هيمنة واشنطن العسكرية في المنطقة: دعم لإسرائيل وضرب مصالح العرب وروسيا والصين
خاص – المساء برس| تقرير: يحيى محمد الشرفي|
كشفت التحركات الأخيرة للولايات المتحدة الأمريكية خلال الأيام القليلة الماضية عن استراتيجية واضحة تهدف إلى فرض هيمنة أمريكية كاملة، بما يخدم مصالح واشنطن وإسرائيل على حساب الشعوب العربية واستقرار المنطقة.
فتحركات الولايات المتحدة العسكرية والدبلوماسية الأخيرة التي بدأت من عشية الهجوم الإيراني الصاروخي على كيان الاحتلال الإسرائيلي، تعكس خطة مدروسة لتأمين السيطرة على المنطقة من خلال استخدام القوة العسكرية والدبلوماسية، وتوظيف الوكلاء المحليين لتنفيذ أجندات محددة.
التحركات العسكرية:
قوة مفرطة تخدم مصالح واشنطن وإسرائيل
وفي سياق التدخل العسكري، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) عن إطلاق مدمرتين أمريكيتين (USS Cole وUSS Bulkeley) عشرة صواريخ اعتراضية على الصواريخ الباليستية الإيرانية التي استهدفت كيان الاحتلال الإسرائيلي. ما يكشف عن انخراط عسكري مباشر من قبل الولايات المتحدة في الدفاع عن كيان الاحتلال الإسرائيلي لضمان استمرار جرائمه بحق الشعبين الفلسطيني واللبناني، وهذا الانخراط ليس فقط لمجرد الحفاظ على “الأمن الإقليمي” كما تزعم واشنطن، بل لضمان استمرار إسرائيل في فرض قوتها العسكرية على المنطقة، علماً أن هذه العملية ليست سوى واحدة من سلسلة من التحركات التي تؤكد أن واشنطن تستخدم كل أدواتها العسكرية لضمان تفوق الكيان الصهيوني.
بالإضافة إلى ذلك، إعلان واشنطن عن إرسال ثلاثة أسراب من الطائرات المقاتلة من طراز F-15E وF-16 وA-10 الأمر الذي يعزز من هذا التصعيد العسكري، حيث توفر هذه الطائرات قدرات هجومية ودفاعية متقدمة لضمان السيطرة الكاملة على المجال الجوي في المنطقة لمصلحة كيان الاحتلال الإسرائيلي. وكما أوضح البنتاغون، فإن هذه الطائرات تؤدي مهام متعددة تشمل إسقاط الطائرات بدون طيار، واعتراض الصواريخ، وجمع المعلومات الاستخباراتية، وكل ذلك لتعزيز الوضع العسكري لكيان الاحتلال الإسرائيلي وتعزيز الخيارات العسكرية الأمريكية في المنطقة، على حساب الأمن القومي العربي.
التنسيق الدبلوماسي:
تعزيز التحالفات لخدمة الاحتلال
وإلى جانب التحركات العسكرية، تعمل واشنطن على تعزيز شراكاتها الإقليمية لدعم الاحتلال الإسرائيلي وتحقيق أهدافه الإجرامية والاحتلالية، ففي البحرين، عقد السفير الأمريكي اجتماعًا مع وزير الخارجية البحريني لمناقشة “التحديات الأمنية والتعاون في إطار اتفاقية (التكامل الأمني والازدهار)”، والهدف هنا ليس حماية البحرين من أي تهديدات حسب المعلن، بل ضمان بقاء البحرين وغيرها من دول الخليج قواعد أمريكية عسكرية وخطوط دفاع متقدمة لكيان الاحتلال الإسرائيلي ولإبقاء المنطقة الخليجية منطقة خالصة تحت النفوذ الأمريكي الإسرائيلي المباشر، بما يخدم مصالحهما.
وعلى مستوى آخر، أجرى وزير الدفاع الأمريكي محادثات مع نظيره الفرنسي لمناقشة الوضع في الشرق الأوسط، وتحديداً لمناقشة الوضع في لبنان بالدرجة الرئيسية والتي تخوض حرباً بقيادة المقاومة اللبنانية (حزب الله) ضد العدو الإسرائيلي الذي اتجه للتصعيد العسكري نحو جنوب لبنان، الوزير الأمريكي أكد على ضرورة التنسيق في مواجهة ما وصفه بـ”العدوان الإيراني” المزعوم، وتوحيد الجهود لحماية المصالح الأمريكية والفرنسية في المنطقة، وهذه التحركات توضح كيف تسعى الولايات المتحدة إلى تحصين نفوذها الإقليمي من خلال توسيع شراكاتها الدولية وتوظيف الحلفاء من خارج المنطقة العربية لخدمة أجندتها وإسناد كيان الاحتلال الإسرائيلي في عدوانه على لبنان كما فعلت طوال فترة التصعيد الصهيونية في غزة على مدى عام كامل.
