أن يظل 450 مليون إنسان عربي يقفون موقف المتفرج من حرب الإبادة ضد أهل غزة، فهذا لعمرك أمرٌ مشينٌ، ومهينٌ، ومذلٌ للملايين العربية، فكيف يقبل هذا العدد من البشر على كرامتهم، وعلى عقيدتهم، وعلى لغتهم وتاريخهم، وعلى إنسانيتهم؟ كيف تقبل كل هذه الملايين أن تنام الليل على الأسرة، وفي الغرف الناعمة، وفي أحضان أطفالهم، بينما يتشرد ملايين العرب الفلسطينيين في الشوارع وتحت أسقف الخيام، وفي مراكز الإيواء، وفوق الركام في الممرات والطرقات المدمرة؟
والله لو كان العرب قطيع ذئاب، لهبت غريزة البقاء لديها، وتكاثفت للدفاع عن الذئب الجريح، وأقسم الله لو كان العرب قطيعاً من الثيران البرية، لتحركت بقرونها، وأنشبتها، وطاردت الوحش المفترس، وحالت بينه وبين مواصلة مضغ لحم الشعب الفلسطيني، دون اكتراث لكل هذه الملايين، التي أراد لها الأعداء أن تواصل تنكيس الرأس، وتواصل رعي الأعشاب، دون مبالاة بالمذابح التي لم تبق من الإنسانية شيئاً.
هذه معادلة ظالمة لا يصدقها العقل؟ ولا يقتنع فيها عربي آمن بالله رباً، واقتنع بمحمد رسولاً، وصدّق أن المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين، معادلة لا يرتضيها إنسان امتلك بعض ضمير، وبعض حس إنساني، وبعض انتماء لتاريخ هذه الأمة، التي تمردت يوماً على أبي لهبٍ، ولم تصدق أبا سفيان، ورفضت نهج أبي جهل، واحتقرت ابن سلول، وكل من قادها إلى الكفر بالأخلاق العربية والقيم الإنسانية.
وكيف نصدق نحن العرب أهل قطاع غزة أن الجماهير العربية تتنظر بلهفة وشوق افتتاح الجامعات في دول أوروبا وفي أمريكا؟ وذلك كي يقوم طلاب الجامعات الأمريكية والأوربية بمظاهرات جماهيرية نصرة لغزة، ورفضاً للمجازر الإسرائيلية، وكفى الله الجماهير العربية شر المظاهرات، وجزاهم الله خيراً عن غزة بحسن المشاهدات.
وكيف نصدق نحن العرب أهل غزة أن 450 مليون عربي لا يجرؤون على الخروج إلى الشوارع يهتفون ضد حرب الإبادة التي يمارسها الصهيوني ضد سكان غزة؟ كيف نصدق أن بطش الأنظمة العربية قد وصل إلى حد تكميم أفواه الشعوب العربية، والحيلولة بينها وبين الصراخ، مجرد الصراخ رفضاً للمجازر في غزة؟
يا أيها العرب، من لا يجرؤ على الصراخ من الألم، يتبلد الحس لديه، وتموت النخوة، وتنطفئ لديه غريزة البقاء، فهو المتقزز من نفسه، بعد أن صار كومة من أثاث المنازل المحطمة، كومة من الخشب الجاف، ينتظر عود الثقاب ليحترق، ويحرق كل من وقف راعياً وحارساً لمصالح أمريكا وإسرائيل في المنطقة؟
الحرب على أرض غزة تديرها أمريكا، وترعاها أوروبا، وتنفذها الأذرع العسكرية الإسرائيلية، إنها حربٌ طويلةٌ وممتدةٌ وشاملةٌ، الهدف منها ليس احتلال غزة، ولا تدمير غزة، ولا تخويف أهل غزة، الحرب على غزة رسالة قوة وجبروت وتسلط ترسلها أمريكا وأوروبا إلى كل الشعوب العربية في المنطقة، بأن مصيركم مصير غزة، ومستقبلكم مستقبل غزة، وعذابك عذاب أهل غزة؛ إذا حاولتم التمرد بحثاً عن إنسانيتكم، أو إذا حاولتم كسر طوق الخنوع بحثاً عن مصالحكم ومستقبل أولادكم، أو إذا تجرأتم على معاداة أمريكا وإسرائيل بحثاً عن الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، فكونوا أيها العرب أذلاء جبناء خانعين خاضعين للإرادة الإسرائيلية، وللجبروت الأمريكي، كونوا طائعين، كونوا أيها العرب حيوانات أليفة، كي نربت على ظهوركم، ونضمن لكم رغيف خبز يخلو من السوس، ونلقي عليكم بعض تكنولوجيا المعلبات، ونكافئكم ببعض التحسينات الحياتية؛ التي سنقدمها لكم ولأهل غزة.
وأهل غزة لا يطالبون مئات ملايين العرب بالتحرك لوقف العدوان ضد المقاومة، كلا، أهل غزة يطالبون ملايين العرب بالتحرك لوقف حرب الإبادة ضد المدنيين سكان غزة، فقط، ارفعوا الصوت مطالبين بوقف حرب الإبادة ضد المدنيين سكان غزة.