استراتيجية صنعاء لإعادة تسليح الجيش.. الطريق لإسقاط الهيبة الأمريكية أمام العالم (تقرير)

خاص – المساء برس| تقرير: يحيى محمد الشرفي|

يجيب هذا التقرير على سؤال: كيف استطاع الجيش اليمني تحييد (جوهرة سلاح الجو الأمريكي MQ-9 رايبر)؟.

بعد أربعة أيام فقط من بدء العمليات العسكرية الحربية ضد اليمن والتي قادتها السعودية وأعلنتها في 26 مارس 2015 من داخل العاصمة الأمريكية واشنطن، أسقطت القوات المسلحة اليمنية في سواحل اليمن، طائرة أمريكية من طراز F15، تابعة لسلاح الجو السعودي، كانت تلك أول طائرة حربية للتحالف السعودي الأمريكي يتم إسقاطها بالدفاعات الجوية اليمنية التي اعتقد التحالف السعودي أنه استطاع تحييدها بالكامل في الضربة الجوية الأولى له منتصف ليل 25 – 26 مارس، وفرض السيطرة الكاملة على الأجواء اليمنية.

وبعد أقل من شهرين من إسقاط المقاتلة السعودية، أسقطت الدفاعات الجوية اليمنية في 24 مايو 2015، طائرة F16 أخرى تابعة لسلاح الجو المغربي ومقتل طيارها وعلى إثر ذلك انسحبت المغرب بشكل غير معلن من المشاركة في التحالف السعودي ضد اليمن بعد صفقة غير معلنة بين الرباط وصنعاء من ضمن ما انتهت إليه تسليم جثة الطيار المغربي وانسحاب المغرب من الحرب.

يتبين من ذلك أنه وخلال شهرين فقط، ضُربت طائرتين مقاتلتين أمريكيتين من نوع F16 وF15، في ظل ظروف معقدة لناحية التجهيزات الفنية والتشغيلية للمنظومة الدفاعية اليمنية التي وقبل استهداف طيران التحالف السعودي لجزء كبير منها في الضربة الأولى، كانت قد تعرضت لسلسلة من التدمير الممنهج منذ منتصف العقد الأول بعد الـ2000م وبإشراف أمريكي مباشر.

وما يشير إليه هذا الوضع هو أن حركة (أنصار الله) ومن معها من الضباط والمهندسين المتخصصين في سلاح الدفاع الجوي اليمني استطاعوا وبسرعة كبيرة جداً إعادة سلاح الدفاع الجوي للوضعية التشغيلية.

كيف حدث ذلك؟

استمرت خطوات القوات اليمنية في تطوير المنظومة الدفاعية الجوية، وبالتزامن مع دراسة الثغرات والفجوات عند سلاح الجو التابع للعدو (التحالف السعودي) استطاعت القوات اليمنية تكييف الإمكانات المتاحة لديها الخاصة بالمنظومة الدفاعية الجوية من رادارات ومنصات إطلاق وصواريخ تم تطوير مدياتها لتصبح قادرة على التعامل مع إمكانات وخصائص المقاتلات الأمريكية التي استخدمها التحالف السعودي، وكلما كان التحالف يتجاوز هذه الفجوات والثغرات التي أدت لوقوع مقاتلتين في متناول الدفاعات اليمنية، كلما طورت صنعاء قدراتها الدفاعية لمواكبة أي تغييرات من جانب التحالف، ففي 30 ديسمبر 2015 تمكنت الدفاعات الجوية اليمنية على الحدود الشمالية لليمن من استهداف وإسقاط طائرة F16 تابعة لسلاح الجو البحريني والتي سقطت في منطقة جيزان جنوب السعودية.

لم يقتصر الأمر على المقاتلات الـF16 فقط بل ورغم الطبيعة الجغرافية لمسرح العمليات الحربية في المناطق الساحلية المفتوحة غرب اليمن، كان من الصعب على القوات اليمنية أن تضع منظومة دفاعية قيد التشغيل والحفاظ عليها هناك دون استهداف جوي، وفي مثل هكذا ظروف وجد التحالف السعودي إمكانية استخدام الطائرات المروحية الأمريكية من نوع (أباتشي)، مؤمناً بأن الدفاعات الجوية اليمنية التي يمكنها إسقاط الأباتشي نظراً لانخفاض ارتفاعها مقارنة بالمقاتلات الـF16 لا يمكن لصنعاء تشغيلها ونصبها في مناطق ساحلية مفتوحة وغير محمية طبيعياً، لكن القوات اليمنية لم تتوقف عن تطوير منظومة دفاعية قادرة على التكيف للعمل والتشغيل في ظروف ومسرح عمليات حربية مكشوفة كالمناطق الساحلية لليمن.

