حزب الله بعد العاصفة: الاغتيالات كشفت أن بنيته التنظيمية والعسكرية أقوى من أن تهتز
خاص – المساء برس| تحليل: يحيى محمد الشرفي|
بعد اغتيال السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، وقبلها سلسلة الاغتيالات التي طالت قيادات بارزة في المقاومة اللبنانية مثل إبراهيم عقيل، وما صاحبها من موجة استهداف جوي وبحري لضرب البيئة المدنية والاقتصادية للمقاومة اللبنانية على مدى أسبوع كامل، كان العالم ينتظر أن ينهار كيان المقاومة أو على الأقل أن تهتز بيئتها. لكن الواقع أثبت عكس ذلك تمامًا، إذ أظهرت المقاومة وبيئتها أنها كيان صلب متماسك، استطاع استيعاب الصدمة بسرعة مذهلة، مشيرة إلى أن أربعين عاماً من البناء المتين كان كفيلاً بتحويل اللبنة التي وُضعت عام 1982 إلى جدار صلب لا يمكن اختراقه.
في “أسبوع الشدة” الذي تخلل هذه الاغتيالات، برزت قوة غير مرئية ومكنونة، حيث أظهرت المقاومة أنها ليست مجرد تنظيم عسكري أو سياسي، بل كيان اندمج مع بيئته الشعبية ليشكلا معًا وحدة متماسكة. لقد حاول الأعداء على مدار عقود أن يزرعوا الشقاق بين المقاومة وقاعدتها الشعبية، لكن كل هذه المحاولات باءت بالفشل، ليتبين أن المقاومة وبيئتها أصبحا جزءاً لا يتجزأ من نسيج واحد، بل إن البيئة الشعبية سبقت المقاومة في بعض المراحل، متفوقة في صمودها وثباتها في وجه الاستفزازات ومحاولات العزل.
خلال السنوات الـ 17 الأخيرة، تعرضت المقاومة لاختبارات صعبة على كافة المستويات، لكن هذه الاختبارات أثبتت أن المجتمع المقاوم هو مدماك لا يمكن كسره. هذا الصمود البنيوي الاجتماعي جاء نتيجة عقود من التضحيات والتربية في بيئة المقاومة، والتي خاضت معارك كبيرة بكل ثبات وانفعال هادئ، مع قناعة راسخة بأن المقاومة وبيئتها أصبحتا كتلة لا يمكن النيل منها.
على المستوى البنيوي التنظيمي، أثبتت المقاومة قدرتها على مواجهة أصعب التحديات بفضل الخبرة والتجربة التي صقلتها على مدى أربعة عقود. فخلال “أسبوع الشدة”، أظهرت الوقائع أن هيكلية المقاومة باتت تتمتع بمرونة تنظيمية نادرة، تمكّنها من التكيف بسرعة مع الصدمات والضغوط، لتصبح درعاً واقياً يحميها من الأزمات. هذه المرونة لم تتوقف عند المستوى التنظيمي، بل امتدت إلى الجاهزية العسكرية والاقتدار العملياتي، حيث تواصل المقاومة تطوير خططها، مواكبةً للمتغيرات وتعزيزاً للمهارات من القيادة إلى القاعدة.
المقاومة، بعد أربعة عقود من العمل العسكري والأمني، أظهرت قدرة لا تُضاهى على التكيف والمرونة في ساحة المعركة. هذه المرونة لا تمتلكها حتى بعض الجيوش الكبيرة، بدليل الإنجازات التي حققتها المقاومة في لبنان وسوريا والعراق واليمن، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، من خلال نقل تجاربها إلى حلفائها في هذه الساحات. وقد أثبتت تلك الإنجازات أن المقاومة لم تعد قوة محلية فحسب، بل قوة إقليمية ذات تأثير كبير، قادرة على تحقيق انتصارات استراتيجية في أصعب الظروف.
في النهاية، أثبتت المقاومة اللبنانية أن استهداف قادتها ومحاولات النيل منها لن تضعفها، بل تزيدها قوة وتماسكًا. فالكيان الذي بناه حزب الله منذ تأسيسه بات صرحًا لا يمكن إسقاطه، محميًا ببيئة شعبية متينة وإرادة صلبة. ومع كل محاولة عدوانية، يتجدد العزم ويتعزز الإصرار على مواصلة الطريق نحو تحرير الأرض وحماية الكرامة.