قرار مركزي عدن تحت المجهر الاقتصادي.. “أداة لأجندات سياسية خارجية وضرب للاقتصاد الوطني جنوباً وشمالاً”
خاص – المساء برس| تقرير: يحيى محمد الشرفي|
أثار البنك المركزي في عدن الخاضعة لسيطرة التحالف السعودي جدلاً واسعاً بعد إقراره قطع التعامل مع 6 من البنوك الرئيسية الكبرى في صنعاء وقرار سحب الأوراق النقدية الوطنية من الإصدارات القديمة.
وفي تصريح حصري لـ”المساء برس” أكد الصحفي والخبير في الشأن الاقتصادي، رشيد الحداد، أن هذه القرارات لم تكن مفاجئة للمحللين الاقتصاديين في صنعاء، حيث كانوا يتوقعون تبني البنك المركزي في عدن لإجراءات مماثلة، وأكد أنه سبق وتم التلويح بها منذ فترة طويلة.
القرارات في سياق تصعيد التوترات الإقليمية
وأشار الحداد إلى أن هذه الإجراءات تأتي في سياق تصاعد التوترات في المنطقة، حيث ارتبطت بتصعيد البحر الأحمر وتصعيد أمريكي تم تنفيذه عبر الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية التي تمتلك السيطرة واتخاذ القرار في معظم القطاعات والإدارات في فرع البنك المركزي في عدن.
وأعرب الحداد عن قلقه إزاء تداعيات هذه القرارات على الاقتصاد الوطني وحياة المواطنين، مشدداً على أهمية اتخاذ إجراءات تصحيحية للحد من التداعيات السلبية المحتملة على الاستقرار الاقتصادي وسعر الصرف، مؤكداً أن قرارات مركزي عدن قد تزيد من حدة الصراعات الدبلوماسية والاقتصادية في اليمن وقد تطال تداعياتها للإقليم أيضاً باعتبار تلك القرارات دافعها سياسي في سياق الصراع القائم بين صنعاء وواشنطن بسبب وقوف صنعاء مع الشعب والمقاومة الفلسطينية بوجه الاحتلال الإسرائيلي.
ابتزاز البنوك
وأضاف الخبير الاقتصادي رشيد الحداد، أن ما جاء من البنك المركزي في عدن يعتبر “ابتزازًا رخيصًا للبنوك الرئيسية”، مشيراً إلى أن البنوك التجارية والإسلامية قامت بدور كبير في تمويل الاقتصاد الوطني وإمداد الحركة الاقتصادية والتجارية، وأنها تمتثل لجميع إجراءات غسيل الأموال، في مقابل أن من يصدرون اليوم هذه القرارات هم أنفهم وبحسب تقارير لجنة الخبراء بالأمم المتحدة اتهمت بشكل صريح وأدانت البنك المركزي في عدن بتهمة ارتكاب جرائم غسيل أموال كبيرة.
القرارات تمت صناعتها في واشنطن
وفيما يتعلق بالأبعاد الدولية للأزمة، أكد الحداد أن القرارات جاءت في إطار التحركات الأمريكية ضد صنعاء، حيث أشار الحداد إلى اللقاءات التي جرت قبل أيام بين السفير الأمريكي لدى اليمن ستيفن فاجن ومحافظ بنك عدن، وتحركات ولقاءات أخرى مع السفير السعودي لدى اليمن، في الرياض، مؤكداً أن هذه القرارات تم تنفيذها في عدن واتخذت في الرياض وصدر الأمر بشأنها من واشنطن.
وختم الحداد تصريحاته بتأكيد أن هذه القرارات لن تكون لها آثار سلبية على حياة المواطن اليمني، معرباً عن ثقته في أنها سترتد بشكل عكسي وسلبي على الوضع الاقتصادي في المحافظات الجنوبية والشرقية من البلاد، حيث أكد أيضاً أن المعنيون الاقتصاديون في صنعاء كانوا قد توقعوا مثل هذه الخطوات من قبل الأمريكي وأدواته وعملوا على اتخاذ إجراءات احترازية لإفشال فعالية تلك القرارات أو الحد بشكل كبير من تداعياتها.
تداعيات اقتصادية خطيرة
في السياق أيضاً، ناقش “المساء برس” مع مجموعة من المعنيين بالشأن المالي والاقتصادي قرارات مركزي عدن، وخرج بالحصيلة التالية التي تشرح التداعيات قريبة الأجل التي سيلمسها المواطنون في المناطق الجنوبية والشرقية الخاضعة لسيطرة التحالف السعودي بسبب هذه القرارات التي أتت بالمخالفة للدستور والقوانين اليمنية وتم اتخاذها بناءً على توجيهات خارجية وتخدم مصلحة قوى أجنبية بينما المتضرر منها هو المواطن اليمني وخاصة من هم في المناطق الجنوبية والشرقية.
ومن أبرز هذه التداعيات ما يلي:
أولاً: يقوم المواطنون بتحويل أموالهم للعملات الأجنبية بدلاً من العملات المحلية، وذلك حتى وإن كان فارق الصرف كبيراً سابقاً.
