معضلة الرد الإسرائيلي على الهجمات الإيرانية: خيارات متعددة وأثمان باهظة (تقرير)
خاص – المساء برس| تقرير: يحيى محمد الشرفي|
يواجه الكيان الصهيوني تحديات كبيرة في تحديد طبيعة الرد على الهجوم الصاروخي الإيراني الأخير، والذي استهدف قواعد عسكرية إسرائيلية.
ورغم الخطاب الحاد والتصريحات الصاخبة حول “الرد القاسي” و”الضربة الكبيرة”، يبدو أن اتخاذ القرار بشأن كيفية الرد يتعثر أمام مجموعة من العقبات المعقدة التي تجعل الخيارات المتاحة أكثر صعوبة وتعقيدًا، وهذا ما تكشفه الصحافة العبرية وتصريحات المسؤولين السياسيين والعسكريين الإسرائيليين منذ الساعات الأولى لانتهاء الهجوم الإيراني الصاروخي الباليستي والذي دمر أهم الواعد العسكرية الإسرائيلية الجوية في الأول من أكتوبر الجاري.
أزمة الخيارات الاستراتيجية
وعلى الرغم من التهديدات المستمرة التي يطلقها المسؤولون الإسرائيليون، إلا أن تحديد الأهداف الإيرانية التي “يجب” استهدافها يشكل معضلة رئيسية للاحتلال، فوفقًا لتقارير متعددة، رصدها “المساء برس”، يواجه قادة جيش الاحتلال “أزمة خيارات” قبل اتخاذ قرار بشأن الأهداف الاستراتيجية الإيرانية.
ومن ضمن ما يُطرح ويناقش داخل كيان الاحتلال كأحد أكبر التحديات هو “كيفية استهداف المنشآت النووية الإيرانية المحصنة بعمق تحت الأرض”، فعلى سبيل المثال، تشير التقديرات “الإسرائيلية” إلى أن منشآت تخصيب اليورانيوم الإيرانية تقع على عمق عشرات الأمتار تحت الأرض، مما يجعل من الصعب جدًا تدميرها حتى باستخدام الأسلحة الجوية المتقدمة مثل طائرات الشبح “إف-35”.
إضافة إلى ذلك، فإن أي فشل في ضرب هذه المنشآت بنجاح، قد يضر بسمعة إسرائيل عسكريًا، خصوصًا وأن المخاطر تشمل أيضًا احتمال تسرب مواد إشعاعية، وهو ما قد يؤدي إلى كارثة بيئية وإنسانية “تشوه صورة إسرائيل دوليًا” حسب ما يتوقع الإسرائيليون.
قيود الدعم الأمريكي
وفي الوقت الذي يتم فيه التنسيق الوثيق بين كيان الاحتلال الصهيوني والولايات المتحدة حول الرد، إلا أن الإعلام والمحللين الإسرائيليين يؤكدون أن هناك قيودًا واضحة على طبيعة الدعم الأمريكي، وأن الولايات المتحدة، رغم سماحها باستخدام بعض مواردها مثل الطائرات والاستخبارات، أبدت تحفظًا على المشاركة المباشرة في أي هجوم يستهدف البرنامج النووي الإيراني.
وتجدر هنا الإشارة إلى ان الرئيس الأمريكي جو بايدن كان قد صرح علنًا بأنه لا يدعم ضرب المنشآت النووية الإيرانية، وذلك بحسب وجهة نظر الاحتلال “يضع إسرائيل في موقف حساس: هل يمكنها تنفيذ ضربة نووية دون الغطاء الأمريكي الكامل؟ وهل يمكن أن تتحمل إسرائيل تبعات تصعيد قد يشمل حربًا شاملة في المنطقة؟”.
سيناريوهات التصعيد الإقليمي
التصعيد مع إيران لا يعني فقط مواجهة ثنائية، بل يتسع ليشمل منطقة الشرق الأوسط بأكملها، معظلة جديدة يناقشها الإسرائيليون في تحليلاتهم عن تداعيات الرد الإسرائيلي.
فالاحتلال الإسرائيلي يدرك أن أي ضربة كبيرة ضد إيران قد تؤدي إلى ردود فعل قوية ليس من إيران فحسب بل من باقي المحور المتحالف مع فلسطين بما يشمل (لبنان وسوريا والعراق واليمن)، وحسب المحللين الإسرائيليين فإن “هذه الدول والمناطق تعتبر جبهات مفتوحة يمكن أن تستخدمها إيران للرد غير المباشر عبر حلفائها، ما يزيد من تعقيد الحسابات الإسرائيلية”، إلا أن الجانب الإسرائيلي يغفل هنا أن أي اصطفاف من دول المحور الفلسطيني مع إيران بوجه الحلف الصهيوني لن يكون على قاعدة التابع والمتبوع بل على قاعدة المصير المشترك والتهديد المشترك الذي يتوجب على الجميع المشاركة في ردعه وهزيمته بصفته رأس الشر ومهدد استقرار وأمن المنطقة هو وحلفه الذي تقوده الولايات المتحدة.
