المقاومة في بلادنا لا تُحرق ولا تُغرق.. والقادم اعظم
كمال خلف – وما يسطرون|
الحرب علـى لبنان مستمرة، والغارات على الضاحية والبقاع والجنوب أصبحت خبرا اعتياديا، المأساة الإنسانية تكبر ويكبر معها اعداد الضحايا الأبرياء، وعدد الأبنية المدمرة.
لكن ثمة ما هو جديد كل يوم على صعيد المعركة مع جيش الاحتلال، اليوم تحديدا ثبتت المقاومة في لبنان وجودها في الميدان، والحقت قصف حيفا امس بقصف “تل ابيب” قبل نصف ساعة من منتصف الليل، والهدف قاعدة غليلوت الاستراتيجية التي تضم الوحدة 8200 الشهيرة بالاعمال القذرة والتجسس والاغتيالات، خمسة صواريخ عبرت الأجواء باتجاه تل ابيب، ودوت معها صفارات الإنذار، وقد دوت صفارات الإنذار ثلاث مرات خلال 24 ساعة الماضية ونزل مستوطني “تل ابيب الكبرى” ثلاث مرات الى الملاجىء، فصاروخ اليمن البالستي تبعه صواريخ غزة وختموا يومهم بصاروخ المقاومة من لبنان، وكلها هدفها “تل ابيب” عصب “إسرائيل” ومركزها، تعطل مطار بن غوريون عدة مرات، وعلق رحلاته، بينما حلقت الطائرات المدنية في السماء دون ان تحصل على اذن الهبوط بسبب صواريخ حزب الله في أجواء تل ابيب. الواضح ان حزب الله يسير وفق خطة محكمة مرسومة، تعتمد التدرج وبناء المعادلات العسكرية، ولم تتأثر هذه الخطة باستشهاد القادة، بل زاد ذلك من تصميم المقاومين على الثبات والاستمرار. لدى المقاومة في لبنان أوراق رابحة كثيرة، ترفع بشكل عملي كلفة عزو لبنان.
بدأت “إسرائيل” تشعر بثقل الثمن، وبات من المؤكد ان ضرباتها القاسية لقيادة حزب الله واغتيالها قادة الحزب الكبار قد فقدت مفعولها وبسرعة، وان خطة افقاد حزب الله توازنه ومن ثم الانقضاض عليه والحسم بسرعة لم تفلح، وأول اختبار لذلك جرى في محاولات الغزو البري للبنان، تسعة أيام وجيش الاحتلال الإسرائيلي مازال يقاتل في الأمتار الأولى، ولم يحقق اي اختراق. والان عليه ان يواجه رشقات الصواريخ التي لا تخف وتيرتها من لبنان، وباتت تنتقل من كريات شمونه في الشمال الى حيفا في العمق ثم الى تل ابيب في المركز، والقادم يعتمد على السلوك الإسرائيلي، والاولوية لدى المقاومة إعادة تقييد اليد الإسرائيلية في لبنان.
الخوف لدى قادة “إسرائيل” من ان يتحول قصف تل ابيب لعمل روتيني من قبل حزب الله والمقاومة في فلسطين والعراق واليمن. هذا سيكون كابوسا حقيقيا سيطلق العنان للأسئلة الذي لم يسمح لها نتنياهو ان تتردد في العلن في “إسرائيل” وهو ماذا نفعل؟ ولماذا نقاتل؟ والى متى؟ وماذا حققنا من اهداف الحرب، وكم سندفع من اثمان؟ هذه الأسئلة عندما تنطلق من “إسرائيل” على مستويات متعددة، ستكون هي الحبل الذي سوف يلف على عنق نتنياهو.
