اليمن يكتب نهاية عصر الطائرات الأمريكية (MQ9)

زكريا الشرعبي – المساء برس|

لأن الأقمار الصناعية الاستخباراتية تظهر الأهداف وكأنها إبرة في كومة قش، كانت الطائرات الاستطلاعية التجسسية حاجة ضرورية لجمع المعلومات، ومن بين هذه الطائرات تعد طائرة MQ-9 هي الرائدة في هذا المجال كما يقدمها الأمريكيون، وهي عنصر التفوق التكنولوجي لديهم.

تقول عنها القوات الجوية الأمريكية إنها توفر قدرة فريدة على تنفيذ الضربات والتنسيق والاستطلاع ضد أهداف عالية القيمة وعابرة وحساسة للوقت، كما توفر الدعم الجوي القريب، وتمتلك قدرات مؤهلة بشكل فريد لإجراء عمليات حرب غير نظامية لدعم أهداف القائد المقاتل.

ما كٌتب وقيل عن هذه الطائرة وإمكانياتها كثير، فهي كما يصفها موقع centcomcitadelالذي يتبع القيادة المركزية الأمريكية، بمثابة الحصان الهجومي الرئيسي للقوات الجوية الأمريكية، وقد بالغ الأمريكيون في الثناء على هذه الطائرة، حتى أن موقع ميلتري تايمز وهو موقع متخصص في الشؤون الدفاعية قال إن اسم MQ-9 Reaper ــ هو الاسم الذي يثير الخوف في قلوب أعداء أميركا، إنها عيون تساعد القوات الأمريكية وشركاءها على رؤية ما هو خلف التلال أو حول الزاوية؛ حتى يتمكنوا من البقاء على اتصال؛ والقدرة على وضع الذخيرة بسرعة ودقة على الهدف.
وبالنسبة لقدراتها الدفاعية يقول الموقع: إنها تعمل فوق حدود مدى الصواريخ المحمولة أرض-جو. كما يمكن تجهيز طائرات MQ-9 بنفس أنواع الطعم والشعلات المضيئة التي تستخدمها الطائرات المقاتلة من الجيل الرابع، مما يجعل الطائرة أكثر قدرة على البقاء.
منذ العام 2007م تعاقدت القوات الجوية الأمريكية مع شركة جنرال أتوميكس لبناء أكثر من 360 طائرة ريبر منذ بدء البرنامج في عام 2007. وتبلغ تكلفة طائرة ريبر بدون طيار واحدة اليوم حوالي 30 مليون دولار، وحتى العام 2021م كانت قد تسلمت نحو 300 طائرة.
ومؤخرا انتقلت التجربة إلى القوات البحرية حيث تم تقديمها بحسب توصيف شركة جنرال أتوميكس باعتبارها ” حجر الزاوية في مفهوم الحملة الاستكشافية غير المأهولة لقوات مشاة البحرية، والتي تأخذ فرقة العمل الجوية-الأرضية البحرية التقليدية، وتتخلص من الكثير من معداتها الثقيلة السابقة، يتم إرسال MQ-9 إلى العمل كقوة احتياطية أخف ولكنها شديدة الفتك، فهي تستغل شبكات جديدة وأسلحة جديدة بنفس جرأة مشاة البحرية القديمة”.
في العام 2018م كانت القوات البحرية الأمريكية تستخدم طائرتين MQ-9A Reapers بالإيجار من شركة جنرال أتوميكس، وفي العام 2021 تم شراء الطائرتين واعتبر ذلك خطوة مهمة في تعزيز الأولويات البحرية.
وقد قدمت البحرية الأمريكية طلبات لتطوير الطائرة في العام 2022م ضمن صفقة تضمنت 8 طائرات بقيمة 274 مليون دولار، وتضمنت التعديلات دمج الطائرة بأدوات تمنحها قدرة واسعة النطاق على الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع بعيدة المدى لقوة المشاة البحرية، وقدرة طيران لأكثر من ثلاثين ساعة، وكلفت قيمة التعديلات منفردة 34 مليون دولار، فيما تم توقيع صفقة في العام المالي 2023م تضمنت شراء 5 طائرات بقيمة 190 مليون دولار، ليبلغ بذلك إجمالي طائرات إم كيو 9 التي اشترتها البحرية الأمريكية خلال الأعوام الثلاثة الماضية 15 طائرة.
سياسة الحرب القذرة