ثانياً: من بين التداعيات الأخرى لهذه القرارات، فإنها ستؤدي إلى تعزيز الانقسام النقدي بشكل كبير في اليمن، وهو ما يتعارض مع التوجهات الأممية ومقتضيات عملية السلام التي يهندس لها المبعوث الأممي لليمن هانس غروندبيرغ، وخاصة في ضوء التحركات الأخيرة له التي كانت تهدف إلى تهدئة الأوضاع الاقتصادية وبحث سبل التطبيع الاقتصادي.
ثالثاً: القرارات الأخيرة التي اتخذها البنك المركزي في عدن، والتي استندت إلى قرارات التصنيف الأمريكي ضد حركة “أنصار الله” على خلفية موقفها المساند لغزة، لم تستند إلى القانون اليمني، وفق خبراء قانونيون، مما يظهر واضحًا أنها تعبر عن مصالح خارجية تتعارض مع مصلحة الوطن ومواطنيه، وأبرز دليل على ذكل أن القرارات أتت بعد يوم من تصريحات للسفير الأمريكي هدد فيها بأن واشنطن ستوقف عملية السلام في اليمن وقال حرفياً إن الحكومة (المنفية) التابعة للتحالف وواشنطن لن توقع أي اتفاق سلام مع من أسماهم (الحوثيين).
رابعاً: من المتوقع أن يكون لهذه القرارات آثار كبيرة على تدهور سعر صرف العملة في المحافظات الجنوبية والشرقية خاصة وربما أكبر بكثير من المناطق الشمالية، حيث يعتمد الكثيرون على تحويلات داخلية يومية تصل لمئات الآلاف من الحوالات النقدية، وهو ما سيشكل ضغطاً إضافياً على العملات الأجنبية.
خامساً: أكثر ما يتزايد بشأنه القلق هو تأثير هذه القرارات على العاملين في التجارة الداخلية، مما يعكس أن البنك المركزي في عدن قد فتح النار على نفسه بدون إدراك، وأن القرارات الصادرة لم تراع المصلحة العامة بما يكفي.
بن لزرق: حرب اقتصادية بين الغرب وجماعة أنصار الله
وعلى صعيد متصل حذّر رئيس تحرير صحيفة “عدن الغد” فتحي بن لزرق، من قرارات البنك المركزي في عدن على ضوء معلومات يبدو أنه حصل عليها من مختصين في اقتصاديين وماليين في عدن أو موالين لحكومة التحالف السعودي الإماراتي، حيث عبر عن استيائه من ما وصفه بـ”حرب اقتصادية” بين الغرب وجماعة “أنصار الله”، معتبراً أن هذه الحرب ستؤثر بشكل كبير على الأوضاع الاقتصادية في البلاد، في تأكيد على أن قرارات مركزي عدن إنما أتت تلبية لتوجيهات خارجية.
وأضاف بن لزرق: “اختارت هذه القوى أن تضرب الجماعة من بوابة البنك المركزي اليمني في عدن. صحيح أن هذه القرارات ستحدث ضررًا كبيرًا بالجماعة، لكنها ستحدث في المقابل ضررًا كبيرًا في المحافظات (المحررة – الخاضعة لسيطرة التحالف السعودي)، وهو ضرر للأسف الشديد سينعكس على وضع الناس ومعيشتهم وسعر الصرف، ولن تهب هذه القوى لمعالجته”.
تأتي هذه الأحداث في ظل تصاعد التوترات الاقتصادية في اليمن، بعد توجه الولايات المتحدة الأمريكية إلى استخدام أسلوب الحرب الاقتصادية والمالية ضد صنعاء بعد فشل الحرب العسكرية في تحييد اليمن عن مواصلة فرض الحظر على الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر والعربي والمحيط الهندي والأبيض المتوسط بسبب عدوان كيان الاحتلال على قطاع غزة المستمر للشهر الثامن، ومن وجهة نظر مراقبين فإن هذه التوترات الاقتصادية تستدعي تحركات عاجلة للتصدي للتحديات الاقتصادية المتزايدة وضمان استقرار الوضع الاقتصادي والنقدي في البلاد.
تهديدات الحوثي: تحذير للسعودية من التورط في التصعيد الأمريكي
وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أن زعيم أنصار الله السيد عبدالملك الحوثي، حذر بشكل كبير جداً، في كلمته أمس الخميس، السعودية من التورط فيما يريده الأمريكي وما تدفع به واشنطن الرياض نحو استهداف الجانب المالي للإدارة الاقتصادية اليمنية في صنعاء ومنها الاستهداف المباشر للبنوك الرئيسية، وذلك خدمة لكيان الاحتلال الإسرائيلي، حيث يأتي هذا التصعيد العدائي من قبل واشنطن والرياض وأدواتهما لاستهداف الجانب الاقتصادي والمالي لصنعاء في سياق الحرب ضد صنعاء لتحييدها عن مواصلة مساندتها العسكرية للمقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
كما هدد السيد الحوثي المملكة السعودية بأن أي تهور وانسياق خلف الأمريكي للإضرار بالاقتصاد اليمني في المناطق الحرة خدمة للإسرائيلي، سيؤدي إلى عواقب وخيمة وكارثية على السعودية، منبهاً من أن الرياض في غنىً عن هذه الكوارث التي ستلحقها إذا ما استجابت للضغوط والإملاءات الأمريكية.