الحالة النفسية للكيان الصهيونيّ: قادة مرضى ومجتمع مريض
جورج كعدي – وما يسطرون|
أوصلني تفكّري وبحثي الهوَسيّان، منذ زمن، في المسألتين اليهودية والصهيونية (مع ما بينهما من اجتماع وافتراق) إلى خلاصة يقينيّة: هذه الجماعة البشرية، ومن غير إطلاق في التعميم، تعاني أفراداً ومجتمعاً عدداً من الاعتلالات والاضطرابات والرضوض النفسية التي أضحت مع الوقت ذات طبيعة وراثية، إن مكتسبة بالجينات أو بالثقافة والتربية.
ومع اندلاع مأساة غزة المستمرّة فصولاً دموية إبادية حتى الساعة، رحت أردّد في حلقات ضيّقة أن هذا المجتمع الصهيونيّ المسمّى «إسرائيل» يعيش فيه شعب من المرضى النفسيين، فأواجَه أحياناً ببعض الاستغراب، إذ كان العدوّ الإسرائيلي بالنسبة إلى بعض الأصدقاء هو إنسان عاديّ، إنّما متوحّش، مستعمر إحلاليّ مدعوم من أميركا والغرب، متفوّق تسليحاً وإمكانات.
أمّا يقيني الشخصيّ فثابت ومرتكز على حقائق تفسيريّة علميّة، أوّلها لرائد علم النفس والتحليل والعلاج النفسيّين زيغموند فرويد الذي لم يتنصّل يوماً من يهوديته (ثقافةً وانتماءً) رغم إلحاده، ولكنّه لم يتبنّ المشروع الصهيوني ولم يقتنع به، بل نبّه القائمين عليه، نافياً إمكان «أن تصير فلسطين دولة يهودية»، فالعالمان المسيحي والإسلامي غير مستعدّين في تعبيره «لأن توضع أماكنهما المقدسة تحت إشراف يهوديّ»، وكتب لآينشتاين عام 1930: «كنتُ لأُحسن الفهم أكثر لو تمّ تأسيس وطن يهوديّ فوق أرض عذراء لا ترزح تحت وطأة التاريخ. ولستُ بقادر على أن أجد في نفسي ظلّاً من التعاطف مع ذلك التديّن الذي ضلّ سبيله، فأراد تأسيس ديانة قومية على حائط هيرودوس، والذي لا يتوجّس، حباً منه بتلك القطع من الحجارة، من أن يصدم مشاعر السكان الأصليين».
ولا تقتصر مواقف فرويد على رفضه إنشاء الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، بل تتعدّاه إلى تحليل الشخصية اليهودية ووضعها على أريكة المحلّل النفسي في كتابه «موسى والتوحيد» الجدير بالقراءة والعودة إليه لفهم هذه الشخصية اليهودية «ذات الطابع الخاص» في تعبيره، إذ يعود فرويد إلى الأصول الأولى المبكرة ليفاجأ باكتشاف «أنّ التجربة الأولى، الجنينيّة إذا جاز التعبير، لهذا الشعب، أي تأثير الرجل موسى والنزوح عن مصر، قد حدّدت تطوّره اللاحق بتمامه إلى يومنا هذا – شأنها شأن الرضّة (Trauma) الفعليّة العائدة إلى الطفولة الأولى في تاريخ الفرد العُصابيّ (Neurotic). فهناك بادئ ذي بدء التصور الزمنيّ للحياة، ومعه تجاوز الفكر الاستيهاميّ ورفض الروحانيات، وهما قَسَمتان تعودان ولا بدّ إلى موسى نفسه، وربما إلى ما قبله أيضاً، ولكن من دون أن يتوافر لنا في هذا الصدد يقين مرجوّ».
بهذا، ليس أمراً بسيطاً أو عابراً أن يسم رائد عالم النفس اليهود بالعُصاب، أحد أخطر الأمراض النفسية المتصلة بالجنون والعدوانية والاضطراب والقتل، أي ما يعانيه صهاينة الكيان المحتلّ قادةً وأفراداً، وما أوصل جدودهم القدامى إلى قتل أنبيائهم (على ما أورد فولتير في قاموسه الفلسفي) وعلى رأسهم موسى نفسه الذي قتله يهود، ويفسّر فرويد ذلك بقتل الأب.