على مدى أكثر من عقدين مثل هذا النوع من السلاح أداة لسياسة الحرب القذرة الأمريكية، من قبل وحدة العمليات الخاصة ومجمع الاستخبارات والقوات الجوية بالطبع.
ولعل من المفارقة أن أولى عمليات هذه الطائرات في منطقة خارج مسرح القتال كانت في اليمن عام 2002م وكان ذلك في بداية برنامج الطائرات بدون طيار بإنتاج طائرات إم كيو 1- بريديتور، والتي تم تطويرها لاحقا إلى إم كيو 9، وقد استهدفت عملية الاغتيال حينها المدعو أبو علي الحارثي وآخرين بتهمة انتماءهم لتنظيم القاعدة، كما مثلت اليمن أحد أكبر المسارح النشطة لهذه العمليات، وبحسب تقرير يتتبع الهجمات الأمريكية تم تسجيل نحو 400 هجوم على اليمن قبل المعركة الأخيرة معظمها بطائرات بدون طيار.
ما يزال اليمنيون يتذكرون طائرات إم كيو ناين وهي تحلق في سماءهم بتواطؤ من الأنظمة الحاكمة قبل ثورة 21 سبتمبر والتي لم تخجل من المجاهرة بإباحة الأجواء اليمنية فحين سُئل علي عبدالله صالح عن اغتيال طائرة بدون طيار أمريكية للمواطن الأمريكي من أصول يمنية أنور العولقي، نظر صالح إلى الأعلى وقال: جت من الجو شو نعملها.
لم يكن اليمنيون يعرفون أن لديهم رئيسا يتحدث باللهجة الشامية حتى ذلك الحين، أما استباحة الأجواء فقد كانوا يعرفون أنه أعطى الأمريكيين توقيعا على بياض، قائلا اقصفوا وسنقول إنها قنابلنا وليست قنابلكم، أما نائبه عبدربه منصور هادي فقال أثناء زيارة إلى أمريكا بعد أن أضحى رئيسا خلفا، وفي رد على أسئلة الصحفيين حول جرائم الطائرات بدون طيار” إنها أعجوبة فنية”، ولم يكن أمام اليمنيين من وسيلة للاحتجاج حنيها سوى رسم طائرات إم كيو ناين على الجدران والكتابة بلغة منكسرة إلى جانبها” لماذا قتلتم عائلتي”.
نهاية عصر إم كيو 9 في اليمن

مع بدء العدوان على اليمن في السادس والعشرين من مارس 2015م مثلت طائرة إم كيو -9 جزءا أساسيا من حملة القصف على اليمن، وكانت تنقل صورا حية إلى غرفة العمليات التي يديرها أمريكيون في قبو قاعدة عسكرية في الرياض لتحديد ماذا وأين ستقصف الطائرات الحربية، كما مثلت العمود الفقري لما يسمى بعملية الدعم الجوي القريب والذي يتم من خلاله توجيه قنابل الطائرات الحربية المأهولة التي تمتلكها السعودية والإمارات.
في الأول من أكتوبر عام 2017م نجحت القوات المسلحة اليمنية في إسقاط أول طائرة من نوع إم كيو ناين في سماء محافظة صنعاء، وقد اعترفت الولايات المتحدة حينها بالعملية دون توضيح التفاصيل نظرا لكونها كانت تخفي استمرارها في دعم العمليات العدوانية على اليمن.
وقال الرائد إيرل براون المتحدث باسم القيادة المركزية الأميركية لموقع ميلتيري: “نعتقد أن طائرة بدون طيار من طراز إم كيو-9 أسقطت في غرب اليمن. ولا يمكن الكشف عن تفاصيل المهمة لأسباب أمنية عملياتية، ولا نريد أن نستبق أي تحقيق”.
في السابع من يونيو 2019م أعلنت القوات المسلحة اليمنية إسقاط الطائرة الثانية من طراز إم كيو -9 في محافظة الحديدة، وفي 20 أغسطس من ذات العام أسقطت القوات المسلحة اليمنية الطائرة الثالثة في محافظة ذمار.
يروي مستشار الأمن القومي الأمريكي حينها جون بولتون في مذكراته أنه عندما تلقى البلاغ بإسقاط هذه الطائرة عاد وأبلغ ترامب، فرد ترامب قائلا: أريد القصاص..أحضر لي بعض الخيارات لاحقا”.

