الانكشاف الاستراتيجي لمنظومات الدفاع الجوي الإسرائيلي: الفضيحة وأبعاد المعركة الراهنة

عبدالحميد شروان – وما يسطرون|

شهدت الأسابيع الأخيرة تصاعدًا ملحوظًا في استهداف عمق الأراضي المحتلة من قبل فصائل المقاومة في المنطقة، ما كشف ضعفًا استراتيجيًا غير مسبوق في منظومات الدفاع الإسرائيلية التي طالما تم الترويج لها على أنها الأكثر تطورًا في العالم.

هذا الانكشاف تجلى بوضوح في الهجمات الأخيرة التي تعرضت لها أهداف حساسة داخل الأراضي المحتلة، كان آخرها استهداف مقر الموساد في قاعدة “غليلوت” من قبل صاروخية حزب الله، وقبله هجوم بالطائرة المسيرة “يافا” اليمنية ولحقها الاستهداف بالصاروخ الفرط صوتي “فلسطين 2” الذي استهدف مدينة يافا المحتلة، وأخيرًا ضربات المقاومة العراقية التي استهدفت أمس معسكر في غور الأردن واليوم أكملتها باستهداف الرصيف العسكري للاحتلال في ميناء أم الرشراش (إيلات).

استهداف حزب الله مقر الموساد

استهداف مقر الموساد في ضواحي يافا “تل أبيب”، وهو المقر المسؤول عن اغتيال القادة وعن تفجير البايجرز وأجهزة اللاسلكي في لبنان، بصاروخ “قادر1” من قبل حزب الله، يعني فشلًا ذريعًا في قدرة “إسرائيل” على حماية منشآتها الأكثر حساسية، ويعني أيضًا أن عمليات الرصد الاستخباراتي الإسرائيلي باتت مكشوفة أمام قدرات المقاومة.

هذه الضربة تمثل تطورًا نوعيًا في الحرب الأمنية الدائرة، حيث أظهرت أن المقاومة قادرة على اختراق شبكات الدفاع والهجوم في عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة دون أن تستطيع المنظومات الدفاعية رصد أو اعتراض الهجمات بشكل فعّال، ما يمثّل فضيحة عسكرية وأمنية.

الضربات اليمنية

الهجوم الذي شنته القوات المسلحة اليمنية على يافا المحتلة باستخدام الطائرة المسيرة “يافا” والصاروخ الفرط صوتي “فلسطين 2” شكّل هو الآخر ضربة موجعة أخرى للدفاعات الجوية الإسرائيلية.

الصواريخ الفرط صوتية تعد من أحدث تقنيات الهجوم الصاروخي، لتميزها بسرعتها العالية التي تجعل من الصعب على الأنظمة الدفاعية الحالية اعتراضها، بالإضافة إلى ذلك، الطائرة المسيرة “يافا” أظهرت القدرة على اختراق الأجواء الإسرائيلية بشكل مباشر، مما يثير تساؤلات كبيرة حول فعالية أنظمة القبة الحديدية ومنظومات الدفاع الأخرى مثل “مقلاع داوود” و”حيتس”.

ولطالما روجت “إسرائيل” لنظام “القبة الحديدية” باعتباره العمود الفقري لحماية الجبهة الداخلية، إلا أن الهجمات اليمنية والعجز الإسرائيلي عن اعتراض الطائرة المسيرة والصاروخ الفرط صوتي أظهر مدى تآكل فعالية هذه المنظومات في مواجهة تطور قدرات المقاومة.

ومن لبنان واليمن إلى العراق، حيث يضاف الهجوم الذي نفذته المقاومة العراقية على الرصيف العسكري في ميناء إيلات (أم الرشراش) الليلة إلى سلسلة الضربات النوعية التي أظهرت ضعف منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلي.