تكتيكات جديدة لم يتوقعها العدو

لعل أبرز ما تتطلبه هذه المنظومة: أن تعمل وطاقمها بديناميكية مبسطة وسريعة في (النقل والتركيب والتشغيل) مع الأخذ في الاعتبار عامل السرعة للهدف المراد التعامل معه، فكانت “الأباتشي” بما امتلكته من “سمعة باعتبارها مفخرة المروحيات الأمريكية العسكرية المتعددة المهام” هدفاً جديداً للقدرات الدفاعية اليمنية التي أسقطت هيبة السلاح الأمريكي المستخدم في الحرب على اليمن، وشهد يوم 8 يناير 2016 استهداف وإسقاط أول مروحية أباتشي أمريكية في منطقة ساحلية مفتوحة (ميدي – حجة، شمال غرب اليمن)، ليعقبها بعد ذلك إسقاط مروحية قتالية أخرى في 26 فبراير 2016 في منطقة ذوباب (الساحلية المفتوحة جنوب غرب اليمن) بمحافظة تعز.

عام أسود على السلاح الأمريكي

العام الأول من الحرب على اليمن بقيادة سعودية وإشراف أمريكي تشغيلي مباشر، كان بمثابة العام الأسود للمقاتلات الأمريكية الصنع فإلى جانب ما أحدثته الدفاعات الجوية اليمنية، لم تسلم المقاتلات الأمريكية من الأعطال التقنية التي أدت إلى تحطمها، فعلى سبيل المثال تحطمت طائرة F16 في 12 ديسمبر 2015 في قاعدة (العند) الجوية بمحافظة لحج جنوب اليمن بسبب ارتطامها في الأرض، كما تحطمت طائرة إماراتية من نوع (ميراج) في عدن ومصرع طاقمها في 14 مارس 2016 ولم يُعرف أسباب تحطمها.

من الجدير بالذكر أن ما تحدثنا به سابقاً يخص العام الأول فقط من الحرب على اليمن ويتعلق فقط بجانب الدفاعات الجوية اليمنية، وسلاح الجو للعدو المهاجم الذي يستخدم المقاتلات والمروحيات والطائرات بدون طيار وجميعها أمريكية الصنع. خلافاً للأسلحة الأمريكية الأخرى مثل (دبابات الإبرامز ومدرعات أوشكاش ومراب) المصممة على أساس القدرة على التعامل مع الألغام، والتي تساقطت تباعاً في مواجهة القدرات الدفاعية اليمنية في مختلف مسارح العمليات القتالية البرية.

إعادة تسليح الجيش اليمني

ولعل اللافت في الأمر أن معظم القدرات الدفاعية اليمنية وخاصة الجوية كان في تلك الفترة في حكم (الخارج عن الخدمة) ليخضع في وقت قياسي جداً للتطوير وإعادته للجاهزية القتالية هذا عوضاً عن كون هذه الدفاعات في السابق غير مكافئة لما يملكه العدو من منظومات هجومية، الأمر الذي دفع بصنعاء إلى تكثيف العمل على برامج تطوير هذه المنظومات بمفردها ودون تدخل من قبل الشركة الأجنبية المصنعة لهذه المنظومات كما يفترض وكما هو معمول به في مختلف الدول والجيوش، بكن وبسبب ظروف الحرب والحصار بالإضافة إلى العوامل اللوجستية الأخرى مثل عدم الاعتراف الدولي بحكومة صنعاء كان من المستحيل الاستعانة بالشركات المصنعة لتطوير ما بيد صنعاء من منظومات دفاعية لكن ذلك لم يمنعها من خوض التجربة والخروج بنتائج فاقت التوقعات ودفعت بصانعي القرار إلى المضي قدماً نحو إعادة تسليح الجيش اليمني بالكامل بأسلحة إما مطورة يمنياً 100% أو مصنعة يمنياً 100% من أصغر مسمار حتى أكبر قطعة.

MQ-9 تدخل القائمة السوداء

وبفضل الاستراتجية اليمنية التي مضت فيها صنعاء لإعادة تسليح الجيش اليمني كانت النتيجة قدرة صنعاء على تحييد أهم سلاح جوي أمريكي غير مأهول في الوقت الحالي، وهي طائرات MQ-9 رايبر المتقدمة والتي تمكنت صنعاء حتى اليوم من بداية الحرب الأمريكية على اليمن لحماية كيان الاحتلال الإسرائيلي في يناير الماضي من إسقاط 5 طائرات من هذا النوع بالإضافة إلى إسقاط 4 طائرات سابقة خلال فترة الحرب التي قادتها السعودية ضد اليمن منذ بداية استخدامها في الأعوام الأخيرة للحرب وحتى توقيع الهدنة بين صنعاء والرياض التي بدء العمل بها في 1 أبريل 2022.

النتيجة

بقدر ما كان تحييد القدرات الدفاعية اليمنية للطائرات الأمريكية MQ-9 رايبر، ليس أمراً عادياً، بقدر ما هو ليس بالشيء الغريب على اليمنيين عموماً فعل ذلك خاصة وهم الذين استطاعوا كسر هيبة السلاح الأمريكي الجوي الأكثر شيوعاً وانتشاراً، في ظروف فنية وتشغيلية معقدة جداً بالنظر لما كن بين أيديهم من (بقية دفاعات) قديمة وفي ظل وقت قياسي.

قد يعجبك ايضا