“إعلام التطبيع”.. نافذة الدعاية الصهيونية للجمهور العربي
رضوان العمري – وما يسطرون|
في 30 مارس الماضي علقت صحيفة الشرق الأوسط السعودية على اقتحام قوات العدو لمستشفى الشفاء بالعنوان التالي: “الشفاء يعاند وكتائب القسام تتحصن فيه” وأوضحت الصحيفة في تفاصيل الخبر إن قيادات من حماس تحصنت بمجمع الشفاء ورفضت الاستسلام!!، وفي الحقيقة فإن هذا لم يعد تمرير للرواية الصهيونية وحسب بل أصبح تبني للسياسة الإعلامية للكيان بكل حذافيرها، وهذه المادة الخبرية ليست سوى نموذج بسيط من مواد إعلامية مرئية ومسموعة ومكتوبة تتبنى الدعاية الصهيونية وتبرر للكيان إبادته الجماعية بحق أبناء الشعب الفلسطيني.
الكيان الصهيوني اليوم لم يعد بحاجة لبناء امبراطوريات إعلامية موجهة للشارع العربي لإيصال رسائله ولاختراق المجتمع العربي سياسياً وثقافياً ودينياً، وذلك لأن إعلام الدول المطبعة وبالخصوص الإعلام الممول سعودياً وإماراتياً يقوم بالمهمة على أكمل وجه، وماكان العدو يأمل أن يحققه في هذا الجانب خلال عشرات السنوات القادمة فإن “إعلام التطبيع” سينجز المهمة بوقتٍ أقصر وجهد أيسر.
إن اختراق الدعاية الصهيونية للإعلام العربي بهذا الشكل الفج جاء كنتيجة تراكمية طبيعية تم إعدادها على هيئة مراحل خلال السنوات السابقة وذلك في إطار التمهيد الشامل للتطبيع مع كيان العدو من قبل بعض الأنظمة العربية.
خلال العقود الماضية كانت السرديات أو الدعايات التي يروج لها العدو الصهيوني لاتملك نافذة معينة تصل من خلالها للجمهور العربي، إذ أن وسائل الإعلام العربية كانت ترفض أن تكون نافذة لتبنّي الروايات التابعة للكيان الصهيوني لعدة اعتبارات، وبالتالي فإن سردياته التي كان يحاول العدو أن يلقى لها مستمعين في الشارع العربي ظلت معزولة وحبيسة لاتتعدى بؤره الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وخلال السنوات القليلة الماضية بدأ “إعلام التطبيع” فتح مساحات بسيطة لتمرير رسائل العدو ورواياته حول عدة قضايا وملفات، كما لا ننسى الدور البارز لبعض الناشطين والمشهورين العرب الذين استقطبهم العدو وأصبحوا يروجون لسرديات الكيان في مواقع التواصل الاجتماعي سواءً بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
وقبل موجة التطبيع الحديثة وتحديداً بعد العام 2015 بدأت أنظمة التطبيع بمهاجمة فصائل المقاومة الفلسطينية بشكل مكثّف وشيطنتها ووصفها بأنها حركات إرهابية تخدم أجندات أجنبية ولاتخدم الشعب الفلسطيني، وهنا فإن هذه الأنظمة كانت تعمل على ترويج الرواية الإسرائيلية بطريقة غير مباشرة، وبمعنى أدق فإنهم استخدموا استراتيجية” إذا أردت تحسين صورة الكيان عليك أولاً شيطنة وتشويه فصائل المقاومة الفلسطينية”، وهذا كله كان في إطار التمهيد لبدء تطبيع عربي شامل مع الكيان الصهيوني.
وفي عام 2020 بعد إعلان البحرين والإمارات والسودان التطبيع رسمياً مع الكيان بدأت الرواية الصهيونية تغزو الشعوب العربية بشكل رسمي أكثر وضوحاً، وتتمثل خطورة التطبيع الحديث في أنه ليس تطبيعاً مع النظام فقط بل يمتد إلى التطبيع الشعبي وهذا ما جاء في اتفاقية التطبيع بين الإمارات والكيان، حيث احتوى أحد بنود التطبيع على أن يكون هناك:” إنشاء برامج بين أفراد الشعبين، والحوار بين الأديان والتبادلات الثقافية والأكاديمية والشبابية والعلمية”، وهنا فإن رسائل الكيان وسردياته أصبحت تمرر عبر وسائل إعلام عربية رسمية وغير رسمية وبشكل رسمي وعلني وأصبحت كبرى القنوات العربية تستضيف المحللين والصحفيين الإسرائيليين في برامجها المختلفة، بل إن القنوات الإماراتية أصبحت تبث تقارير ميدانية من الأراضي الفلسطينية المحتلة والعكس، وذلك بغرض تغيير صورة العدو في الوعي الباطن للشعوب العربية.
إن الانتقادات الموجهة لمحاربة التطبيع الإعلامي مع الكيان بمبرر أنه لايوجد أثر لإغلاق الإعلام العربي المطبّع في ظل الإعلام الحديث ووجود قنوات ناطقة باللغة العربية وعصر “المصادر المفتوحة”، هذه االانتقادات تبدو سخيفة وبعيدة عن الواقع، ولو تابعوا وسائل الإعلام الإسرائيلية والغربية لرأوا أن هذه الوسائل تتعاطى مع الرواية الفلسطينية بسلبية محضة من خلال نشر الدعايات والشائعات التي تعمل على تشويه المقاومة الفلسطينية، وكل العالم لاحظ كيف اختلقت وسائل الإعلام الإسرائيلية والغربية شائعة “رؤوس الأطفال المقطوعة” ونشرها على نطاق واسع من العالم.
وبرغم أننا كما يقولون في عصر “المصادر المفتوحة”، فأين الرواية الفلسطينية من الإعلام الإسرائيلي والغربي؟! ولماذا تعمل مواقع التواصل الاجتماعي التابعة للغرب على حجب وتقييد المحتوى المؤيد للقضية الفلسطينية؟! .
رضوان العمري, [12/05/2024 05:13 م]
إن هذا التطبيع الإعلامي العربي لم يكن في وقت سلام أو في فترة هدنة مع العدو، بل إن ذلك يحدث في الوقت الذي لايمر فيه يوم دون أن يكون هناك 50-100 شهيد فلسطيني وتجويع لأكثر من مليوني مواطن فلسطيني، يمارسون التطبيع فوق الأشلاء وأنقاض المنازل المدمرة وفوق أمعاء الجائعين من الشعب الفلسطيني، وبالتالي فإن الجميع أمام مسؤولية كبرى لمناهضة هذه المشاريع ومكافحتها بكل السبل والوسائل.