التصريحات الأمريكية:
تضليل لتبرير العدوان
اما على مستوى تصريحات المتحدثين باسم وزارة الخارجية الأمريكية ووزارة الدفاع فتشكل جزءًا من استراتيجية التضليل الأمريكية لتبرير تدخلاتها. فعندما أكد المتحدث باسم البنتاغون، بات رايدر، أن إيران كانت تنوي “التسبب في الدمار” بإطلاقها للصواريخ الباليستية على إسرائيل، يتبين بوضوح كيف تسعى واشنطن إلى تضخيم ما تسميه “الخطر الإيراني” لتبرير دعمها العسكري لإسرائيل، متناسية أن الموقف الإيراني يمثل جبهة إسنادية لردع ما أمكن من جرائم الإبادة البشرية التي ترتكبها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وفي لبنان.
وفي هذا السياق، قال مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان إن الولايات المتحدة عملت “عن كثب” مع إسرائيل لإحباط الهجوم الإيراني على إسرائيل. لتأتي هذه التصريحات كتأكيد على استعداد واشنطن الكامل لتوفير الدعم العسكري والاستخباراتي لإسرائيل بشكل علني ليس للدفاع عنها فقط بل ولقتل المدنيين الأبرياء في كل من لبنان وفلسطين، ومن دون أي اعتبار لمصالح الشعوب العربية أو حتى “توازن القوى” في المنطقة حسب ما تزعم واشنطن أنها تحرص على استقراره والحفاظ عليه.
التواجد الأمريكي في الخليج:
ضمانة للسيطرة
التحركات الأمريكية في الخليج، وخاصة في البحرين، تؤكد استراتيجية الهيمنة التي تسعى واشنطن إلى فرضها في المنطقة. ففي البحرين، عقدت الولايات المتحدة والبحرين اجتماعًا في إطار ما يسمى “الحوار الاستراتيجي”، حيث تم التأكيد على التزام الجانبين بالأمن الإقليمي ومكافحة “الإرهاب”. لكن في الواقع، هذه الشراكات تهدف إلى تعزيز النفوذ الأمريكي وضمان بقاء هذه الدول أدوات لتنفيذ السياسات الأمريكية والصهيونية، بدليل أن البيان الصادر عن الاجتماع تضمن هجوماً ضد القوات المسلحة اليمنية في صنعاء بسبب عملياتها العسكرية البحرية ضد الملاحة الإسرائيلية والأمريكية والبريطانية الإسنادية للمقاومة الفلسطينية.
إدارة الصراعات:
تصعيد متعمد لتحقيق المكاسب
أحد أبرز الأمثلة على الدور الأمريكي في إشعال الصراعات هو ما يحدث في غزة ولبنان. فقد أكد المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، ماثيو ميلر، أن “حماس، المدعومة من إيران”، رفضت التفاوض على وقف إطلاق النار، في تحريف لحقيقة الموقف الفلسطيني المقاوم الذي تمثله حماس حيث يقتطع المسؤولون الأمريكيون تصريحات المقاومة وتقديمها بشكل مجتزأ وبثها بالشكل الذي يُظهر المقاومة الفلسطينية بأنها الطرف المدان أو المعرقل للحل، وبشكل عام فإن مراوغة الولايات المتحدة وتلاعبها بالتصريحات يكشف أن واشنطن تستغل الصراع لتبرير استمرار العمليات العسكرية ودعم الاحتلال الإسرائيلي لمواصلة ارتكابه مجازر إنسانية في قطاع غزة، وهذه السياسات لا تهدف إلى إنهاء الصراع، بل إلى إبقاء المنطقة في حالة من الفوضى، بما يتيح للولايات المتحدة وإسرائيل توسيع نفوذهما وتثبيت مواقعهما بعد الهزة التي تعرضوا لها بدءاً من 7 أكتوبر العام الماضي.
هدف استراتيجي:
إضعاف روسيا والصين
في هذا السياق أيضاً يشير محللون سياسيون إلى أن تحركات الولايات المتحدة في المنطقة العربية ليست عشوائية، بل هي جزء من خطة استراتيجية تهدف إلى بسط السيطرة على المنطقة وضمان تفوق إسرائيل وعدم السماح لروسيا أو الصين بتحقيق أي مصالح لهما في المنطقة سواء أكانت هذه المصالح مشروعة وقائمة على المنفعة المتبادلة بين روسيا والصين والبلدان العربية أو حتى مصالح غير مشروعة كالتي تنتزعها واشنطن بالقوة والهيمنة، وفي المحصلة فإن استخدام واشنطن القوة العسكرية والتنسيق الدبلوماسي مع حلفائها في أوروبا وأدواتها في الخليج، كل ذلك يهدف على المدى البعيد إلى ضرب روسيا والصين وحتى الهند أيضاً وعلى المدى المتوسط إلى إضعاف المنطقة العربية وإبقائها في حالة من التبعية وتحت قيادة وهيمنة ما تُسمى بـ”إسرائيل الكبرى” التي يعرض رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو خرائطها وهو متباهياً داخل الأمم المتحدة.
وما نعتقد أن روسيا والصين قد بدأتا بإدراكه، هو أن الولايات المتحدة وكيان الاحتلال الإسرائيلي إذا تمكنتها اليوم من بسط سيطرتهما كلياً على المنطقة العربية فإنهم في اليوم التالي سيتخذان قرار قطع البترول العربي عن الصين وبيعه للأوروبيين ليتوقفوا عن شراء البترول والغاز الروسي، وبما أن إسرائيل وأمريكا تهيمنان على خطوط الملاحة في المتوسط والبحر الأحمر والمحيط الهندي فسيكون من الصعب على روسيا بيع بترولها للصين.