اعتراف ملغوم.. القبول بالدولة الفلسطينية مقابل تجريم المقاومة وتفكيكها.. من أجل هذا رفضت “اوسلو”

طالب الحسني – وما يسطرون|

عندما ولدت فكرة ”حل الدولتين” لأول مرة، كان ذلك بعد قرابة 40 عاما من النضال والمقاومة الفلسطينية ووصول آلة الحرب الاسرائيلية إلى طريق مسدود في معركة استئصال شعب الجبارين والانتقال إلى توسيع الاحتلال في الخارطة العربية بناء على الحلم اليهودي بدولة ممتدة عموديا وأفقيا بقدرات غير محدودة.

توقف هذا الحلم لأنه كان مرهون باستسلام الشعب الفلسطيني ، بتوقف المقاومة ، والعمليات الفدائية البطولية ، لكنها لم تتوقف ، بل اتجهت نحو التوسع والتطور والتنوع متجاوزة مئات المذابح مجازرة الابادة ضمن مسلسل أسوأ عملية تطهير عرقي في القرنين السابق والحالي.

لقد انتظرت الدول الغربية وخصوصا بريطانيا وأمريكا كيان الاحتلال 4 عقود لتحقيق مشروعه على الأقل في الاراضي الفلسطينية المحتلة ومدته بكل ما يحتاجه من غطاء سياسي ودبلوماسي فوق العسكري دون أن يتمكن من ذلك.

وعندما شعرت بوجود تحول لصالح المقاومة الفلسطينية من مطلع الثمانينات عبر تأسيس الحركات المسلحة المقاومة كحماس والجهاد والجبهة الشعبية وفي الجوار اللبناني أمل وحزب الله ، وجدت واشنطن أن عليها أن ترمي حبلا مطاطيا آخر بعد كامب ديفيد ووادي عربة أطلقت عليه ” حل الدولتين “
نتذكر جيدا كيف كان وقع ” اوسلو ” على الجمهور العربي والاسلامي صادم ، واعتبر حينها مشروع خياني على غرار كامب ديفيد.

الذين دافعوا عن اوسلو ومامن ضرورة لذكر اسماء، لا اقصد من الانظمة العربية الرسمية وانما من المثقفين العرب ، كانوا ينطلقون من زاوية أن هذا انجاز مهم سيسمح بقيام الدولة الفلسطينية بحدود 67 وبالتالي فان ” اسلو ” سيحاصر الكيان ويوقف الاستيطان ويقدم حلا جزئيا غير عادل للاجئين الفلسطينيين عندما يعودون ليس إلى قراهم وبيوتهم التي هجروا منها ، وإنما إلى وطنهم ودولة اسمها فلسطين بجوار ” دولة” كيان الاحتلال!

هذه المقاربة التي صدقوها وروجوا لها ودافعوا عنها لا تزال تسمح لنا بمحاكمتهم ليس لأنهم تخلوا عن جزء كبير وكبير جدا من فلسطين وفقط بل ولأنهم أرادوا أن نتجاهل أن مقابل أوسلو إنهاء كل أشكال المقاومة والقبول بدولة فلسطينية دون جيش ودون سلاح ودون مقاومة.

ألم يتفطنوا أنها كانت حيلة ومشروع أمريكي بريطاني اسرائيلي لتفكيك فلسطين وجر الفلسطينيين والعرب إلى وهم ، ضمن مخطط يجرم العمل المقاوم ويحاول عزله داخليا وخارجيا؟

بلى لقد كان ذلك بوضوح الشمس ، ولذلك رفضت أوسلو على نحو واسع جدا فلسطينيا وعربيا ، ومن هنا لم يعد الكيان ولا الدول الغربية بما في ذلك أمريكية وهي من أنتجت هذه الفكرة وسوقتها مهتمون بتنفيذها حتى مع كون واشنطن ترددها ومعها بعض الدول العربية طوال اكثر من ثلاثة عقود .
تجدر الاشارة هنا إلى ” طرفة واقعية ” كانت تقال في سياق النقاش بين ” أنصار اوسلو ” وخصومها وهي :
أليست أوسلو ورضوخ الاحتلال بحسب توصيف اوسلو كان نتاج العمل المقاوم والبطولي والفدائي؟ بلى.

واذن لماذا يتم مكافأة المقاومين والشهداء بالتخلي عنهم وربما تجريمهم!

لم يكن هناك ضمانة لتنفيذ اوسلو على أرض الواقع أكثر من ” العودة للمقاومة ” اذا نكث العدو الاسرائيلي وبالتالي كيف يمكن التخلي عن السلاح الافضل والخيار الأنسب لدفع العدو الاسرائيلي لتنفيذ ما يتم التوصل إليه عبر ” الحوار السياسي ” ولقد كان الراحل ياسر عرفات أبو عمار وهو الذي وقع اوسلو يدرك هذا جيدا ولم يكن مقتنعا بأسلو وانما ناور بها.

مع عودة الحديث عن حل الدولتين يتوجب التوقف عند هذه المقاربة القديمة الحديثة مع التأكيد أن هناك متغيرات كبيرة أبرزها قوة المقاومة وسلاحها وفاعليتها وتأثيرها وجمهورها وهذا التحول التاريخي منذ 7 اكتوبر امتدادا إلى محور المقاومة العسكري والسياسي والشعبي ، وصولا إلى هذه التجربة العملية في مواجهة اعنف واطول حرب عدوانية خاسرة يقوم بها العدو الاسرائيلي ورعاته التقليديين.

مقابل ضعف العدو الاسرائيلي وتفككه وركوبه عربة نحو المجهول.

هذان متغيران مهمان لصالح الحق الفلسطيني وانتصار فلسطين التاريخي الحتمي والقريب.

أما المتغير الثالث فهو سلبية وانحدار وتراجع وانعدام المشروع العربي، ومن هذا المتغير تجرب واشنطن وعواصم أوروبية أخرى رمي حبل النجاة لكيان العدو الاسرائيلي عبر إحياء مشروعها القديم الجديد والموهوم ”حل الدولتين“، على أنه هذه المرة مقابل ثمن أكبر وهو التطبيع ولكن قبل ذلك تفكيك حماس والمقاومة ونزع سلاحها.

إن قبول اول العربية وسلطة محمود عباس والجري وراء هذا المشروع هو مشاركة عملية في تصفية القضية الفلسطينية وليس الوصول إلى دولة فلسطينية بحدود 67 أو بأي حدود لان ذلك مشروط بتفكيك المقاومة المسلحة التي تعيد فلسطين وتشكل الضمانة الوحيدة لذلك ، فإذا انتهت فلن تجد الدول العربية التي تجري وراء التطبيع دولة فلسطينية بجوار ” دولة ” العدو الاسرائيلي وإنما ستجد جيش هذا الكيان يدق أبوابها ويكسر حدودها.

الثلاثاء الماضي احتفل البعض باعتراف ثلاث دول أوروبية بينها اسبانيا والنرويج وايرلندا بالدولة الفلسطينية باعتبار أن ذلك تحول وهو كذلك ولكن يجب التأكد أنه اعتراف ملغوم لانه قائم على مشروع تفكيك المقاومة وتجريمها.

عندما يوضع هذا الاعتراف في السياق الطبيعي سيرى أنه اعتراف قاصر ومدان ، يعترف بأقل من ثلث فلسطين 20% من الدولة الفلسطينية التاريخية ويعترف بالاحتلال وفوق ذلك الاعتراف مشروط بتفكيك المقاومة .

قد يعجبك ايضا