عن اعترافات جواسيس السفارة الأميركية في اليمن وحماية المجتمع من الاختراق
عبدالحميد شروان – وما يسطرون|
من خلال متابعة الأجزاء التي عرضتها الأجهزة الأمنية اليمنية لاعترافات جواسيس السفارة الأمريكية في اليمن، يظهر أسلوب وعمل الأمريكان الاستخباراتي التخريبي والتدميري للبلد على نحو استراتيجي متوسط وبعيد المدى، وليس فقط تكتيكيًا فوريًا وحسب.
ولا تقتصر نتائجه الكارثية على البلد في وقت حدوثه وحسب، بل تستمر لعقود من الزمن، ما يجعل من عملية الترميم والمعالجة لهذه النتائج التدميرية أمرًا بالغ الصعوبة، خاصة تلك المرتبطة بالجوانب الثقافية والاقتصادية.
كما يظهر من خلال اعترافات الجواسيس حول طريقة عملهم وأساليب التجنيد والاستهداف، وجود فجوة كبيرة في الوعي لدى الفئات المستهدفة؛ إذ كان يتم تجنيد الجواسيس -غالبًا- في المراحل الأولى دون معرفة ودراية منهم بنجنيدهم وانخراطهم مع جهاز استخبارات أجنبي وخدمتهم له دون إدراك.
ليتم فيما بعد، في أعقاب تنفيذ المجنّد لأعمال كثيرة تبدأ بتنفيذ أعمال لا تثير الشك ثم توسعتها تدريجيًا، في ظل جهل منه لما يقوم به من أعمال تدخل في جوانب استخباراتية تضر بأمن البلد القومي.
ويستمر ذلك حتى تحين لحظة المكاشفة والعرض عليه العمل رسميًا مع وكالة الاستخبارات الأميركية ضد بلده، وطبعًا لا يتم ذلك إلا بعد الإيقاع به عبر وسائل متعددة ومختلفة في أمور تجبره فيما بعد على الرضوخ لهم عن طريق ابتزازه بها، في حال رفض العمل معهم.
ما لفت انتباهي في الاعترافات المرتبطة بالملف الثقافي، هو استخدامهم للمدارس والمعاهد والجامعات واعتبارها بيئة خصبة للتجنيد واختيار العناصر لتجنيدها.
إضافة إلى استخدام هذه الصروح العلمية التي تخرج نخب المستقبل في البلاد وكوادره وقادته المستقبليون، وجعلها حقولًا وساحات لتنفيذ أجنداتهم وبرامجهم في المسخ الثقافي وسلخ أبناء البلد عن هويتهم الوطنية والدينية والاجتماعية التي جبلوا عليها.
استهدافهم لهذه الصروح لم يأت من عبث، بل هو عمل مدروس ودقيق وله نتائج كارثية ملموسة، ويتم ذلك على نحو ناعم وبأساليب لا تثير الشك والانتباه، في الوقت الذي يفتقد فيه منتسبو هذه الصروح العلمية للخبرة ولأبسط وسائل وأدوات الحماية والتحصين على الصعيد المعرفي في عمل الأجهزة المخابراتية ووسائلها وأدواتها التي تتمكن عبرها من النفاذ إلى وعيهم وعقولهم وتسريب ما تريده إليهم، دون دراية أو انتباه منهم، وبالتالي السيطرة على نمط تفكيرهم ونظرتهم لمختلف القضايا والأحداث.
ولمواجهة هذا الاختراق الكبير وسد هذه الفجوة، ينبغي أن تكون المواجهة استراتيجية أيضًا لا تكتيكية لحظية فقط، من خلال خلق حالة واسعة وشاملة ودائمة من الوعي في هذا الصدد، لتحصين أبناء البلد وخاصة الفئات المذكورة أعلاه، وليس فقط بالتوعية الإعلامية المرحلية.
مثلًا لماذا لا يتم إدراج مادة في المنهج الدراسي لطلاب الثانوية العامة والجامعات بالتعاون بين وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي وجهاز الأمن والمخابرات، تختص بالجانب الاستخباراتي تسمى على سبيل المثال “الأمن الوطني” أو “الأمن القومي”.
على أن تركز المادة هذه على تعريف المفاهيم الأساسية المتعلقة بالجوانب الاستخباراتية وطرق عمل الأجهزة المخابراتية المعادية في استهداف البلاد ووسائلها في التجنيد سواء المباشرة وغير المباشرة وإبراز جوانب من أنشطتها على مختلف الصعد والهدف منها، وغيرها من التفاصيل التي ينبغي أن يدركها ويعيها الشباب في هذه المرحلة من حياتهم لترسيخها في وعيهم لتحصينهم من أي اختراق مستقبلي.