاته تعقيدات المشهد الجنوبي. فالصراع في الجنوب لم يعد مجرد نزاع إقليمي بأدوات محلية جنوبية، بل تحوّل إلى ساحة لتداخل المصالح الدولية وتشابك الأحداث في المنطقة بما في ذلك العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وعلى لبنان. فالسعودية، من جانبها، تسعى لإعادة هيكلة النفوذ في الجنوب بما يضمن عدم خروج الأمور عن سيطرتها هي، خاصة في ظل تصاعد طموحات الإمارات بتوسيع نفوذها عبر أدواتها بقيادة الانتقالي في المناطق الشرقية للبلاد، فيما الانتقالي يواجه تحديات كبيرة ليس فقط من القوى المحلية والإقليمية بل ومن الشارع الجنوبي الذي ينتظر من الانتقالي تقديم حل لأزمة المعيشة وارتفاع الأسعار وانهيار سعر الصرف خاصة وأن الانتقالي الذي يقدم نفسه مفوضاً وممثلاً للجنوبيين شريك رئيسي في الحكومة التابعة للتحالف السعودي ويفرض سيطرته العسكرية والأمنية على عدن ومحافظات أخرى، وفي خضم كل هذه التعقيدات اصطدمت عروض الانتقالي للغربيين والإسرائيليين بمساعدتهم في مواجهة القوات المسلحة اليمنية لاستعادة الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر والتي بالمناسبة قوبلت في السابق بتجاهل أمريكي وعدم اهتمام إسرائيلي باستثناء بعض الطروحات التي أشارت إلى إمكانية استغلال إسرائيل لأصدقائها جنوب اليمن (في إشارة للانتقالي) من أجل تقويض قدرات (الحوثيين للحد من هحماتهم على إسرائيل ومنعهم من مواصلة فرض الحصار في البحر الأحمر)، عروض الانتقالي التي سبق وبادر بها هو خدمة للأمريكيين والإسرائيليين اصطدمت الآن بنوايا سعودية هدفها إغراق الانتقالي في معارك استنزاف شمالاً ضد صنعاء وتفريغ الساحة الجنوبية للقوى الموالية للرياض وهي خطوة ستمثل أكبر ضربة سعودية للإمارات وخطوة ستهدم كل ما بنته الإمارات من نفوذ على مدى 8 سنوات ماضية.