الشرُّ المطلقُ ليس مطلقاً

جمال غصن – وما يسطرون|

يكثر الحديث عن اليوم التالي للحرب قبل أي بوادر لتوقّفها. حسناً، لكن معظم ما يُكتب عن اليوم التالي يفترض فوز الاحتلال وهزيمة المقاومة بشقّيها الفلسطيني واللبناني. كلّ ذلك رغم أن المعطيات تشير إلى أن المقاومة الفلسطينية حسمت الجولة الحالية من القتال، ولو بالنقاط. لكن ماذا لو فازت المقاومة بالضربة القاضية؟ ماذا عن اليوم التالي حينذاك؟الفوز بالضربة القاضية في فلسطين يعني هزيمة المشروع الاستعماري في عالمنا العربي من أساسه. فهو يعني هزيمة «إسرائيل» والولايات المتحدة على الجبهة وتحرير الأردن ومصر على التماس. تحرير وتحرّر الأخيرتين يعنيان توفير إسناد حربي غير مسبوق في تاريخ الصراع، وهو لا يقلّ أهمّية من القتال المباشر الممتدّ من غزة إلى الضفّة إلى جنوب لبنان وشمال فلسطين.

فماذا عن اليوم التالي في حجر الدومينو الأوّل في الولايات المتحدة الأميركية؟ هذا الحجر إن سقط لن يصمد الأردن يومين، ولن يبقى لابن سلمان وابن زايد وآل مكتوم أثر. الانتخابات الأميركية التي تعد بالتغيير هي على بعد تسعة أسابيع من يوم غدٍ الثلاثاء. لكن من يظنّ أن التغيير آتٍ من خلال صناديق الاقتراع أحمق. فكمالا هاريس إن فازت هي بنت البيت الأبيض، ودونالد ترامب مجرّب، ومن جرّب مجرّباً يكون عقله مخرّباً. لكنّ لا بدّ للولايات المتّحدة من أن تتحرّر من قبضة حكم الحزبَين المتسلّطَين منذ أكثر من مئة عام، وهو كذلك. وإن كان للولايات المتحدة الأميركية نفع فهو أنها كانت المثال الأكبر للاستعمار الأوروبي الذي أظهر للفلسطيني مستقبله إن خضع. أجيالٌ وأجيالٌ من المستعمرين من أصقاع الأرض كافة تستبدل سكّان الأرض الأصليين. هذا ما كان ولا يزال مرسوماً لفلسطين.

مع انطلاق العام الدراسي في جامعات أميركا لا شكّ أنّ الحراك الطالبي سوف يعود داعماً لفلسطين. هذا إثباتٌ أنّ شرَّ أميركا ليس مطلقاً، كما هي حالة الأردن ومصر اللذين يؤويان شعوباً فلسطينية الهوى ولا ترضى بسياسات حكوماتها. تشفع للولايات المتّحدة الأميركية رياضة كرة القدم الأميركية التي لا تستخدم لا كرة ولا قدماً لكن رغم ذلك هي أجمل الرياضات التنافسية الموجودة اليوم، وهو شيءٌ ليس موجوداً لا في مصر ولا في الأردن.

في اليوم التالي الأميركي، لا حكم للحزبين والحلمُ هو أن يصل اشتراكيّو فنزويلا وكوبا إلى شمال القارة ويضعوا واشنطن وبيتها الأبيض على الصراط المستقيم. فلا أمل في تحرير قارة من الاستعمار بعد أن نشأ فيها أجيالٌ من مستعمرين ومهاجرين ومستعبدين. في اليوم التالي الأردني تُباد سلالة الملك حسين في لحظات، فشعب الضفّة الشرقيّة لنهر الأردن يشبه فلسطين أكثر ممّا يشبه المهرّج الملك. في اليوم التالي المصري، نصف المئة مليون بشري يشقّون البحر ويعبرون كما عبر قوم موسى قبل قرنين ونيّف. لا شكّ في ذلك.

لليوم التالي روايتان، يروي إحداهما المنتصرُ بينما يروي الأخرى المهزوم. لن نُهزم. لن تُهزم المقاومة الفلسطينية، لذا عليها أن تروي قصّة اليوم التالي، وحدها مَن يحق لها أن تروي قصّة اليوم التالي. الفلسطينيون تعلّموا من سكّان أميركا الأصليين ولن يلقوا المصير نفسه. اليوم التالي في غزة لا يتّسع لعملاء السلطة ولا أبي مازن لا سمح الله. لا يومَ تالياً لملك الأردن وفرعون مصر. في لبنان لن يُنسى من طعن في الظهر في اليوم ما قبل اليوم التالي.

على الجميع أن يفكّر في اليوم التالي، وأنّ اليوم التالي قد لا يكون على مقاسه. المنتصرون سوف يحكمون والنصر واضحٌ، لكن لا بدّ من مراعاة من هم في جبهة المهزومين. لدينا تجربة عام ألفين عندما انسحب الجيش الإسرائيلي وعملاؤه من جنوب لبنان ولم تكن هنالك ضربة كفّ. أكانت تلك التجربة الأمثل أم لا بدّ من سحسوح لمن تعامل مع العدوّ؟ للأسف، القرار ليس بيدي التي تهوى السحسوح، القرار عند من يملك مصير اليوم والغدِ.

* الأخبار اللبنانية.

قد يعجبك ايضا