التعصّب الدينيّ في تعريف فرويد هو عُصاب جماعيّ يميل إلى تحصين المتدينين ضدّ العصاب الفردي. وحتى إذا لم يكن الأفراد مرضى نفسيين وكانوا مخلصين في مجتمعهم، إلّا أنّهم يؤدون دور الناقل للاعتلال النفسيّ الجماعيّ، أي الطريقة الخاصة التي ينظرون عبرها إلى المجتمعات البشرية الأخرى ويتفاعلون معها جماعيّاً.
من دون فهم ذلك لا يمكن أبداً فهم الكيان الصهيوني. «إسرائيل» مختلّة عقليّاً، جماعياً، ويعتمد بعض الأطباء النفسيين مصطلح «الاعتلال الاجتماعي»، لكنّ مصطلح «الاعتلال النفسي» يظلّ أكثر شيوعاً. أمّا السمة الأكثر ظهوراً لدى المريض النفسي فهي الافتقار التام إلى التعاطف والمانع الأخلاقي من إيذاء الآخرين (كلا التعاطف والمانع الأخلاقي غائب تماماً، لاحظوا معي، لدى الإسرائيلي اليوم).
ولا قيمة أو أهمية للحقيقة بالنسبة إلى المريض النفسي، وهو كاذب مرضيّ وبالكاد يدرك ذلك. ورغم أنه محصّن ضدّ الشعور بالذنب إلّا أنه «أستاذ» في جعل الآخرين يشعرون بالذنب. بل يُفاجأ باستياء ضحاياه! يسرق أرضهم وبيوتهم ويرى أنّ استياء الذين سُرقت أرضهم وبيوتهم هو بمثابة كراهية غير عقلانية!
«إسرائيل» اليوم، وربما أكثر من الأمس، دولة سايكوباتيّة بكل معنى الكلمة.
هي الدولة المختلّة عقلياً بين سائر الأمم. حتى الصحافي الإسرائيلي جدعون ليفي كتب في صحيفة «هآرتس» عام 2010: «وحدهم الأطباء النفسيون هم القادرون على تفسير سلوك إسرائيل» فثمة بالنسبة إليه وبشكل ملحوظ «جنون عظمة وفصام وقدرة غير عادية على الكذب والتلاعب». والكيان الصهيوني الذي يجرّد الفلسطيني من إنسانيته، يقتله ويعتقله ويعذبه ويمارس فعل الإبادة بحقّه، إذا تعرّض لعمل تحرّري أو ثوريّ منتفض، لأنّ «إله إسرائيل» يهوه هو إله بركانيّ ومنعزل، يُظهر كراهية شديدة حيال الآلهة الأخرى، لكونه الإله المختلّ بين الآلهة.
قد يكون يهوه شخصية خيالية غير أنّه يقبض على العقل اليهوديّ. اليهودية هي استيعاب الإله السايكوباتي. ورغم أن «نبي الصهيونية السياسية» تيودور هرتزل كان ملحداً وغير مغرم بالتوراة، إلّا أنّه لأسباب انتهازيّة عملية أطلق على أيديولوجيته اسم الصهيونية، مستخدماً الاسم التوراتيّ. ومنذ بن غوريون حتى نتنياهو وبن غفير اليوم، يتقاسم قادة الكيان مع الشعب العقلية التوراتيّة. يستطيع الصهاينة العثور على أي تبرير يحتاجونه في كتابهم «المقدس» (بالنسبة إلى غزة لديهم سفر القضاة 19 – 18: «وأخذ يهوذا غزة وتخومها… وكان الرب مع يهوذا، فامتلك منطقة الجبل»).
الخيال المريض الذي كتب ذلك وسواه الكثير من المذابح والإبادات الوحشية التي أجازها «يهوه» الإله المتوحّش، بحسب سيمون ڨيل اليهودية التي رفضت يهوديتها ، يظلّ حتى في الزمن الحديث المعاصر مصدر «إلهام» ومتّكأ لارتكاب الإبادة على طريقة الأزمنة الوحشية الغابرة، كأن لا شيء تغيّر في التاريخ، ولا تقدّم الزمن!
ثمة بالتالي بعض الصعوبة في وصف نتنياهو وأفراد عصابة مجلس حربه بالاختلال العقلي، فالأصحّ هو نعتهم بالمرضى النفسيين الكتابيّين وعبدة الإله اليهودي المختلّ عقلياً. وغالبية المجتمع الصهيونيّ المصفّقة للإبادة والمؤيّدة لها تؤلّف المجتمع المعتلّ العصابيّ، السايكوباتيّ، الهستيريّ، الذي يستظلّ بدوغمائيته الدينية الخرافيّة، لتبرير قتله وعُظامه وجنونه.