ووفقًا للمحلل العسكري الإسرائيلي أمير بوخبوط، فإن جيش الاحتلال الإسرائيلي يدرس خيارات متعددة، تشمل مهاجمة أهداف في دول أخرى مثل العراق، حيث يمكن أن تنشط المقاومة العراقية التابعة للمحور الفلسطيني. ومع ذلك، فإن هذه التحركات قد تؤدي إلى فتح جبهات جديدة تزيد من تكلفة الحرب على “إسرائيل” وفقاً للمخاوف التي يبديها الإسرائيليون.
المخاطر البيئية والاقتصادية
من بين ما يطرح أيضاً في الداخل الإسرائيلي أنه في حال قررت “إسرائيل” استهداف المنشآت النفطية الإيرانية كجزء من الرد، فإن المخاطر لا تتوقف عند الأضرار العسكرية المباشرة. فاستهداف هذه المنشآت قد يتسبب في “كارثة بيئية”، حسب تحليلات يوسي ميلمان، إذ أن تسرب المواد الكيميائية الخطيرة من منشآت النفط والغاز قد يؤدي إلى اندلاع حرائق هائلة، مما يشكل تهديدًا بيئيًا واسع النطاق قد يمتد تأثيره إلى دول أخرى في المنطقة.
وبالإضافة إلى المخاطر البيئية، فإن هذا النوع من الهجمات يمكن أن يدمر اقتصاد إيران، ويضيف ميلمان “لكن في المقابل قد يعيد إشعال حرب اقتصادية يمكن أن تؤثر على إمدادات النفط العالمية وتزيد من أسعار الطاقة عالميًا، وهو ما يشكل ضغطًا دوليًا على إسرائيل”، في إشارة إلى أن أي تصعيد إسرائيلي ضد ورقة النفط والغاز الإيراني سيقود إلى الرد باستهداف المنشآت النفطية والغازية الخليجية المتحالفة مع كيان الاحتلال الإسرائيلي ما يقود إلى حدوث أكبر أزمة وقود في العالم يكون كيان الاحتلال الإسرائيلي سببها ومشعل شرارتها.
الهجمات السيبرانية كبديل
ومن بين الخيارات المتاحة “لإسرائيل” هو اللجوء إلى الهجمات السيبرانية، وهي وسيلة سبق وأن استخدمتها ضد إيران لتعطيل البنى التحتية المدنية والعسكرية. وقد تكون الهجمات السيبرانية أقل خطورة من الناحية العسكرية التقليدية، لكنها تظل وسيلة فعالة لتعطيل الاقتصاد الإيراني والتسبب في فوضى داخلية وفق المحللين الصهاينة.
لكن حتى هذا الخيار ليس بلا مخاطرة، حيث يشير الإسرائيليون إلى أن إيران أثبتت قدرتها على تنفيذ هجمات سيبرانية مضادة، وقد يشكل التصعيد السيبراني جزءًا من حرب طويلة الأمد تستنزف الموارد والتكنولوجيا لكلا الطرفين.
القلق من رد الفعل الإيراني
أحد أكبر التحديات التي تواجه الاحتلال الإسرائيلي هو عدم القدرة على التنبؤ برد فعل إيران. فإسرائيل تدرك أن أي ضربة كبيرة قد تؤدي إلى رد فعل إيراني عنيف، وربما حتى تصعيد شامل يصل إلى حد الحرب. فيما المسؤولون الإسرائيليون قلقون من أن إيران قد ترد عبر من يسميهم الاحتلال الصهيوني “وكلائها” في لبنان أو سوريا، أو حتى من خلال هجمات مباشرة باستخدام الصواريخ الباليستية.
وفي هذا السياق يحذر مسؤولون إسرائيليون، كما أوردت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، من احتمالية تصعيد إيران للحرب إلى مستوى غير مسبوق إذا تم استهداف منشآتها النووية أو النفطية بشكل كبير.
مأزق معقد
ويواجه الكيان “الإسرائيلي” مأزقًا معقدًا في تحديد كيفية الرد على الهجوم الإيراني. فالخيارات المتاحة متنوعة لكنها تحمل في طياتها مخاطر كبيرة، سواء على المستوى العسكري أو البيئي أو السياسي. وفي ظل هذه التحديات، يبدو أن الكيان المؤقت يحاول التنسيق مع الولايات المتحدة والدول الحليفة (المتصهينة) لضمان أن أي رد لن يؤدي إلى تصعيد غير محسوب قد يؤدي إلى حرب شاملة. ومع ذلك، يبقى السؤال الأهم: هل يستطيع الاحتلال الإسرائيلي اتخاذ قرار جريء دون أن يدفع ثمنًا باهظًا؟