التخاذل العربي يفتح شهية الأمريكان لتوسيع الكيان
رضوان العمري – وما يسطرون – المساء برس|
بعد إصابة أذن ترامب في 13 يوليو الماضي بحادثة إطلاق نار كانت الأنظمة العربية هي السباقة في إصدار بيانات الإدانة والاستنكار وإجراء الاتصالات للاطمئنان على صحته، وقبل أيام أطلق بايدن تصريحات تستهدف الأمني القومي العربي بشكل واضح، حيث قال في خطاب جماهيري بأن:” مساحة ”إسرائيل” تبدو صغيرة على الخارطة ولطالما فكرت كيف يمكن توسيعها”، بمعنى أنه سيدعم الكيان الصهيوني لقضم وابتلاع ما تبقى من الأراضي الفلسطينية بالإضافة لبعض من أراضي الدول العربية المجاورة، ومع ذلك فإن الأنظمة التي أدانت استهداف أذنه بالأمس صمتت عن استهداف أمنها القومي اليوم.
صحيح أن الخذلان العربي لفلسطين ليس وليد اللحظة وإنما يمتد إلى ماقبل النكبة في عام 1947، لكن الخذلان والتواطؤ الذي أبدته بعض الأنظمة العربية مع الكيان والأمريكان منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة، وصمتها عن استشهاد أكثر من 40 ألف فلسطيني وجرح أكثر من 90 ألف آخرين، فاق كل خذلان الأنظمة العربية السابقة.
وبكل تأكيد فإن الخذلان والتواطؤ العربي لن يشفع للأنظمة المتواطئة أن تكون بمعزل عن العربدة الأمريكية والصهيونية، ولن تأتي الولايات المتحدة بتمثال الحرية كهدية لهذه الأنظمة جزاء وقوفها في صفها وضد الشعب الفلسطيني، بل على العكس فإن واشنطن ستضغط عليها لتحقيق مزيد من الانبطاح حتى تتأكد بأن هذه الأنظمة أصبحت مخالب تتحكم بها لتهاجم بها أعدائها في المنطقة، وأن تكون بمثابة شرطي أمين يحمي مصالحها ويحمي الكيان الصهيوني.
*القدس … ترمومتر لقياس حرارة ردود الفعل العربية والإسلامية
لقد كانت خطوة ترامب التي اعترف فيها بالقدس كعاصمة ل”إسرائيل” في 6 ديسمبر عام 2017 ونقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس، بمثابة ترمومتر لقياس حرارة المواقف والردود العربية والإسلامية تجاه القضية الفلسطينية بشكل خاص وتجاه قضايا الأمة بشكل عام، وبرغم القدسية التي يوليها العرب والمسلمين للقدس والأقصى إلا أن ردود الفعل إزاء هذه الخطوة لم تتجاوز حدود بيانات الإدانات والاستنكار المستهلكة.
وعلى عكس التوقعات التي أشارت بأن خطوة ترامب ستدفع الدول العربية والإسلامية لاستعداء الكيان والأمريكان، فقد سارعت الإمارات والبحرين والمغرب والسودان إلى إعلان التطبيع مع “إسرائيل” عام 2020، كجائزة من الأنظمة العربية لترامب على اعترافه بالقدس كعاصة ل”إسرائيل” ومكافأة للكيان الصهيوني على استمراره باحتلال الأراضي الفلسطينية، ولم يقف الأمر هنا، بل إن السعودية أعلنت عن قرب التوصل لإعلان التطببع مع الكيان الصهيوني.
إن هرولة بعض الأنظمة العربية للتطبيع مع الكيان لم يأتي تلبيةً لمطالب الشعوب العربية، وإنما جاء تلبيةً لتوجه أمريكي _ وهذا التوجه ليس خاصاً بترامب بل هو توجه استراتيجي للولايات المتحدة لا يتغير بتغير الأشخاص _ يهدف إلى تشكيل ناتو جديد في المنطقة برئاسة الكيان المؤقت لمواجهة محور المقاومة ولكسر العزلة التي يعاني منها الكيان بدمجه مع محيطه العربي وفرض الثقافة “الإسرائيلية” والأمريكية في المجتمعات العربية وفقاً لما تنص عليه اتفاقية “ابراهام” .
