ما وراء الإجماع الإسرائيلي حول الرد على إيران.. “تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى”
خاص – المساء برس| تقرير: يحيى محمد الشرفي|
في الآونة الأخيرة، تصاعدت التصريحات داخل الكيان الصهيوني حول ضرورة الرد القوي على الهجوم الصاروخي الإيراني الذي استهدف عمق المدن الإسرائيلية.
تلك التصريحات تحمل في ظاهرها مظهراً من القوة والتوحد بين السياسيين، لكنها في الواقع تعكس حالة من الهشاشة والارتباك. فإسرائيل اليوم ليست في موقف هجومي مريح، بل تجد نفسها أمام معركة وجودية متزايدة مع محور المقاومة الذي يتوسع ويكسب مزيدًا من الشرعية الإقليمية والدولية.
التهديد الإيراني والابتزاز السياسي الداخلي
لا يخفى على أحد أن بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، يعاني من أزمات سياسية داخلية، إذ يواجه ضغوطًا شديدة من المعارضة والانقسام السياسي العميق داخل الكيان. لهذا، يستخدم التهديد الإيراني كورقة للخروج من هذه الأزمة، محاولاً خلق جبهة جديدة تحت ذريعة “الخطر الوجودي”، وهو تكتيك قديم يستخدمه الساسة الإسرائيليون لجمع المستوطنين وتوحيد صفوفهم. لكن ما يفتقر إليه نتنياهو هو القوة العسكرية الموثوقة لتحقيق هذا الهدف، خاصة في ظل التحديات الداخلية والخارجية المتزايدة.
محور المقاومة الفلسطيني، والذي تسنده إيران عسكرياً وفصائل المقاومة الفلسطينية وحزب الله وجبهة الإسناد اليمنية والمقاومة العراقية وجبهة سوريا اللوجستية، أصبح اليوم قوة لا يستهان بها. فالهجمات الإيرانية ليست فقط رسائل عسكرية، بل هي أدوات نفسية تكشف عن هشاشة الكيان.
هل الكيان الصهيوني جاهز بالفعل للدخول في مواجهة مباشرة مع إيران ومحور المقاومة؟ أم أن نتنياهو يحاول إقناع الجمهور الإسرائيلي بأن إسرائيل لا تزال تملك القوة الكافية للردع؟ الحقيقة أن إسرائيل تجد نفسها أمام مأزق كبير: الرد أو التراجع، وفي كلتا الحالتين سيواجه الكيان خسائر فادحة.
معارضة الكيان: المزايدة على الائتلاف
بينما يحاول اليمين المتطرف الاستفادة من هذه الأزمة لتعزيز أجنداته التوسعية، نجد المعارضة الصهيونية ليست بعيدة عن هذه اللعبة السياسية، إذ تستغل الهجوم الإيراني للمزايدة على ضعف الحكومة، مما يزيد من حالة الانقسام الداخلي.
تصريحات نفتالي بينيت وأمثاله من قادة المعارضة تُظهر حجم الضغط الذي يواجهه نتنياهو، حيث يطالبون بتدمير البرنامج النووي الإيراني في خطوة تهدف إلى الظهور بمظهر القوة، لكن في الحقيقة هي محاولة لتعويض الإحباط الإسرائيلي من فشل سياسات الردع السابقة.
إيران والمحور: من الدفاع إلى الهجوم
إيران من جانبها لم تعد تخشى المواجهة المباشرة، بل أظهرت قدرتها على توجيه ضربات صاروخية مؤثرة إلى عمق الكيان. هذه الضربات لا تعكس فقط التطور العسكري لمحور المقاومة، بل هي انعكاس واضح للتحولات الإستراتيجية في المنطقة. فإيران والمحور الفلسطيني لا يتحركون فقط للدفاع عن أنفسهم، بل يسعون لتغيير موازين القوى بالكامل في الشرق الأوسط لصالح الأمتين العربية والإسلامية.
محور المقاومة نجح في تحويل حالة الدفاع إلى حالة من الهجوم المباشر، حيث أصبح هو من يُملي قواعد اللعبة، والكيان الإسرائيلي هو من يجد نفسه في موقف الدفاع.
ومع كل صاروخ إيراني يسقط على المدن الإسرائيلية، يزداد الشعور بالنشوة والانتصار في العالمين العربي والإسلامي، ما يُسهم في تعزيز مكانة إيران كقوة إقليمية مؤثرة، ويضعف صورة الكيان الإسرائيلي المحتل كـ”حصن لا يُقهر”.
الهروب إلى الأمام: هل ستنجح إسرائيل في تصعيد جديد؟
ومنذ الهجوم الإيراني في الأول من أكتوبر زاد الحديث الإسرائيلي المتكرر عن “الحق في الدفاع عن النفس” وتصفية الحسابات مع إيران والذي يظهر كأنه هروب إلى الأمام، محاولة يائسة لاستعادة الردع الذي تآكل بمرور الوقت منذ الـ7 من أكتوبر 2023.
والوعود أو التهديدات التي أطلقها قادة الكيان خلال الأيام القليلة الماضية بردّ غير مسبوق، قد تكون مجرد محاولة لرفع الروح المعنوية للجمهور الإسرائيلي الذي بدأ يفقد الثقة في قدرة جيشه على تحقيق الأمان.
لكن، هل يستطيع الكيان حقًا تحمل مواجهة شاملة مع إيران وكل المحور الفلسطيني؟ التجربة تُظهر أن “إسرائيل” غير قادرة على خوض حرب طويلة الأمد، خاصة إذا ما امتدت الجبهات من غزة إلى لبنان، مرورًا بسوريا واليمن والعراق، وانتهاءً بالعمق الإيراني. وما يواجهه الكيان اليوم ليس مجرد صراع عسكري تقليدي، بل حرب استنزاف متعددة الأبعاد، حيث ينجح المحور الفلسطيني في تحقيق انتصارات نفسية وسياسية قبل أن تكون عسكرية.
الهزيمة النفسية قبل العسكرية
إجماع الأوساط الصهيونية على ضرورة الرد القوي على إيران يكشف عن حالة من الرعب والضعف الداخلي، والشعور بالهزيمة. فـ”إسرائيل”، التي كانت تهيمن على المنطقة عسكريًا وسياسيًا، تجد نفسها اليوم في موقف المتلقي، متخبطة بين ضغوط الداخل وتهديدات الخارج، فيما محور المقاومة، نجح في تحويل الصراع من مجرد مواجهة مسلحة إلى حرب نفسية تشعر فيها إسرائيل بالهزيمة قبل أن تبدأ المعركة.
ولهذا ومن خلال ردود الفعل وتصريحات ومواقف الداخل الإسرائيلي من بعد الضربة الإيرانية، يتبين أن الهجمات الصاروخية الإيرانية ليست مجرد رسائل عسكرية، بل كانت مؤشراً واضحاً على نهاية عصر الهيمنة الإسرائيلية الأمريكية على المنطقة، ودخولها مرحلة من الهشاشة التي قد تؤدي في النهاية إلى تفككها أمام قوة المحور الفلسطيني والإقليمي، إلا في حالة اصطفاف الدول العربية المتصهينة أكثر وبشكل واضح مع كيان الاحتلال الإسرائيلي فحينها قد يتعثر المحور الفلسطيني قليلاً قبل الانتصار على المحور الإسرائيلي وستزداد خسائره وتكلفة موقفه التحرري لكن في النهاية سينتصر.