عن مستجدات المفاوضات والواقع العسكري في غزة
أدهم أبو سلمية – وما يسطرون|
ما سأكتبه الآن سيشرح باختصار خلاصة ما يحدث…
المقاومة يوم ذهبت الى السابع من اكتوبر كانت تدرك أنها تكسر كل القواعد، ليس قواعد الإشتباك والسياسة وحسب، بل القواعد السيكولوجية والاجتماعية وكل القواعد التي حكمت الصراع الفلسطيني الاسرائيلي منذ 1948.
ولم يكن هذا التوقيت عشوائيا، بل لأول مرّة، منذ عقدين تقريبا، لم تنفذ المقاومة عملياتها بنظام الصدمة. للرد على انتهاك أو إعتداء، وإن كانت المعارك التكتيكية مقدمة و “بروڤا” لمعركة طوفان الأقصى بحسب السنوار. كمعركة سيف القدس مثلا.
أما في معركة الطوفان، عملت المقاومة وفقا لاستراتيجية واضحة وذلك بناء على معطيات وحقائق لحراك عالمي هدفه النيل من القضية الفلسطينية وكل القضايا المحقة في المنطقة.
والمقاومة يومها كانت تعلم حجم الرد على حراكها، الذي أعاد تموضع المقاومة الفلسطينية كنِدٍّ لهذا الاحتلال هذه النديّة التي شكلت صدمة للاحتلال وأمريكا والعالم، كانت تعرف أنها معركة النور على الظلام حتى قبل أن يعلن نتانياهو ذلك، عشية السابع من اكتوبر، كانت تعلم أنها ليست جولة كأي جولة، هذه المعركة التي قُدّر لها أن تحرر العقل الجمعي الذي صدّق أنه لا يمكن أن يكون ندّا! وذلك تمهيدا لتحرير الأرض.
اذا! المقاومة ذهبت الى هذه المعركة كخيار استراتيجي لتغيير الموازين، وواهم من يعتقد أن المقاومة ستقبل بمجرد وقف لاطلاق النار وانسحاب للجيش الاسرائيلي من غزة وادخال المساعدات ونقطة. المقاومة قدمت لهذه المعركة جل ما أعدته خلال السنوات الماضية ولن تخرج من هذه المعركة بواقع يُفرض عليها. وهذه المقاومة التي تتقن جيدا فن التفاوض مع المستعمر، أتقنت دور الند بمهارة، وما زالت تستقبل وعلى مدار شهور الصفقات على محمل الموافقة والرفض. هي تعرف جيدا كيف تنتزع أهدافها الاستراتيجية من أنياب أمريكا والاحتلال والمطبعين والمتخاذلين الذين يضغطون عليها للتعامل بشكل تكتيكي مع هذه المعركة! المقاومة متمكنة من أدواتها والأوراق التي تمتلكها في يدها محليا واقليميا ودوليا.
محليا، يمكن القول أن المقاومة نجحت في تحويل منطقة محور نتساريم من نقطة قوة للإحتلال الى نقطة ضعف، هذا المحور الذي تحول اليوم الى مقتلة يحمل من خلاله الجيش الاسرائيلي يوميا اصابات وقتلى من جنوده بعد أن بدأت المقاومة بتركيز الاستهداف عليه بقذائف الهاون. هذا المحور الذي يربط شرق القطاع بغربه وله أهمية كبيرة لجيش الاحتلال الإسرائيلي لأسباب متعددة، أبرزها فصله شمال القطاع عن وسطه وجنوبه، وهو ما يأتي ضمن مخطط الاحتلال لتقسيم القطاع والذي يحاول الاستفادة منه عملياتيا، واستخدامه كورقة للضغط على حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في المفاوضات. هذا المحور الذي يحرج نتانياهو اليوم، ناتنياهو الذي يشار اليه بأصابع الاتهام من الداخل الاسرائيلي بقيادته “حربا ميدانية فاشلة .. حربا بلا معالم “. محليا ايضا هناك متغيرات حقيقية في الحراك الفلسطيني في الضفة والقدس من شأنه الضغط على السياسة الاسرائيلية.
اقليميا، اليمن دخلت اليوم المرحلة الرابعة من حراكها بعد تهديدها بالأمس بتوسيع المعركة الى أبعد من ذلك في حال نجح الاحتلال بتمرير خطة الدخول الى رفح. والضغط اليمني يشكل أزمة حقيقية للاحتلال تعيق الحركة أمام أساطيله التجارية، وهي رسالة واضحة من القيادة اليمنية، بأن غزة ليست وحدها في هذه المعركة! اقليميا ايضا، اعلان تركيا وقف التبادل التجاري مع الاحتلال والذي تبعته عملية الطعن في القدس على يد شاب تركي، هو نذير بدخول اقطاب جديدة لهذه المعركة على الصعيد الاقتصادي على الاقل. عسكريا، جبهة الشمال ما زالت مشتعلة وتشهد توسعا لعمليات المقاومة اللبنانية والفلسطينية من الاراضي اللبنانية باتجاه الاحتلال.
عالميا، معركة الوعي تستمر في استنزاف صورة الاحتلال وتضع أخلاقيات الولايات المتحدة على المحك بعد أن فشلت آلة الإعلام الغربية بفرض السردية الاسرائلية، وعليه تظاهرات الطلاب مستمرة في أهم جامعات العالم في أمريكا وكندا واوروبا وكلنا يعرف دور الحركة الطلابية في التغيير، هذا الحراك الذي يستقطب كل يوم فئات جديدة في المجتمع الدولي ويسهم بتضخم كرة الثلج في وجه الولايات المتحدة وحلفائها.
وبناء على ما تقدم، المقاومة تعرف انها امتلكت الأدوات “على ندرتها” لتدير معركة استراتيجية لا تكتيكية، معركة تخولها “كنِدٍّ حقيقي” من فرض واقع جديد يليق بدماء الشهداء وذويهم وجراح المصابين والأسرى، يليق بتضحيات أهل غزة وصبرهم، يليق بتضحيات المقاومة وإعدادها ويليق بحركة التحرر الحاصلة على مستوى الافراد في غزة وفلسطين والمنطقة وكل العالم.
فاثبتوا، فالأمور تحتاج لوقت وصبر ربما أيام وربما أسابيع.. هذا هو الواقع..