حتى قبل أسبوع كانت سكرة الانتصارات والإنجازات بالاغتيالات والقصف والقتل والتدمير مفعولها يعمل، لكن هذا الأسبوع بدأ كل شيء يتغير، انكسار “إسرائيل” أمام هجوم إيراني كبير المفاعيل، وبحث قادة “إسرائيل” عن معيل امريكي يؤمن لهم الرد على ايران من دون اثمان باهظة وعدهم الإيراني بها، كل هذا يجري تحت نار المقاومة من لبنان وغزة واليمن والعراق، ليس هذا فحسب، انما ظهر لهم أبو عبيدة بالصوت والصورة، بعد ان اعلن جيشهم ووسائل اعلامهم انهم اسكتوه للابد، ظهر أبو عبيدة وصواريخ القسام تدك “تل ابيب” بعد عام من حرب الإبادة التي شنوها على غزة، وتنطلق من شمال القطاع تحديدا، تلك التي حولوها الى ركام وقالوا انهينا كتائب حماس فيها.
ماذا لو خرج السيد هاشم صفي الدين بعد أيام بخطاب؟ “إسرائيل” قصفت مقره الذي كان فيه عشرات المرات ويوميا تقريبا ومنعت أي طاقم انقاذ او طاقم رفع انقاض من الاقتراب من المكان حتى الان، وتقديراتهم تقول انه استشهد، لكن مصيره حتى الان مجهول.
الخيبة عادة تكون بحجم الآمال، والاهداف التي وعدهم بها نتنياهو جعلت الإسرائيليين ينشرون إعلانات عن الاستيطان في جنوب لبنان، وعن منتجعات سياحية في غزة، وعن عالم عربي خاضع لهم ومفتوح بلا حدود او قيود. فكيف سيكون حالهم الان وقد دخلوا حربا بلا نهاية، وامام قوى لا تستسلم، ولاُ تحرق ولا تُغرق وتقاتل حتى النفس الأخير. حتى مواليهم من العرب، الذين آثروا الوقوف في صف عدو امتهم، هؤلاء لا يعرفون قوى المقاومة، ولا يعرفون ان هذه الثلة القليلة من رجال الله، هم اسياد الامة ومستقبلها، دم أطفال غزة، ودم أطفال لبنان، لن يكون الا العار الذي سيلاحقهم الى غرف نومكم.
أبو عبيدة، وصواريخ غزة لم تكن المفاجآت الوحيدة، انما التقارير التي تحدثت وأكدت استعادة قائد حماس يحيى السنوار خطوط التواصل مع الوسطاء في الدوحة، وقد نشر الاعلام العبري عدة مرات تقارير عن قتله. ها هو يجلس في غزة مكررا شروطه لوقف الحرب وإعادة الاسرى، وقد فتح عليهم أبواب الجحيم من جبهات عدة.
خطاب أبو عبيدة سُجل حديثا، فقد تطرق لقضايا الساعة، مثل عملية يافا، واستشهاد امام الشهداء السيد حسن نصر الله، أبو عبيدة اقام الحجة امام الله والأمة على علماء الدين في العالم العربي والإسلامي، الذين لم يعلنوا الجهاد، ولم يرفعوا الصوت، ولم يقولوا كلمة الحق، ولم ينصروا المستضعفين ولم يقفوا امام الغزاة. اين هؤلاء من الشيخ عز الدين القسام، الذي ترك بلاده وهاجر نحو فلسطين ليقود الثورة ويستشهد دفاعا عن الحق، وخلد التاريخ عمامته لليوم، اين هم من الشيخ عمر المختار اين صوت الله في وجه الغزاة وهم يقولون جهرا ان هدفهم تغير وجه المنطقة وهويتها؟
ويبقى السؤال المر، كيف اعلنتم الجهاد بيوم واحد ضد سورية، وحشدتهم لها من اصقاع الأرض لتفتيتها واضعافها وقتل شعبها؟
يا مشايخ الاستخبارات والأنظمة البائسة مثلكم، عليكم من الله ما تستحقون، والتاريخ لن يرحمكم والأمة.