ما تأثير اغتيال الشهيد نصر الله على المقاومة اللبنانية؟ قراءة تحليلية لموقف “الكيان”
خاص – المساء برس| تقرير: يحيى محمد الشرفي|
أراد الكيان الإسرائيلي بإقدامه على اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في 27 سبتمبر المنصرم أن يزعزع محور المقاومة. ولكن، على عكس ما توقعت القيادة الإسرائيلية، لم يكن هذا الاغتيال ضربة قاصمة للمقاومة، بل كشف عن أوهام الاحتلال وضعف موقفه الاستراتيجي في مواجهة قوة المقاومة المتنامية في لبنان وغزة والمنطقة.
اغتيال نصر الله: ضربة أم أوهام؟
بالرغم من التهليل الكبير الذي صاحب اغتيال السيد حسن نصر الله في الأوساط السياسية والعسكرية الإسرائيلية، حيث وُصف بأنه “أحد أهم العمليات في تاريخ إسرائيل” حسب زعم وزير الحرب يوآف غالانت، إلا أن الواقع العسكري والسياسي في المنطقة يشير إلى أن الكيان الإسرائيلي لم يحقق الانتصار الذي يحلم به. فقد كان الكيان بحاجة ماسة إلى هذه العملية لرفع معنويات مستوطنيه، وخاصة أولئك في الشمال الذين عاشوا تحت تهديد معادلة نصر الله: “لا أمان للشمال طالما العدوان مستمر على غزة.”
الترويج الإسرائيلي لاغتيال نصر الله كمفصل استراتيجي جاء في محاولة لتغطية الفشل الذريع في تحقيق أي أهداف ملموسة في حربه على غزة. ولم يتردد الإعلام الصهيوني في طرح التساؤل الأبرز: “إلى أين؟” حيث باتت إسرائيل تفتقر لرؤية واضحة حول كيفية التعامل مع محور المقاومة الذي يمتد من طهران إلى بيروت.
رد المقاومة: النار تحت الرماد
من الواضح أن اغتيال نصر الله لم يكسر ظهر المقاومة، بل على العكس، باتت المقاومة أكثر استعدادًا للرد. ولا تزال حتى اليوم ترد تقارير متعددة من الإعلام الإسرائيلي تؤكد أن حزب الله يخطط لإطلاق وابل من الصواريخ باتجاه المدن الإسرائيلية، بما في ذلك تل أبيب. وكما اعترف مسؤول عسكري إسرائيلي كبير لـ”يديعوت أحرونوت”، فإن “الأيام المقبلة ستكون صعبة للغاية”، مما يكشف حالة الذعر التي يعيشها الكيان المؤقت، ولعل ما حدث مساء الثلاثاء من هجوم إيراني بالصواريخ الباليستية كجزء من تداعيات ما أقدم عليه الاحتلال دليل على ذلك.
رغم اغتيال نصر الله، لا يزال حزب الله يحتفظ بقدراته العسكرية الكبيرة وترسانته الصاروخية الهائلة، ما يعني أن اغتيال القادة لن يثني المقاومة عن مواصلة طريقها. هذه الحقيقة اعترف بها حتى بعض المحللين الإسرائيليين، مثل الباحثة أورنا مزراحي، التي أكدت أن الحزب لا يزال يشكل “عنصر قوة كبيرة تهدد إسرائيل”، وأنه قد يعزز هجماته في الفترة المقبلة.
إسرائيل تحت الحصار: تهديدات المقاومة لا تزال قائمة
إسرائيل، رغم كل محاولاتها للتهوين من قدرة حزب الله بعد اغتيال نصر الله، تجد نفسها عاجزة عن حماية مستوطنيها. المستوطنات في الجليل الأعلى لا تزال تحت تهديد الصواريخ القصيرة المدى والمضادة للمدرعات، وهو ما أكده الصحفي الإسرائيلي ألوف بن في صحيفة “هآرتس”، مشيرًا إلى أن تهديد “حزام النار” لا يزال قائماً، وأن إسرائيل لم تحقق “صورة نصر” تليق بمستوطنيها.
الاستراتيجية الإسرائيلية المبنية على اغتيال القادة لم تعد فعالة كما كانت تروج لها سابقاً. فالمقاومة ليست مرتبطة بشخص واحد، بل هي عقيدة شعبية وجيش متكامل قادر على المواجهة والاستمرار. ومع ذلك، يتضح من تصريحات القادة الإسرائيليين أن إسرائيل لم تحقق بعد أي مكاسب استراتيجية حقيقية.
هزيمة نفسية واستراتيجية: مكاشفات للإعلام الإسرائيلي
على المستوى النفسي، قد يكون اغتيال نصر الله شكّل لحظة انتشاء مؤقتة لدى القيادة الإسرائيلية، لكنه لم يُحدث التأثير المطلوب على المقاومة. وكما أشار المحلل الإسرائيلي ميخائيل هراري في صحيفة “معاريف”، فإن الضربة على حزب الله “لم تنهِ الحرب”، بل نقلت عملية اتخاذ القرار إلى طهران، وهو ما يعزز الترابط القوي بين جبهات المقاومة في لبنان وفلسطين وإيران.
وفي هذا السياق، يعترف الإعلام الإسرائيلي بأن العمليات التي نفذتها إسرائيل قد تكون ساهمت في “رفع الرأس” مؤقتاً، لكنها لم تحقق شيئاً في الواقع. وكما قال المحلل العسكري تامير هايمن لقناة N12، فإن “الأحداث الدراماتيكية لا تزال تنتظر إسرائيل”، مما يشير إلى أن الاحتلال يعلم أن الأمور لم تحسم بعد.
إسرائيل في مأزق: لا نصر ولا أمان
رغم كل الضجة الإعلامية حول اغتيال نصر الله، لا يزال الاحتلال الإسرائيلي يعيش في حالة من الرعب والذعر. الأوضاع في الجليل والأراضي المحتلة تشير إلى أن المقاومة لم تتأثر بهذا الاغتيال، بل أصبحت أكثر تصميمًا على الرد، وهذا ما يفسر حالة القلق المتزايدة في الأوساط العسكرية والسياسية الإسرائيلية.
في النهاية، يتضح أن الكيان الإسرائيلي، رغم محاولاته لتحجيم المقاومة باغتيال قادتها، لا يزال غير قادر على تحقيق النصر الذي يسعى إليه. محور المقاومة مستمر، وإسرائيل تجد نفسها محاصرة بتهديدات متزايدة من جبهات عدة، مما يعزز فكرة أن القوة وحدها لن تكون كافية لحماية الاحتلال من السقوط أمام مقاومة لا تعرف الهزيمة.