إسرائيل إذ تستنجد بالأساطيل
يحيى الطقش – وما يسطرون|
كثر الحديث أخيراً عن أن بنيامين نتنياهو لا يملك أفقاً واستراتيجية للحرب، إلا أنه، على العكس من ذلك، لديه استراتيجية ورؤية واضحة؛ هدفه الحقيقي، منذ اليوم الأول، هو إخراج أهل غزة منها عبر إعدام مقوّمات الحياة وإخضاع «حماس». تركّز اهتمام نتنياهو على الحلول العسكرية، ما دفعه لتجاهل المسارات السياسية والدبلوماسية؛ لأنه يشعر حتى الآن بأنه متفوّق عسكرياً وقادر على تحقيق أهدافه باستخدام قوته وأنه في غنى عن تقديم أي تنازلات.
وحين تشعر إسرائيل بفقدانها لهذا التفوق، حينها فقط، ستلجأ إلى الحل السياسي والدبلوماسي لتنهي الصراع.عادة، دور الضربات الاستباقية في الحروب هو سلب الدور الآخر وإعطاب قدرته وإبطال هجومه ودفعه نحو تغيير قراره، أمّا في حالة حزب الله فالضربة الاستباقية لن تلغي ردّه على الاغتيال ولا تعطّله، إنما تعجّل في مسار الأحداث. لذا، الضربة الاستباقية التي لوّحت بها إسرائيل لن تحقق الهدف، بل على العكس، سيصبح حزب الله أقوى ومتشدّداً أكثر في ردّه.
بعد عملية «طوفان الأقصى»، اكتشفت إسرائيل أنها غير قادرة على الدفاع عن نفسها حتى من خارج الأسوار. ففي بداية عام 2023، استبق رئيس شعبة التخطيط اللواء يعقوب بنغو حدث «الطوفان» عندما كتب دراسة في مجلة الجيش مفادها «انتهى العصر الذهبي لإسرائيل» وأضاف: «على إسرائيل أن تضع خطة لتلاقي فيها تطور محور المقاومة بعد عشر سنين». ولكن للسخرية، عندما اكتشف القائمون على الأعمال في الكيان الأمر لم يفعلوا شيئاً ومن ثم حدث «طوفان الأقصى» وتبعثر الكيان.
يوجد العديد من الخبراء العسكريين الإسرائيليين الذين تحدّثوا عن الضربة الاستباقية في الجبهة الشمالية، لعل أبرزهم أوري بار يوسف، الذي شرح سياق ما بعد اكتشاف مخطط «طوفان الأقصى» وأكّد على نية إسرائيل توجيه ضربة استباقية مفاجئة إلى حزب الله في لبنان. ذكر يوسف في دراسته عبارة: «من هو هذا الأحمق الذي طرح هذا الخيار؟»، ولعل تصريحات وزير الأمن يوآف غالانت المتأخرة تؤكد كلام يوسف: «لا أفهم التواصل والحديث ولكنّي أفهم الأمن، اليوم نحن في وضع مختلف تماماً عمّا كنّا عليه، في أكتوبر أيّدت مهاجمة لبنان وعارض المستوى السياسي ذلك، والآن أنا أعارض مهاجمة لبنان وأفضّل التوصّل إلى تسوية».
لعل إحدى أهم نتائج الحرب أن إسرائيل أعجز من أن تخوض حربين على جبهتين وبشكل كامل
بحسب تقديرات إسرائيلية، يملك حزب الله 30 ألف صاروخ أرض-أرض متّجهة نحو غوش دان، سعة كل رأس انفجاري 500 كلغ أي في مجموع 15 ألف طن متفجرات ما يعادل قنبلة هيروشيما، ولعل هذا ما يمنع الكيان من تدمير الضاحية.
من البديهي، أن ردّ المحور سينقل كرة القرار إلى واشنطن وتل أبيب، وسيوصل الردّ رسالة مدوّية بأن حزب الله والمحور لن يسمحا لإسرائيل بفرض معادلات جديدة. بل سيدفع صانع القرار الإسرائيلي ثمناً ليدرك أن على إسرائيل احتواء ردّ المقاومة لأنها ستعرف تماماً حجم الردود التي ستتبعه. إسرائيل درست كل الاحتمالات والسيناريوات بناءً على معطيات أو تقديرات بأن حزب الله سيردّ ردّاً جدّياً، وإلا لماذا الحديث عن أسلحة لم تُستخدم حتى الآن؟
يعرف صانع القرار الإسرائيلي جيّداً أن حزب الله يمكنه مفاجأة الكيان بما لا يتوقّعه، لذلك لجأت كل الأجهزة الأمنية إلى توقّع كل الخيارات، وحيث قدرة حزب الله تكمن في حسم الردّ وشجاعة القرار وحافزية الظرف. وقد أثبت هدهد حزب الله لإسرائيل قدرته على إصابة الأهداف نقطوياً.
ولعل إحدى أهم نتائج الحرب أن إسرائيل أعجز من أن تخوض حربين على جبهتين وبشكل كامل. أمّا استحضار أميركا والأساطيل، فدليل على أنها فقدت القدرة تماماً. استطاع المحور أن يحوّل الجبهة الداخلية الإسرائيلية إلى ساحة حرب حقيقية، وأي حرب ستشنّها إسرائيل لن تكون على الحدود بل ستكون في العمق الاستراتيجي، أي في نواة الكيان.
على الرغم من انتشار أخبار التقديرات اليومية حول موعد الرد والحشود العسكرية في المنطقة، إلا أن ترجيحات الحرب الشاملة مستبعدة جداً، وحتى نموذج عدوان تموز 2006 مستبعد أيضاً، ذلك أن الإسرائيلي يعرف جيّداً قدرات حزب الله. ولعل أبرز سيناريو هو ردود متقابلة، وأسوؤها ضربات موضعية نقطوية.
إسرائيل تخرج لتقول إنها لا تريد حرباً ولكن تريد أن تفعل ما تشاء من دون أن يردّ الآخرون ويؤدّي ذلك إلى حرب، تقنع الجميع بعدم نيّتها الحرب ولكن في الوقت عينه تقصف الضاحية وطهران والحديدة؛ لذا مَن يشنّ حرباً بسياسة التنقيط سيلقى جواباً أيضاً بالتنقيط. المقاومة تدرك أنّ عدم الردّ وعدم ردع العدو سيجعلانها تدفع ثمناً باهظاً لدرجة أنّ عدم الردّ هو أخطر من أي حرب.