كيف يبني الاحتلال الإسرائيلي بنك أهداف نوعياً لاستهداف قيادات المقاومة؟ ولماذا فشل في غزة؟
خاص – المساء برس| تقرير: يحيى محمد الشرفي|
في ظل الصراع المستمر بين المقاومة اللبنانية والفلسطينية ومحورهما المساند ضد الاحتلال الإسرائيلي، تتكشف أساليب العدو الصهيوني المتقدمة في جمع المعلومات الاستخبارية التي تمكنه من استهداف بعض قيادات المقاومة بدقة مقلقة.
عمليات الاغتيال الدقيقة، مثل تلك التي طالت الشهيد القائد السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، وقبله الشهيد محمد حسين سرور (أبو صالح)، تعكس قدرة العدو على بناء بنك أهداف عالي الجودة يعتمد على تقنيات استخبارية متطورة متعددة الأبعاد.
ويستخدم الاحتلال عدة استراتيجيات وأدوات لجمع المعلومات، تتنوع بين التجسس الجوي، والوسائل البشرية، والتقنيات الفنية، ليتمكن من تصنيف أهدافه إلى مستويات عدة، مما يجعله أكثر فعالية في استهداف القيادات الميدانية والمراكز الحيوية. فكيف يستطيع العدو بناء بنك أهداف بهذه الدقة؟ وما هي العوامل التي تسهم في نجاحه في استهداف قيادات المقاومة؟.
1. بنك الأهداف الأولي: معلومات عشوائية تحتاج لتقييم
يبدأ العدو الإسرائيلي بعملية جمع المعلومات الاستخبارية من خلال تجريف أهداف أولية باستخدام وسائط تجسسية جوية مثل الطائرات بدون طيار، هذه الأهداف غالبًا ما تكون غير مؤكدة وتحتاج إلى مزيد من التحقيق والتقييم. يستخدم العدو هذه المرحلة كقاعدة لجمع البيانات الأولية، لكن هذه الأهداف لا تعتبر ذات أولوية عالية حتى يتم التحقق منها من خلال مصادر متعددة، رغم ذلك يعتمدها العدو كأهداف عشوائية ويضربها ويرتكب بسبب ذلك مجازر إبادة جماعية كما هو حاصل في غزة وحالياً في جنوب لبنان.
2. بنك الأهداف المشبوهة: التقييم الجوي المتكرر
المرحلة الثانية تشمل أهدافًا مشبوهة، يتم رصدها مرارًا وتكرارًا عبر طائرات التجسس غير المأهولة مثل “هيرمز” و”هيرون”، ويتم مراقبة هذه الأهداف على فترات زمنية متعددة، وإذا استمر الشك حول طبيعتها، يتم إرسال مصادر بشرية (جواسيس على الأرض) للتحقق منها، وإذا ما استمرت حالة عدم الوضوح والأهمية لهذا الهدف أو ذاك، يتم إدراجها في بنك الأهداف بأولوية منخفضة إذا لم يتم العثور على مؤشرات مؤكدة لأهميتها.
بالنسبة للبندين الأول والثاني، فقد اعتمد العدو الصهيوني في استهدافها على القصف الجوي الواسع والقصف البري العشوائي، وتلك كانت جرائم حرب مكتملة الأركان لأن القصف كان يشمل الهدف المفترض وكل من في محيطه ولهذا شهدنا كل تلك الغارات والدمار الهائل الذي أحدثه الاحتلال الصهيوني في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي، وهذا ما يكرره أيضاً في جنوب لبنان منذ أن بدأ بتنفيذ مجزرتي تفجير البيجرات وأجهزة اللاسلكي.
3. بنك الأهداف ذات الأولوية: تخضع لمصادر تجسسية متعددة وتحليل مركب
في حالة الأهداف التي تتعلق بالشخصيات القيادية أو المراكز الحساسة، يعتمد العدو على مصادر استخبارية متعددة لتقييم هذه الأهداف بدقة أكبر.
ويشمل ذلك الوسائط التجسسية الجوية، والأرضية، والبشرية، والفنية، ورغم أن هذا النوع من الأهداف قد لا يحتوي على جميع العناصر اللازمة لتصنيفها كأهداف عالية الأولوية، إلا أن العدو ينظر إليها بعين الاعتبار بسبب طبيعتها الحيوية.
4. بنك الأهداف الذهبي: استهداف القيادات بعمليات نوعية
هنا يحتفظ العدو بقائمة خاصة من الأهداف ذات الأولوية العالية، والتي تخضع لجهد استخباري مكثف وطويل الأمد يصل في بعض الأحيان لـ 10- 15 عاماً.
هذه الأهداف تشمل قادة الصف الأول من المقاومة وأبرز الشخصيات المؤثرة، وتتم مراقبتها وتحليلها من جميع وسائط الاستخبارات وبمختلف وسائل التجسس من أجهزة التنصت إلى أجهزة استشعار بصمة الصوت إلى اختراق ومراقبة الاتصالات وجميع هذه الأجهزة يتم زراعتها وغرسها منذ سنوات ثم مراقبتها وتحليل بياناتها على مدى هذه السنوات، ويشارك في هذا الجهد فروع الاستخبارات المختلفة مثل الاستخبارات البصرية، استخبارات الإشارة، والاستخبارات البشرية، وتعهد هذه الأهداف لوحدة خاصة تكون مرتبطة بشكل مباشر بكل من الموساد والاستخبارات العسكرية بكل فروعها ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) ووكالات استخبارات أذرع إسرائيل في المنطقة مثل السعودية والإمارات والأردن وبعض الجهات الحكومية في الدولة اللبنانية والسلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس والنظام المصري.
