نقاط الضعف الإسرائيلية في مواجهة حزب الله.. اعترافات معهد الأمن القومي الإسرائيلي في تقرير جديد
خاص – المساء برس| تقرير: يحيى محمد الشرفي|
يواجه الاحتلال الإسرائيلي اليوم أزمة استراتيجية غير مسبوقة في الشمال. وحسب دراسة حديثة نشرها معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS)، رصدها وترجمها “المساء برس” تكشف بوضوح عن مجموعة من نقاط الضعف التي تجعل الكيان الإسرائيلي عاجز عن تحقيق انتصار حاسم وسريع في مواجهة حزب الله، وتُبرز هذه النقاط كعوامل تؤثر سلبًا على تحقيق إسرائيل أهدافها الاستراتيجية في لبنان.
الفشل الاستراتيجي في الشمال
ومن أهم نقاط الضعف التي أظهرتها الدراسة هو الفشل الاستراتيجي الإسرائيلي في الحفاظ على أمان مستوطني الشمال. فقد أصبح أكثر من 80 ألف صهيوني لاجئين خارج الشمال نتيجة تهديدات المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله المستمرة، وهذا يمثل ضربة قاسية لمعنويات المستوطنين اللاجئين، وللقدرة على إقناعهم بالعودة إلى منازلهم في ظل الظروف الحالية، كما تشير الدراسة في هذه الجزئية إلى أنه ورغم ما وصفته بـ”النجاحات التكتيكية في ضربات “اللكمات” الدقيقة ضد أهداف حزب الله، إلا أن إسرائيل لم تستطع حتى الآن إعادة السكان إلى منازلهم بأمان”، وهذا اعتراف إسرائيلي واضح بأن اغتيال السيد الشهيد حسن نصر الله واستهداف بعض القيادات الأخرى قبل ذلك لم يؤثر على المقاومة اللبنانية.
إخلاء المستوطنات وخطأ استراتيجي باهظ
وأشارت الدراسة إلى أن قرار إخلاء مستوطنات الشمال كان خطأً استراتيجيًا غير محسوب، أدى إلى تسهيل مهمة حزب الله في توجيه ضربات نارية دقيقة ضد مناطق مهجّرة وفارغة من سكانها، متسببًا بتدمير واسع، وهنا تشير الدراسة إلى أن الوزراء الإسرائيليون، مثل بيني غانتس وغادي أيزنكوت، اعترفوا بأن هذا القرار كان مصحوبًا بتكلفة استراتيجية غير مقبولة، فهذا الإخلاء من وجهة نظرهم سمح لحزب الله بزيادة نطاق عملياته النارية بدون خسائر حقيقية، ما أضعف صورة إسرائيل أمام نفسها وأمام حلفائها.
التآكل الكبير في قدرات الجيش الإسرائيلي
الدراسة التي نشرها معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، تكشف أيضاً عن تآكل ملحوظ في القدرات العسكرية الإسرائيلية نتيجة للحرب المستمرة منذ عام.
ويعاني جيش الاحتلال الإسرائيلي من نقص في الذخائر وقطع الغيار، بالإضافة إلى استنزاف قواه البشرية بسبب طول فترة الحرب. وهذا التآكل، إلى جانب الحصار الجزئي المفروض على الاحتلال من قبل اليمن والضغوط الدولية المتزايدة، يضع الجيش في موقف ضعيف إذا ما قررت القيادة الإسرائيلية مواصلة التوجه إلى عملية برية واسعة النطاق في لبنان.
