التصعيد في التصريحات الإسرائيلية تجاه مصر – محاولة لخلق بيئة مواجهة إقليمية؟ (تقرير)
خاص – المساء برس| تقرير: يحيى محمد الشرفي|
دعا معلقون عبريون، عبر قناة 14، إسرائيل للاستعداد لحرب إقليمية تشمل مصر، محذرين من ورطة كبيرة إذا قررت القاهرة الدخول في صراع مسلح مع تل أبيب.
وطالب المعلقون إسرائيل بالتوقف عن بيع الغاز لمصر بدعوى “إنهم (أي المصريين) ليسوا شركاء في اتفاق السلام على الإطلاق!”، معتبرين “مصر شريكة لحماس.. هناك الآن آلاف اللاجئين الغزاوين في سيناء. وعشرات الآلاف من الصواريخ تنتظر دخول قطاع غزة وتغيير التوازن برمته”.
التصريحات الأخيرة الصادرة عن معلقين عبر قناة 14 العبرية بشأن مصر تأتي في سياق متوتر ومعقد، حيث دعت إلى استعداد إسرائيل لحرب إقليمية قد تشمل القاهرة.
هذه التصريحات، التي تتضمن تحذيرات من “ورطة كبيرة” إذا قررت مصر الدخول في صراع مسلح مع إسرائيل، تثير تساؤلات حول نوايا إسرائيل الحقيقية وما إذا كانت تسعى بالفعل إلى تأجيج الصراع مع مصر، أو أن هذه التصريحات تأتي في إطار الضغوط السياسية والتهديدات النفسية التي اعتادت تل أبيب على استخدامها لخلق واقع جديد في المنطقة.
العلاقات المصرية-الإسرائيلية ومواقف القاهرة
من المعروف أن العلاقات بين مصر وإسرائيل شهدت توترات متكررة هذه التوترات ورغم العدوان الغاشم على غزة منذ ٧ أكتوبر العام الماضي إلا أنها لم ترقَ إلى مستوى الحدث وحرب الإبادة التي تمارسها الدولة العبرية المؤقتة بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة أمام صمت ومرأى ومسمع مصري متصهين بل وتعاون في بعض الأحيان مع الكيان لحمايته وإنقاذه من الهجمات التي يتلقاها من خارج حدوده أو من الحصار البحري المفروض عليه يمنياً.
وخلال الفترة الماضية لعبت القاهرة دور الوسيط بين الكيان الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية بقيادة حماس، خاصة فيما يتعلق بالتهدئة في قطاع غزة، وهذا ما جعلها لاعباً محورياً في أي اتفاقات سياسية أو أمنية تخص القطاع.
ومع ذلك، فإن التصريحات الإسرائيلية الأخيرة تشير إلى رغبة متزايدة في الضغط على القاهرة واستغلال التوترات المستمرة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية.
اما التصريحات العبرية التي تزعم أن “مصر شريكة لحماس” و”أن هناك آلاف اللاجئين الغزاوين في سيناء” فتعد محاولة لتحويل مصر إلى خصم مباشر في الصراع مع حماس، وهو ما يشكل تصعيدًا خطيرًا في الخطاب السياسي الإسرائيلي، هذه المزاعم تستند إلى ادعاءات غير مثبتة حول وجود تعاون بين مصر وحماس وهو توصيف يشرّف مصر إن كان حقيقياً، ولكن للأسف الحقيقة هي العكس تماماً فالشراكة هي بين مصر وكيان الاحتلال الإسرائيلي، ومع ذلك فإن المزاعم الإسرائيلية وإن كانت للأسف غير حقيقية فهي تهدف على الأرجح إلى إظهار القاهرة كجزء من المحور المعادي لإسرائيل، بما يعزز من التبريرات المحتملة لأي تصعيد مستقبلي مع مصر.
دوافع إسرائيلية وراء التصعيد
المغزى الإسرائيلي من بث هذا الخطاب حالياً يهدف لتحقيق ما يلي:
تعزيز الموقف الداخلي:
حيث يرى محللون أن هذه التصريحات قد تكون موجهة إلى الرأي العام الإسرائيلي لتشتيت الانتباه عن المشاكل الداخلية التي تواجه الحكومة الإسرائيلية، سواء في ما يتعلق بالصراع مع غزة أو التحديات السياسية الداخلية، فمن خلال تصعيد الخطاب تجاه مصر، يمكن للحكومة الإسرائيلية تعزيز موقفها الصارم تجاه الدول العربية المجاورة وإظهار القوة أمام جمهورها.