هذه الأهداف، بدءاً بالشهيد الشيخ صالح العاروري وصولاً إلى الشهيد القائد السيد حسن نصر الله وقبله بأيام الشهيد محمد حسين سرور، تخضع لمراقبة دقيقة على مدار سنوات. يتم تحديد جميع تفاصيل حياتهم الشخصية والمهنية، مثل أماكن ترددهم، بصماتهم الصوتية، تحركاتهم اليومية، والشبكات الاجتماعية المحيطة بهم.
وهذا الكم الهائل من المعلومات يجعل العدو قادراً على تحيّن الفرصة المناسبة لاستهدافهم وحينما يشعر العدو بأن هناك شكوك بنجاح العملية يتم تدمير المنطقة بأكملها لضمان تصفيتهم وعدم نجاتهم من محاولة الاغتيال كما حدث مع الشهيد القائد نصر الله والذي لتحقيق هدف تصفيته قام الاحتلال برمي 83 قنبلة خارقة للتحصينات تزن الواحدة منها طناً واحداً الأمر الذي أدى لتدمير حي بأكمله مكون من 6 بنايات سكنية مرتفعة الطوابق.
وهذه العملية تشير إلى أن الاحتلال الصهيوني كان يعلم بوجود الشهيد القائد نصر الله في تلك المنطقة لكنه لا يعرف النقطة التي يتواجد فيها بشكل دقيق ولذا لتحقيق هدف اغتياله قرر الاحتلال تدمير المنطقة بأكملها وبما لا يسمح بإمكانية إسعافه إن كانت العملية قد أدت إلى إصابته فقط، علماً أن انتشال فرق الإنقاذ والدفاع المدني اللبنانية لركام دمار البنايات التي استهدفها الاحتلال في اغتيال نصر الله لا يزال قائماً حتى الآن وهو ما يوحي بحجم التدمير الذي أحدثه الكيان وصعوبة خروج من لا يزال تحت الأنقاض سالماً.
الاستهداف النوعي مقابل العشوائي
يكمن السر في نجاح العدو في اغتيال قيادات المقاومة في لبنان أو سوريا وفشله في تحقيق هذا الهدف في غزة، في الاعتماد على بنك أهداف ذهبي، يتم جمعه بجهد استخباري كبير ودقة عالية، معتمداً على ما حققه من اختراق استخباري داخل المجتمع المحلي اللبناني ولكون النظام اللبناني مشبع بالعملاء التابعين للموساد الإسرائيلي والمخابرات الأمريكية إضافة للعملاء الممولين من دول عربية صديقة لكيان الاحتلال الإسرائيلي فإن عملية اختراق بيئة المقاومة اللبنانية للوصول إلى قياداتها والتجسس عليها كان سهلاً على كيان الاحتلال الصهيوني.
لكن في المقابل، يفشل العدو في حملاته الجوية العشوائية التي تعتمد على بنك أهداف البندين الأول والثاني المشبوه وذات الأولويات المنخفضة بحسب التقييم الاستخباري للموساد، حيث تكون معايير انتقاء الأهداف متدنية وتفتقر إلى الموثوقية. هذا يفسر لماذا تخفق الحملات الجوية الإسرائيلية في إحداث التأثير المطلوب والتسبب فقط بتدمير البنية التحتية وقتل المدنيين الأبرياء وارتكاب مجازر ضد الإنسانية، كما حدث في الحملة الجوية الأخيرة على لبنان، التي استنفدت بنك الأهداف الأولي للاحتلال دون تحقيق نتائج ملموسة.
العملية النوعية: موارد بشرية وتقنيات عالية الدقة
عندما يتم اتخاذ قرار باستهداف شخصية ذات أولوية عالية، يقوم العدو بتخصيص موارد هائلة لضمان نجاح العملية. إذ يتم استخدام مجموعات متخصصة في “الرصد الفني، والبشري، والتسديد اللايزري، وتأكيد تحييد الهدف”. هذا التركيز والاستخدام الواسع للموارد يجعل العدو يقتنع أن العملية ستنجح بنسبة عالية، وهنا يمكن القول إن عملية اغتيال الشهيد اسماعيل هنية في إيران قد خضعت لهذه المجموعات المتخصصة في الرصد والمراقبة والتحييد ويمكن تصنيفها على أنها “نوعية”.
الإخفاق في تدمير البنية العسكرية للمقاومة
إن نجاح العدو في استهداف قادة المقاومة يعتمد بشكل رئيسي على بنك أهداف نوعي، يجمع من خلال تقنيات استخبارية متعددة وموارد بشرية وفنية ضخمة وبمشاركة أطراف استخبارية أجنبية. هذا الأسلوب يتيح له الوصول إلى أهداف دقيقة، لكنه يظل عاجزًا أمام التحديات التي يواجهها في استهداف الأهداف الموضوعة في بنك الأهداف العشوائية والمنخفضة الأهمية، وفي هذه الحالة نحن نتحدث عن البنية العسكرية لحزب الله والتي فشل العدو في إيجادها أو تحييدها حتى الآن وفي البنية الهيكلية والتنظيمية لحركة حماس وكتائب عز الدين القسام التي فشل العدو في اختراقها او اكتشاف أماكنها وفشله أيضاً في معرفة أماكن تواجد أسراه في قطاع غزة رغم أنه دخل القطاع عسكرياً ويسيطر عليه.