يشار إلى أن ميناء إيلات يعد بوابة “إسرائيل” البحرية الجنوبية، وله أهمية استراتيجية لا سيما في وقت الحرب، وكان اليمن قد أجبر حكومة الكيان على إغلاقه نتيجة الحصار، إلا أنها ومع تصاعد التوترات في الشمال بدأت بترتيبات لإعادة تشغيله ليغطي مكان ميناءي حيفا وأشدود حال إغلاقهما، ليتم استخدامه لنقل الإمدادات والعتاد العسكري، لكن استهداف المقاومة العراقية اليوم ضيق الخناق على العدو وسيدفع العدو لإعادة حساباته.

وتعكس هذه الهجمات الأخيرة تحولات في الاستراتيجية العسكرية للمقاومة العراقية، التي يبدو أنها باتت تمتلك أدوات وإمكانات تمكنها من الوصول إلى أهداف عسكرية ذات قيمة عالية داخل العمق الإسرائيلي، ما يضيف تحديًا جديدًا لمنظومات الدفاع الإسرائيلية.

مآلات الانكشاف الاستراتيجي الإسرائيلي

هذا الانكشاف المتتالي لمنظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية أمام ضربات المقاومة يضع كيان الاحتلال في موقف بالغ الحرج على عدة مستويات:

– ضعف الثقة الشعبية:

الفشل في حماية الجبهة الداخلية واستهداف منشآت حيوية وحساسة يعزز من شعور الجمهور الإسرائيلي بفقدان الثقة في حكومته وجيشه. هذا الوضع قد يؤدي إلى أزمة سياسية داخلية.

– تآكل الردع:

كان الردع الجوي أحد أهم عناصر قوة “إسرائيل” في مواجهة خصومها، لكن الهجمات المتتالية التي لم تستطع صدها تضعف من قدرتها على التهديد، ما يعزز جرأة فصائل المقاومة على تنفيذ المزيد من العمليات النوعية.

– انهيار الصورة الدولية لكيان الاحتلال:

النظام الدفاعي المتقدم الذي طالما قدمته “إسرائيل” للعالم كإنجاز تكنولوجي متميز تعرض لفضيحة أمام أعين العالم في أعقاب هجمات فصائل المقاومة، وهو ما قد يؤثر على علاقاتها الدولية، خصوصًا مع الدول التي تشتري منها التكنولوجيا العسكرية.

تبعات هذا الانكشاف على المعركة الراهنة

الاختراقات التي قامت بها فصائل المقاومة ليست مجرد نجاحات تكتيكية، بل تمثل تحولًا استراتيجيًا في موازين القوى، فـ”إسرائيل” تعتمد بشكل كبير على تفوقها التكنولوجي، ولكن المقاومة أظهرت أن التطور في تكنولوجيا الطائرات المسيرة والصواريخ الدقيقة والفرط صوتية أصبح متاحًا بشكل متزايد حتى للجماعات غير الدول، وهذا التطور يزيد من تعقيد الحسابات الإسرائيلية في أي مواجهة مقبلة.

كما أن هذه الهجمات تعزز فكرة أن المقاومة قادرة على التكيّف مع المتغيرات الميدانية، وتطوير أدوات قادرة على إحداث تأثير كبير في الصراع، وهو ما يعني أن المعركة الراهنة لم تعد محدودة بجغرافيا معينة أو بوسائل تقليدية، بل دخلت مرحلة جديدة من التعقيد والتنوع، وهو ما سيشكل تحديًا كبيرًا لاستراتيجية الأمن القومي للكيان المؤقت.

وفي المجمل، هذا الانكشاف الاستراتيجي الذي تعرضت له الدفاعات الجوية الإسرائيلية أمام ضربات المقاومة اللبنانية والعراقية واليمن يكشف عن فشل ذريع في قدرات الردع والتكنولوجيا العسكرية الإسرائيلية، كما أن هذا الفشل لا يقتصر على الجانب التكتيكي فقط، بل يمتد إلى أبعاد استراتيجية تعيد تشكيل قواعد اللعبة في المنطقة.

 

قد يعجبك ايضا