وتوقفت الطائرات الأمريكية بدون طيار لفترة من الوقت عن التحليق في سماء كثير من المناطق اليمنية، قبل أن تعاود التحليق في سماء محافظة مأرب لدعم قوات المرتزقة ومنع القوات المسلحة اليمنية من عملية تحرير المحافظة، وهنا كان إسقاط الطائرة الرابعة وتحديدا في 23 مارس من العام 2021م.
طوت الولايات المتحدة هذا الملف واقتصر تحليق طائراتها على المناطق المحتلة، حتى نوفمبر من العام 2023م حيث كانت بداية النهاية لهذا الطائرات.
في الثامن من نوفمبر ومع بدء العمليات العسكرية اليمنية إسنادا لغزة تمكنت القوات المسلحة اليمنية من من إسقاط طائرة أمريكية MQ-9 أثناء قيامها بأعمال عدائية ورصد وتجسس في أجواء المياه الإقليمية اليمنية وضمن الدعم العسكري الأمريكي للكيان الإسرائيلي.
أظهرت هذه العملية تضاربا وارتباكا واضحا لدى قيادة البنتاغون، فبعد ساعات من نفي المسؤولين الدفاعيين الأمريكيين ما جاء في بيان القوات المسلحة اليمنية، بث الإعلام الحربي اليمني مشاهد لعملية الإسقاط، ما اضطر الولايات المتحدة للاعتراف، وفي السياق قالت نائبة متحدث البنتاغون سابرينا سينغ إن الطائرة أُسقطت في البحر الأحمر، وأن الولايات المتحدة على علم بمحاولة الحوثيين استعادة الطائرة “MQ9″، مضيفة: “لكن من غير المرجح أن يتمكنوا من استعادة أي شيء له أهمية”، غير أن هذه الطائرة كانت الأولى ضمن حزمة من الطائرات التي تحول اصطيادها إلى نوع من ممارسة المحترفين لهواية القنص، ففي فبراير أسقطت الطائرة الثانية ضمن هذه المعركة، وفي أبريل أسقطت الثالثة، وفي مايو أسقطت ثلاث طائرات لتبلغ المحصلة حينها ست طائرات، ثم في أغسطس أسقطت الطائرة السابع، وفي السابع من سبتمبر أسقطت الطائرة الثامنة.
لم تتعرض القوات الأمريكية في كل تاريخها القتالي لهذا النوع من الخسائر في غضون فترة وجيزة، بل إن جميع حوادث الإسقاط التي تم تسجيلها لطائرات MQ9 لا تتجاوز 16 حادثة من بينها 12 حادثة في اليمن، وحادثتين في ليبيا، وحادثة في العراق، وحادثة في البحر الأسود، تم اتهام روسيا بالوقوف خلفها من خلال الاصطدام بطائرة سوخوي.
إن الكُلفة التي ألحقها اليمن بهذا النظام من الطائرات لا تقتصر على القيمة المادية التي تبلغ أكثر من 30 مليون دولار لكل وحدة، وإنما في ضرب عنصر التفوق الاستخباراتي الأمريكي والطائرات المقاتلة بدون طيار، فتخرج أمريكا من المعركة بخسارة تفوقين هم جناحا هيمنتها على العالم، التفوق البحري الذي تلاشى في البحر الأحمر، والتفوق الجوي الاستخباراتي الذي تساقط في اليمن.

وثمة تكاليف أخرى باهظة الثمن بالنسبة للولايات المتحدة، أحدها سقوط التقنية الأمريكية في يد واحد من أشد الأعداء.
ثمة قصة مثيرة للاهتمام في هذا السياق: في 14 مارس 2023م كانت طائرة ريبر تنفذ مهمة استخباراتية واستطلاعية فوق البحر الأسود لدعم أوكرانيا، عندما تعرضت لحادثة وجه الأمريكيون فيها أصابع الاتهام إلى روسيا، قائلين إن طائرة مقاتلة روسية اعترضتها وأسقطتها في الماء.

أدت هذه الحادثة إلى تصعيد التوترات بين روسيا والولايات المتحدة، وزاد من ذلك مخاوف واشنطن من وصول موسكو إلى حطام الطائرة، وقد صرح حينها الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة، إن الطائرة بدون طيار تحطمت على الأرجح أثناء الحادث وكانت على عمق يتراوح بين 4000 و5000 قدم تحت سطح الماء. وأضاف أن الولايات المتحدة اتخذت تدابير مخففة لمنع فقدان أي معلومات استخباراتية حساسة، بينما أعلن منسق اتصالات الأمن القومي جون كيربي إن بلاده اتخذت التدابير اللازمة لمنع سقوط حطام دروناتها الجوية من طراز MQ-9 في أيد غريبة، أما روسيا فهرعت إلى مكان سقوط الطائرة في غضون أربعة وعشرين ساعة بحثا عن الحطام.
إن إسقاط 8 طائرات أمريكية بدون طيار في اليمن خلال فترة 10 أشهر، من شأنه أن يوفر الكثير من الحطام والكثير من المعلومات الاستخباراتية.
في يونيو الماضي كتب معهد تاسارا غراد الروسي إن العمليات اليمنية أظهرت أن الولايات المتحدة ليست غير قابلة للهزيمة، وهي تفقد أفضل أسلحتها، ويمكن الاستفادة من القوات المسلحة اليمنية في تطهير سماء البحر الأسود من الطائرات بدون طيار الأمريكية والبريطانية.وقال المعهد: لا شك أننا يجب أن نعترف بأننا بالتأكيد بحاجة إلى التعلم من مهارات أنصار اللخ في اليمن، لقد فعلوا ما كان يعتبر مستحيلاً في السابق، خاصة بالنسبة لجيش لا يملك تمويلاً خارجياً.
ثمة شيء آخر يتعين على الولايات المتحدة أن تضعه في الحسبان.. من سيشتري إم كيو ناين بعد اليوم؟..

ربما ستحتاج إلى حملات واسعة من العلاقات العامة لإخفاء آثار أفعال اليمن، وإدعاء وجود ترقيات إلى هذا النوع من أنظمة الطيران، وربما ستشترط أن تكون الصفقات الأخرى مصحوبة بصفقة إم كيو ناين، على غرار العروض التجارية للمواد التي اقتربت نهاية صلاحيتها.

قد يعجبك ايضا