*التواطؤ والخذلان بعد الطوفان
بعد عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023 كان الكثير يعتقد بأن الطوفان سيدمر مسار التطبيع بين الكيان والأنظمة العربية خصوصاً وأن الطوفان أعاد القضية الفلسطينية إلى الواجهة، بالإضافة إلى أن المجازر التي يرتكبها الاحتلال بحق أبناء غزة ستجعل الأنظمة تعيد التفكير بعلاقتها مع الكيان، لكن الواقع جاء مخيباً للشعوب العربية وللشعب الفلسطيني على وجه التحديد، فالأنظمة المطبعة انتقلت من حالة التخاذل إلى مرحلة التعاون مع الكيان ضد المقاومة الفلسطينية.
بحسب تصريحات لمسؤولين أمريكيين وإسرائيليين فإن بعض الأنظمة العربية طلبت من الكيان والأمريكان سرعة القضاء على حماس والمقاومة الفلسطينية، وهذه التصريحات ليست بعيدة عن الواقع، بل إنها منطقية ومتوقعة لأن الأنظمة العربية المطبعة تصنف المقاومة الفلسطينية جماعات “إرهابية” ولازالت السعودية تعتقل قيادات من حركة حماس إلى اليوم.
كما أن مطالب الأنظمة المطبعة بالقضاء على المقاومة تهدف إلى إيقاف سخط الشعوب العربية ضدها نتيجة خذلانها لغزة، بالإضافة إلى أن هذه الأنظمة باتت ترى أن انتصار المقاومة الفلسطينية سيمثل انتصار لإيران ومحور المقاومة ككل، لذا فهي انتقلت من حالة الخذلان إلى حالة التعاون والدعم للكيان الصهيوني، من خلال فتح جسور إمداد برية عبر الأراضي الإماراتية والسعودية والأردنية لكسر الحصار الذي يفرضه اليمن على الكيان في البحر الأحمر ورفع مستوى تبادلها التجاري مع الكيان خلال الأشهر الماضية بحسب بيانات اقتصادية رسمية، بالإضافة إلى التعاون العسكري من خلال تفعيل منظوماتها الدفاعية لإسقاط الصواريخ والمسيرات المتجهة إلى الكيان، وكذا التعاون الإعلامي من خلال الترويج للرواية الإسرائيلية في وسائلها الإعلامية ومهاجمة المقاومة الفلسطينية وكل من يساندها.
*خطر التواطؤ على الأمن القومي العربي
إن حالة التخاذل العربي الرسمي تجاه غزة ليس ناتجاً عن نقص في عدة وعتاد الجيوش أو قلة في الإمكانيات، بل هو تواطؤ متعمد لقتل روح المقاومة في الشعوب ومحاولة لتصفية القضية الفلسطينية باعتبارها عقبة أمام صفقة القرن ولإعادة هندسة المنطقة وفق رؤية أمريكية جديدة.
ولأن الأنظمة المطبعة لم تعد ترى بأن استهداف فلسطين أرضاً وإنساناً استهداف للأمن القومي العربي ككل، فإنها ستدفع أثمان باهظة نتيجة تخليها عن هذا المبدأ، لأن الكيان والأمريكان يؤمنون بضرورة توسعة الكيان ليشمل ضم الأردن ولبنان وأجزاء من سوريا والعراق وسيناء المصرية والجزء الشمالي من السعودية، وهذا المخطط بات المستوطنين يتداولونه في مواقع التواصل بعد أن رأوا حالة الخذلان والتواطؤ العربي الرسمي.
وكإثبات عملي وواقعي فقد عمد الكيان إلى احتلال محور فيلادلفيا ومعبر رفح الواقع بين مصر وغزة، وهذا يعتبر نقض لاتفاقية كامب ديفيد التي تنص على حظر أي نشاط عسكري في هذه المنطقة من الطرفين، ولم يتوقف الأمر هنا إذ أن تقارير لوسائل إعلامية أمريكية تقول بأن الكيان يضغط بدعم أمريكي من أجل بناء أبراج حراسة عسكرية في هذه المنطقة، وهنا يتأكد للجميع بأن هذه الصهيونية لم تكن لتحدث لولا التخاذل والتواطؤ العربي.