الضغط على مصر سياسياً:
وفيما يخص التصريحات حول ضرورة وقف تصدير الغاز إلى مصر فهي ليست مجرد اقتراحات اقتصادية، بل هي جزء من محاولة لإضعاف مصر اقتصادياً وسياسياً، رغم أن هذه الخطوة كان يفترض أن تقوم بها مصر كمبادرة منها لدعم ومساندة قطاع غزة في مواجهة كيان الاحتلال لا أن تنتظر مصر تهديدها من إسرائيل بإيقاف تصدير الغاز إلى المصريين، فإسرائيل تدرك جيدًا أن مصر تعتمد على هذه الشراكة الاقتصادية في بعض المجالات وفي الحقيقة ذلك ما يجعل مصر رهينة التحكم والسيطرة الغربية الحليفة للكيان المحتل، ولذلك فإن التهديد بوقف هذه الشراكة يشكل ضغطًا سياسيًا قد يؤدي إلى تغيير مواقف القاهرة في القضايا الإقليمية، على الرغم من أن الموقف المصري متماهي إلى أبعد حد مع كيان الاحتلال الإسرائيلي منذ بدء العدوان على قطاع غزة.
التأثير على دور مصر كوسيط:
مصر رفضت أي تواجد إسرائيلي في محور فيلادلفيا أو السيطرة على معبر رفح، وهو ما يعكس التزام القاهرة بدورها كوسيط يضع نفسه موضع المستقل بين الكيان الإسرائيلي والفلسطينيين رغم أن هذا الدور سلبي إذ يفترض بمصر أن تأخذ دور الطرف المواجه للكيان دعما للفلسطينيين في قطاع غزة. أما إسرائيل، فمن خلال هذه التصريحات، قد تسعى إلى إضعاف هذا الدور المصري (الوسيط) وفرض نفسها (أي إسرائيل) كجهة رئيسية تتحكم في الملف الفلسطيني عبر وسائل الضغط المختلفة، بما في ذلك التهديد بتوسيع نطاق الصراع ليشمل مصر.
استغلال قضية اللاجئين:
أما التلميحات الإسرائيلية إلى “آلاف اللاجئين الغزاوين في سيناء” فتشير إلى رغبة في تحويل قضية اللاجئين إلى عامل أمني تهديدي لمصر، وهذا الأسلوب يعكس محاولة إسرائيل لزيادة التوترات بين مصر والفصائل الفلسطينية، وتحميل القاهرة مسؤولية ما يجري في غزة، وهو ما يعزز من الحصار الإسرائيلي على القطاع ويضع مصر في موقف الدفاع أمام المجتمع الدولي.
رفض مصر للتواجد الإسرائيلي: تعزيز السيادة وتحدي للهيمنة
من ناحية أخرى، رفض مصر الصريح لأي وجود إسرائيلي في محور فيلادلفيا أو معبر رفح يعكس التزام القاهرة بالحفاظ على سيادتها ورفضها لأي محاولات إسرائيلية للتدخل في شؤونها الداخلية، وعلى الأرجح فإن الموقف المصري الحازم يمثل تحديًا للهيمنة الإسرائيلية، خاصة أن القاهرة تسعى لنقل السيطرة على المعبر إلى عناصر السلطة الفلسطينية العميلة للكيان الصهيوني (سلطة محمود عباس)، في خطوة تهدف إلى تعزيز دور السلطة الفلسطينية وتقليل النفوذ الإسرائيلي في المناطق الحدودية.
هذا الرفض المصري يشير إلى تصاعد حدة التوتر بين البلدين في هذا الملف، خاصة مع إصرار القاهرة على إبقاء معبر رفح تحت سيطرتها، فمصر تدرك جيدًا أن السماح بأي وجود إسرائيلي في هذه المناطق قد يؤدي إلى تعزيز موقف تل أبيب على حساب الفلسطينيين، وهو ما يتعارض مع المصالح المصرية في المنطقة.
هل تتجه المنطقة إلى حرب إقليمية؟
وفي ظل التصعيد الإعلامي والسياسي، تبقى احتمالية تحول هذه التصريحات إلى خطوات فعلية محدودة، إلا أن التوترات بين مصر وإسرائيل قد تشهد تصاعدًا في المستقبل القريب، خاصة إذا استمرت تل أبيب في فرض ضغوطها على القاهرة. مصر، التي تتمتع بموقع جيوسياسي مهم ولها دور حيوي في المنطقة، لن تتخلى بسهولة عن دورها كوسيط ولن تسمح لإسرائيل بفرض أجندتها دون مواجهة.