“الشرعية الدولية الغربية” المتآكلة
وتزعم الدراسة أنه “على الرغم من النجاحات العملياتية التي حققتها إسرائيل، إلا أن الشرعية الدولية لأي عملية برية في لبنان محدودة للغاية”، وهي هنا تقصد بالشرعية الدولية وقوف المجتمع الغربي بقيادة أمريكا مع كيان الاحتلال، في حين لا يوجد للاحتلال أي شرعية في ارتكاب عدوان على دولة ذات سيادة كلبنان، وفي هذا الصدد أيضاً تبرز الدراسة المخاوف من تزايد الضغوط الدولية، خاصة من الولايات المتحدة وفرنسا، اللتين لهما مصلحة في استقرار لبنان ومنع تدمير بنيته التحتية، فأي عملية برية واسعة النطاق من شأنها أن تضع إسرائيل في مواجهة متباينة مع المجتمع الدولي، خاصة في ظل الانتخابات الأمريكية الوشيكة والعلاقات المتوترة بالفعل بين الإدارة الأمريكية وحكومة إسرائيل.
التحديات في إدارة الحرب على جبهتين
وتلفت الدراسة إلى أن أحد أكبر التحديات التي تواجه إسرائيل هو إدارة الحرب على جبهتين، في الشمال مع حزب الله وفي الجنوب مع غزة. فالجيش الإسرائيلي يضطر إلى تقسيم قواته، وهو ما يضعف قدرته على تحقيق انتصار حاسم في أي من الجبهتين. بالإضافة إلى ذلك، استمرار العمليات في غزة واستنزاف الموارد هناك والذي يقلل من إمكانية استخدام قوة كافية في الشمال لتدمير البنية التحتية لحزب الله بشكل كامل، حسب ما يعلنه الاحتلال من أهداف لعمليته.
فشل إعادة بناء الردع
ورغم أن الدراسة تقترح أن عملية “اللكمات” قد تكون “فعالة في ضرب البنى التحتية لحزب الله وإضعافه”، إلا أن “هناك شكوكا حول قدرة إسرائيل على استعادة الردع الكامل”. وهنا تشير الدراسة إلى أن حزب الله، بقيادته الجديدة، قد يصمم على مواصلة إطلاق النار على إسرائيل، خاصة طالما استمر القتال في قطاع غزة. وهذا يعني أن الردع الإسرائيلي لن يتحقق ولن يصل الاحتلال إلى ما يريده من إيقاف للحرب على المدى الطويل بحسب الشروط التي يريدها نتنياهو، كما يشير هذا الإقرار الإسرائيلي إلى قناعة المحللين في مراكز الدراسات المرتبطين بصانعي القرار بأن حزب الله يحقق وينفذ تهديداته بإبقاء الشمال مسرح حرب ومنع عودة مستوطني الاحتلال طالما استمر العدوان على غزة.
الخيار البري المقلق
وفيما يتعلق بالبدائل الأخرى للعملية البرية للاحتلال في الشمال، خلصت الدراسة إلى أن جيش الاحتلال “غير مستعد بشكل كافٍ لاحتلال لبنان أو حتى إقامة حزام أمني في الجنوب كما حدث في التسعينيات، وهذا الخيار سيحتاج إلى عدد كبير من القوات والموارد التي لا تتوفر حاليًا للجيش الإسرائيلي، مع وجود خطر كبير يتمثل في الغرق في “وحل لبنان” مرة أخرى. كما أن إقامة حزام أمني سيعيد إسرائيل إلى وضع مماثل لما كان عليه الحال قبل انسحابها من لبنان في عام 2000، مع تكرار للتهديدات التي لم يتمكن الجيش من التعامل معها بشكل كامل”.
الوضع المعقد
وتخلص الدراسة إلى إقرار حقيقة مفادها أن إسرائيل تواجه العديد من نقاط الضعف التي تعيقها من تحقيق نصر سريع وحاسم ضد حزب الله في الشمال، فمن الفشل الاستراتيجي في تأمين سكان الشمال، إلى التآكل في القدرات العسكرية والضغوط الدولية. ولهذا تجد إسرائيل نفسها في موقف معقد، وبحسب الدراسة فإن هذا الموقف للخروج منه “يحتاج إلى حلول سياسية وعسكرية متوازنة”، أما مواصلة استمرار العمليات على جبهتين، إضافة إلى محدودية الموارد وانعدام الشرعية الدولية، يجعل من الصعب على إسرائيل تحقيق أهدافها دون دفع ثمن باهظ على المستويات الاستراتيجية والعسكرية والدولية.