بعد أسابيع على إعلان واشنطن الاستباقي بعودة النشاط الإرهابي جنوب اليمن.. القاعدة تنفذ عملية ضد الانتقالي وتقتل ١٩ وتصيب ٥٠ من قواته
أبين – المساء برس|تقرير: يحيى محمد الشرفي|
في تصعيد جديد للنشاط الإرهابي في جنوب اليمن، أعلن تنظيم القاعدة مسؤوليته عن هجوم انتحاري استهدف معسكراً للقوات التابعة للإمارات في المجلس الانتقالي الجنوبي بمديرية مودية في محافظة أبين، ما أسفر عن سقوط أكثر من 19 قتيلاً و50 مصاباً.
ووفقاً لمصادر محلية، وقع الهجوم باستخدام سيارة مفخخة صباح اليوم الجمعة، متسبباً في دمار واسع وسقوط عدد كبير من الضحايا، بينهم مصابون في حالة حرجة.
الهجوم يأتي في ظل تصاعد الصراع بين قطبي التحالف السعودي الإماراتي في الجنوب، حيث يشهد الوضع الأمني هناك انفلاتاً خطيراً تحت سيطرة قوات التحالف وفصائله المسلحة. هذا الانفلات يفتح الباب أمام عودة قطبي التحالف السعودي لاستخدام التنظيمات الإرهابية في عمليات اغتيال وتفجيرات ضد الطرف الآخر، غير أن العودة الأخيرة لنشاط القاعدة في جنوب اليمن مرتبط بدرجة رئيسية بالولايات المتحدة الأمريكية.
حيث تأتي هذه التطورات بعد أسابيع فقط من إعلان الولايات المتحدة الأمريكية توقعها عودة نشاط التنظيمات الإرهابية بوتيرة عالية في جنوب اليمن، مما يثير تساؤلات حول دور واشنطن في تغذية هذه الفوضى الأمنية.
تشير التحليلات إلى أن الولايات المتحدة تستخدم هذه التنظيمات كورقة ضغط لتبرير تحركاتها الأمنية والعسكرية والاستخبارية في الجنوب، في وقت يتزامن مع توتر متزايد بينها وبين صنعاء، بسبب الموقف العسكري لصنعاء الداعم للمقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي، والذي يواصل عدوانه على قطاع غزة للشهر الحادي عشر على التوالي، حيث تشير التوقعات إلى أن التحركات الأمريكية بما في ذلك إعادة تنشيط تنظيم القاعدة يهدف إلى خلط الأوراق في اليمن بهدف إعاقة أي توافقات سياسية تقود إلى إنهاء الحرب في اليمن والتوصل لاتفاف مع السعودية ينهي هذه الحرب والحصار ضد اليمن المستمرين منذ مارس ٢٠١٥.
وهناك العديد من التقارير والتحليلات التي تشير إلى علاقة معقدة بين الولايات المتحدة وتنظيم القاعدة في اليمن، ما يثير تساؤلات حول الدعم غير المباشر الذي قد تتلقاه الجماعة الإرهابية.
وهذه العلاقات غالبًا ما تتم في إطار سياسة النفوذ الأمريكي في المنطقة والتدخلات العسكرية التي تتبعها واشنطن.
وكانت قوات صنعاء، قد اكتشفت مخازن أسلحة أمريكية في المناطق التي كانت تحت سيطرة تنظيم القاعدة في محافظة البيضاء، ويُعتبر هذا الاكتشاف جزءًا من الصورة الأوسع للعلاقة المثيرة للجدل بين الولايات المتحدة والتنظيمات الإرهابية في اليمن.
فالأسلحة التي تم العثور عليها تحمل شعار الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، ما يثير تساؤلات حول كيفية وصول هذه الأسلحة إلى أيدي تنظيم القاعدة.
ويكشف هذا التطور جزءًا من استراتيجية أمريكية غير معلنة لاستخدام التنظيمات الإرهابية لتحقيق أهدافها السياسية والعسكرية في اليمن، وذلك بتوفير دعم غير مباشر لتلك التنظيمات من خلال حلفائها في المنطقة.
بعض المحللين يرون أن واشنطن قد تغض النظر عن نشاط التنظيمات الإرهابية في بعض الأحيان، إذا كان ذلك يخدم مصالحها الجيوسياسية، وفي هذا السياق، يمكن أن يكون نقل الأسلحة الأمريكية إلى تنظيم القاعدة جزءًا من لعبة نفوذ أكبر، حيث تُستخدم هذه الجماعات كورقة ضغط ضد الخصوم الإقليميين مثل الجيش اليمني وأنصار الله.
وتظل العلاقة بين الولايات المتحدة وتنظيم القاعدة في اليمن موضوعًا حساسًا ومعقدًا، حيث يثير اكتشاف الأسلحة الأمريكية في مناطق التنظيم تساؤلات حول مدى تورط واشنطن في دعم أو تسهيل نشاط التنظيمات الإرهابية لتحقيق أهداف سياسية في المنطقة.
اعترافات أمريكية رسمية
تصريحات هيلاري كلينتون، التي أُدلي بها خلال فترة توليها منصب وزيرة الخارجية الأمريكية، أثارت الكثير من الجدل بشأن دور الولايات المتحدة في دعم وتشكيل بعض الجماعات الإرهابية في الشرق الأوسط مثل القاعدة وداعش. في عدة مقابلات وتصريحات علنية، أقرت كلينتون بأن الولايات المتحدة قد ساهمت في نشوء بعض هذه الجماعات، في سياق الحرب الباردة، وخصوصًا في أفغانستان.
واحدة من أبرز التصريحات جاءت خلال حديثها عن دعم الولايات المتحدة للمجاهدين الأفغان في الثمانينيات خلال الغزو السوفيتي لأفغانستان. في ذلك الوقت، قدمت واشنطن دعماً مادياً وعسكرياً لمجموعة واسعة من الجماعات الإسلامية المسلحة، بما في ذلك الشخصيات التي أصبحت لاحقاً جزءاً من تنظيم القاعدة. كان الهدف الأساسي للولايات المتحدة آنذاك هو إضعاف الاتحاد السوفيتي، دون اعتبار للنتائج الطويلة الأجل لهذا الدعم.
هيلاري كلينتون تحدثت في إحدى المرات عن أن الولايات المتحدة “زرعت بذور” ما أصبح لاحقاً القاعدة وداعش، مؤكدة أن هذا الدعم العسكري والاستخباراتي للجماعات المسلحة في مناطق مثل أفغانستان كان يهدف لتحقيق مصالح استراتيجية ضد الخصوم الجيوسياسيين مثل الاتحاد السوفيتي، لكنه في النهاية أنتج نتائج عكسية مع صعود الجماعات الإرهابية التي باتت تهدد الاستقرار في مناطق عديدة من الشرق الأوسط.
هذا الاعتراف يعكس استراتيجية أمريكية طويلة الأمد تستند إلى توظيف الحركات والجماعات المسلحة لتحقيق أهداف جيوسياسية مؤقتة، دون دراسة كافية للعواقب المستقبلية. وبالفعل، بعد نهاية الحرب الباردة، تحولت هذه الجماعات، التي كانت مدعومة بشكل غير مباشر من قبل واشنطن، إلى قوى تهدد مصالح الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة.
تصريحات كلينتون تُستخدم بشكل متكرر من قبل النقاد لتسليط الضوء على سياسات الولايات المتحدة التي تعتمد على استخدام الجماعات الإرهابية لتحقيق أهداف جيوسياسية في المنطقة، وهو أمر أثار استياء شعوب المنطقة وزاد من مشاعر العداء تجاه واشنطن.