توافق أميركي – إسرائيلي على ضرب إيران… تل أبيب تدرس محاذير الرد

يحيى دبوق – وما يسطرون|

هل ترد إسرائيل على الهجوم الإيراني، وهل بات هذا الرد وشيكاً؟ وماذا عن الموقف الأميركي المتمايز علناً عن موقف الكيان؟ وهل بدأ مسار الحرب الإقليمية الشاملة للتوّ؟ تسمح التقديرات، التي تغلب عليها مسحة تفاؤلية، لصاحب القرار في إسرائيل بأن يجازف لدى اتخاذ قرارته، لاسيما وأن نشوة الانتصار تمنع عنه التفكير السليم كما الحذر. والواقع أن هذه المجازفة لا تزال مستمرة في تل أبيب، منذ أن بدأت الأخيرة حربها على قطاع غزة قبل عام من الآن، وعلى لبنان أيضاً، على رغم أن اليوم الذي يلي، ما زال غير يقينيّ في كل ساحات المواجهة. إلا أن الجرأة على المجازفة، تجد لنفسها حداً في ما يتعلق بالجبهة الإيرانية، وذلك على خلفية تعاظم تهديد هذه الأخيرة وقدراتها الإيذائية، الأمر الذي من شأنه أن ينحّي “نشوة الانتصار” جانباً، ليدفع أكثر إلى التفكير بحذر لدى التخطيط لأيّ رد إسرائيلي.

ولعلّ هذه المعادلة تجد تعبيراتها ومفاعيلها في الأفعال الإسرائيلية ضد إيران، وإنْ لم تنسحب على الأقوال، التي يغلب عليها الإنكار وإطلاق التهديدات التي لا تنقطع، حتى وصلت إلى حد التهديد بإزالة النظام الإيراني وقادته وقدراته، دفعةً واحدة. وفي آخر نماذج ذلك، ما جاء على لسان وزير الأمن، يوآف غالانت، الذي أكد أن الرد الإسرائيلي سيكون “قاتلاً ودقيقاً وفوق كل شيء مفاجئاً، ولن يدركوا ماذا حدث وكيف”. ويعبّر تهديد غالانت، وغيره من المسؤولين الإسرائيليين، وأيضاً ما كتبه الإعلام العبري وعبّر عنه الجمهور الإسرائيلي نفسه، عن الحاجة القصوى إلى الرد على إيران، وأن يكون هذا الرد قاصماً ورادعاً وكفيلاً بدفع الإيرانيين إلى التفكير طويلاً جداً، قبل اتّخاذ أيّ قرارت عدائية ضدّ إسرائيل. لكن ما بين التفكير بالتمنّي، والتفكير الواقعي، مسافة يعتدّ بها:

أولاً: يتضح أن الجانب الإيراني كان وما زال متوثباً للرد على أي هجوم إسرائيلي، إذ يعِد الإيرانيون، وهو ما تدركه تل أبيب جيداً، بأن يكون هذا الرد تناسبياً، بل ويزيد على حجم الهجوم الإسرائيلي ونوعه ومقدار أذيته.

ثانياً: تدرك تل أبيب الرسمية، على رغم السردية التي صدرت عنها وفقاً لتعليمات الرقابة العسكرية، أن القدرة الإيرانية على الرد الدقيق والمؤلم قائمة.

ثالثاً: يضغط ضعف القدرات الدفاعية الإسرائيلية، التي تجاوزتها الصواريخ الإيرانية، على مَن يتّخذ القرار في تل أبيب، وهو الذي كان يراهن في مجازفاته على تلك الدفاعات لتحييد الردود المقدرة للأعداء، وبالتالي الاندفاع إلى مزيد من الاعتداءات.
يتضح أن الجانب الإيراني كان وما زال متوثباً للرد على أي رد إسرائيلي

لكن هل العوامل الثلاثة كافية لمنع إسرائيل من الرد؟ الإجابة قد تكون لا مع ترجيح كبير، وهو تقدير أوّلي يستلزم مزيداً من المتابعة، إذ إن التداعيات السلبية لامتناع إسرائيل عن الرد، أكبر بكثير، وبما لا يحتمل، من أيّ إيذاء مادي وغير مادي قد يأتي نتيجة الرد على إيران. وفي الوقت نفسه، وتلك مفارقة حاضرة على طاولة القرار في تل أبيب، فإن قرار إيران بالرد على أي اعتداء، متّخذ، ما يعني أنه سيعاد طرح الأسئلة مضاعفة في أعقاب أي هجوم إسرائيلي. ولعل كل ما تقدم، يدفع إسرائيل إلى التفكير جيداً وبحذر، قبل أن تتّخذ قراراتها، بما فيها البحث عن بدائل أمنية غير عسكرية. وفي الوقت الفاصل بين اتخاذ القرار وتنفيذه، تجهد إسرائيل في إطلاق التهديدات وتوصيف الرد ونتائجه لإبقاء الإيرانيين في تموضع دفاعي، والاستفادة من ذلك في الحرب التي يخوضها العدو الآن على الجبهة اللبنانية.

على أن العامل الأهم في سياق اتخاذ قرارات إسرائيل العدائية، يبقى الموقف الأميركي؛ إذ يتضح أن الولايات المتحدة تقف إلى جانب إسرائيل، وهي تتفاعل وتتحرّك وفقاً لمصالح الأخيرة الأمنية التي تُعدّ جزءاً لا يتجزأ من مصالحها هي. والواضح أكثر، أن تلك القرارات لا تُتخذ بشكل منفرد وبعيد عن واشنطن، بل إن كل اعتداء أو خطوة هجومية أو استيعابية أو رد فعل، كبر أو صغر، يأتي مشتركاً بين الجانبين، وإن كانت أداة التنفيذ إسرائيلية. وفي ما يتصل بإيران تحديداً، يمكن القول إن أميركا معنية بأن لا تترك الهجوم الإيراني بلا رد، وصولاً إلى ردع طهران عن تكرار هجماتها على إسرائيل. كما أنها معنية بأن تستعيد إسرائيل ردعها ومكانتها وسطوتها في الإقليم، والتي تعد من أهم مستلزمات فرض الإرادة الأميركية في المنطقة.

إلا أن أميركا، وهنا المفارقة، غير معنية، في المرحلة الحالية، بأن “تتورط” بشكل مباشر في مواجهة مع إيران، من شأنها أن تضر بمصالحها على المديَين الآني والمستقبلي. ويعني ذلك، أن واشنطن توافق وربما أيضاً تدفع، للقيام بـ”ما تراه إسرائيل مناسباً”، لكن ضمن سقوف لا تستدعي التدخل العسكري الأميركي المباشر، أو التسبب بأضرار تطال مصالح الولايات المتحدة الاقتصادية في الإقليم.

وعلى هذه الخلفية، يأتي الموقف الظاهري الأميركي وفق الآتي: الإبقاء على مسافة في العلن، ولعب دور الناصح لإسرائيل، والتشديد على عدم الرغبة المواجهات الإقليمية، وإظهار السعي للحد من الرد الإسرائيلي حجماً ومدى وأذية، وقصره على الأهداف العسكرية في إيران. وباختصار، ثمة نفاق أميركي واضح، يعد استكمالاً لما دأبت عليه واشنطن منذ أكثر من عام على جبهتَي غزة ولبنان، الأمر الذي ستكون له تأثيراته على ما تحمله الأيام المقبلة للمنطقة برمتها.

 

قد يعجبك ايضا