تحليل: التصعيد اليمني يكشف نقاط الضعف الأمريكية في البحر الأحمر

خاص – المساء برس|تحليل: يحيى محمد الشرفي|

يمر العالم بمراحل معقدة من النزاعات الجيوسياسية والتهديدات الأمنية، ومن بين هذه القضايا الساخنة يتصدر الموقف اليمني العسكري المساند للشعب والمقاومة في فلسطين المحتلة، متحدياً أكبر قزة بحرية في العالم، الولايات المتحدة الأمريكية، بهجماته على سفن الشحن التجاري التي لا تزال تتعامل مع كيان الاحتلال الإسرائيلي، على امتداد البحر الأحمر والبحر العربي والمحيط الهندي وصولاً إلى الأبيض المتوسط.

تعكس هذه الهجمات ليس فقط قدرة القوات اليمنية على تهديد المصالح الغربية المشروعة وغير المشروعة في المنطقة العربية ولكن أيضاً، التحديات والتهديدات التي تواجهها القوات البحرية للولايات المتحدة وحلفائها في استمرار هيمنتها على الممرات الحيوية المائية.

التصعيد اليمني والتحديات الأمريكية

بدأ الجيش اليمني، شن هجماته على السفن التجارية المرتبطة بكيان الاحتلال الإسرائيلي في البحر الأحمر منذ نوفمبر الماضي، في رد فعل على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. ومع تصاعد هذه الهجمات في الأشهر الأخيرة، أصبح من الواضح أن القوات المسلحة اليمنية تمتلك القدرة على تنفيذ ضربات دقيقة ومؤثرة على الشحن البحري، مما يهدد استقرار التجارة الغربية.

وفي هذا السياق، جاء إعلان البنتاغون مؤخرًا حول مغادرة مجموعة حاملة الطائرات “يو إس إس دوايت دي أيزنهاور” المنطقة، تاركة وراءها فجوة في التواجد العسكري البحري الأمريكي في البحر الأحمر.

هذا الوضع يترك البحرية الأمريكية معتمدًة على مدمرتين فقط في منطقة تشهد تصاعدًا في التهديدات، وهو ما يثير تساؤلات حول قدرة الولايات المتحدة على حماية نفوذها وهيمنتها المتآكلة في الممرات البحرية الحيوية.

التأثيرات الاقتصادية والجيوسياسية

وحسب تقرير لوكالة الاستخبارات الدفاعية الأمريكية كشف عن “آثار ضارة لهجمات الحوثيين على 65 دولة و29 شركة كبرى للطاقة والشحن. هذه الهجمات لم تؤثر فقط على السفن المستهدفة ولكنها زادت من تكاليف الشحن وأوقات العبور، وهددت حرية الملاحة في المنطقة. كما أدت إلى انخفاض حركة المرور التجارية في البحر الأحمر، مما يعكس تأثيرًا مباشرًا على الاقتصاد العالمي”.

تصاعد الهجمات اليمنية يعيد إلى الأذهان سيناريوهات “حرب الناقلات” في الخليج خلال الثمانينات، حينما كانت البحرية الأمريكية تتصدى للتهديدات الإيرانية، ولكن على عكس تلك الفترة، يبدو أن الولايات المتحدة تواجه اليوم تحديات وتهديدات جديدة تتعلق بنقص الذخائر والقيود على الميزانية، مما يحد من قدرتها على الردع الفعال.

الدروس المستفادة من معركة البحر الأحمر

في ظل هذه التطورات، تبرز عدة نقاط هامة:

1. الاعتماد على الحلفاء: بات واضحًا أن الولايات المتحدة لا تستطيع بمفردها تأمين هيمنتها على الممرات البحرية ضد ما تراها واشنطن انها “تهديدات متزايدة”، وهنا قال تقرير لمجلة بلومبيرغ الأمريكية، رصده “المساء برس” أنه “يجب تعزيز التعاون مع الحلفاء الإقليميين والدوليين لضمان حماية التدفق التجاري وسلامة البحارة”، في إقرار بعدم قدرة واشنطن بمفردها على مواجهة القدرات اليمنية.

2. التطوير العسكري: تحتاج الولايات المتحدة إلى إعادة النظر في استراتيجياتها العسكرية، خاصة فيما يتعلق بتخزين الذخائر وتحديث القدرات الدفاعية، كما أن الفجوة في التواجد البحري الأمريكي تكشف عن ضرورة زيادة الاستثمار في تطوير الأسلحة والقدرات العسكرية لضمان الردع الفعال، وهذا يثبت أن القدرات العسكرية للبحرية الأمريكية كانت مجرد هالة إعلامية خلقتها واشنطن منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية فيما الحقيقة تكشف على أرض الواقع أنها مجرد انتفاخة إعلامية وأن كل تلك الأساطيل لم تنفع واشنطن في مواجهة تكتيكات قتالية وحربية ابتكرتها القوات اليمنية التي لا تساوي في ما تملكه من عتاد حربي الا الشيء اليسير مقابل خصومها، وأثمرت في الصمود وفرض حضور اليمن وفرض قراراته على حساب الهيمنة والنفوذ العسكري الأمريكي.

3. السياسات الدبلوماسية: يجب أن تتبنى الولايات المتحدة وحلفاؤها سياسات دبلوماسية قوية في المنطقة، بعد الفشل العسكري، وهذا يتطلب جهودًا مشتركة لتعزيز الاستقرار السياسي والاقتصادي في اليمن والمنطقة بشكل عام، والذي يقودنا إلى ضرورة ان تدرك واشنطن أن الحل في اليمن وإيقاف جبهة البحر الأحمر يكمن في تنفيذ مطالب صنعاء والتي هي ترجمة للجهود المشتركة لتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي والتي تتمثل في محور ورأس هذه الحرب وهي غزة ووقف العدوان الإسرائيلي على غزة ورفع الحصار عن القطاع.

الخلاصة

الواضح أن الجيش اليمني نجح في تسليط الضوء على نقاط الضعف في الاستراتيجية العسكرية الأمريكية في البحر الأحمر، وفي ظل تصاعد التهديدات اليمنية، تحتاج الولايات المتحدة إلى تبني نهج آخر، يقوم على القناعة بأن المنطقة العربية لم تعد حكراً على الأمريكان في الهيمنة والنفوذ وأن المصالح المتبادلة القائمة على احترام حقوق الشعوب في العيش وإقامة دولهم واقتصاداتهم وسيادتهم على جغرافيتهم ومجالهم الحيوي وخروج القوى الأجنبية المحتلة لبلدانهم كما هو الحال في فلسطين المحتلة، وإلا فستبقى مسألة تأمين الممرات البحرية الحيوية كابوساً يؤرق الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين فتأمين الملاحة ليس مجرد مسألة أمنية بل هو ضرورة اقتصادية لحماية التجارة العالمية وضمان الاستقرار الاقتصادي الدولي، وما يحدث حالياً في البحر الأحمر ليس تأمينا أمريكياً للملاحة كما يدعي البنتاغون بل هو عسكرة للبحر الأحمر فاقمت من تأزيم الوضع أكثر، بينما القوات اليمنية هي التي استطاعت فرض قرارها في قطع مرور السفن المرتبطة بإسرائيل أو المملوكة لبريطانيا وأمريكا من العبور، ولو كان الجهد الحربي الأمريكي فعالاً وناجحاً لكانت شركات الشحن استأنفت العبور من البحر الأحمر.

قد يعجبك ايضا