تأكيداً على حماقة قرارات نتنياهو
منير شفيق – وما يسطرون|
يذهب تقديرُ الموقف بشأن نتنياهو، وقادة مجلس حربه، إلى أنهم فقدوا صوابهم في مواجهة عملية «طوفان الأقصى»، ومن ثم ارتكابهم حماقة مدمّرة للكيان الصهيوني، بسبب خوضهم للحرب البرّية، وإمعانهم طوال ثمانية أشهر في مجازر إبادة بشرية، وقتل جماعي، وتدمير أهوج للمعمار، وصولاً إلى إخراج كل المشافي من الخدمة، وأضف الحرمان من الدواء والماء والطعام والمأوى. هنا ينبري البعض إلى رفض وصف القرار الصهيوني بالحماقة. ويعتبرون ذلك جزءاً من الصراع السياسي والإعلامي المحتدم.
ومن ثم لا علاقة له بعدم تقدير موضوعي دقيق، بعيداً من، أو منسجماً مع، الصراع السياسي والإعلامي التحريضي المحتدم. ويتضمّن هذا الرفض رفضاً لتهمة فقدان الأعصاب، والانقياد وراء الانتقام والإصرار على استمرار الحرب، ولو بخسائر فادحة، ولو كانت بلا جدوى أو أمل في انتصار. يعني أن قراءة ما وصل إليه الكيان من تدهور، وما يشبه الإشراف على انهيار، ليس كافياً لإدانة مجلس الحرب، ونتنياهو، بالحماقة. ثمّة رسمٌ لسيناريو افتراضي، بعيداً من أيّ خيال، لتأكيد هذه الحماقة واللاعقلانية، من زاوية أخرى:
لنتصوّر، أو لنفترض، أنّ قرار مجلس الحرب ونتنياهو، ومعهم بايدن ودعم القادة الأوروبيين، هو أن يردّوا بالقصف ليومين، ويعودوا إلى الهدنة وإلى وقف لإطلاق النار، مثلاً كما حدث بعد انهيار خط بارليف 1973، وما حدث بعده، بما يشبه الزلزال في القيادة الإسرائيلية، وفي أميركا بالذات (وقد عمل في حينه هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأميركي، وفق مذكراته، على منعهم من الرجوع إلى الخط الأخضر – خطوط هدنة 1949. طبعاً هو وجدَ أنور السادات حريصاً على إجراء مساومة خاسرة، ولا نيّة عنده لمواصلة الهجوم والتقدّم).
الافتراض هو تصوّر ما كان سيحدث لو كان الردّ بعد قصف محدود، لبضعة أيام، العودة السريعة إلى الهدنة، والاستعداد لجولة أخرى، وذلك من أجل استعادة زمام المبادرة، وتلافي ما برز من أخطاء ونواقص. والأهم، حوفظ، بعد وقف إطلاق النار، على ما تجمّع من تعاطف عالمي مع الكيان الصهيوني، فور الضربة القاسية التي ألحقتها عملية «طوفان الأقصى» بالكيان، وما روّج ضد «حماس» من ارتكابات صدّقها كثيرون. ثم تصوّر ما سيكون عليه موقف الدول العربية المطبّعة، أو التي كانت ذاهبة للتطبيع، ضد «حماس» والمقاومة، وذلك مع استمرار لهجمة التطبيع والتخاذل.
لقد تبيّن، منذ الأسبوع الأول للحرب البرّية، استحالة كسبها، وأنّ المضيّ فيها بخسائر متتالية، ثم ما كان سيكون عليه الموقف الدولي، وخصوصاً أميركا والغرب وهيئة الأمم المتحدة والإعلام الغربي، مقارنةً بكل ما هو حاصل الآن من عزلة للكيان الصهيوني وأميركا وسوء سمعة، وثورات شبابية ضد إسرائيل، ومساندة لغزة وفلسطين؟
هذه المقارنة تكشف، في ما تكشف، ضخامةَ الحماقة التي قادت الحرب من الجانب الصهيوني والأميركي، في ما جرى، ولا يزال جارياً، مِن حربٍ برّية فاشلة، هُزم فيها الجيش الصهيوني. ومِن حربِ إبادةٍ أفقدت الكيان الإسرائيلي، والحركة الصهيونية العالمية، حتماً، «سلاح المحرقة». وقد أصبحا اليوم في قفص الاتهام العالمي، كمجرمي قتل جماعي، وقتل أطفال، ومجرمي حرب، ومجرمي إبادة إنسانية، ومدمّرين للقانون الدولي، والقِيَم الحضاريّة الإنسانيّة.