تطبيع سعودي مع إسرائيل ودفاعي مع أمريكا.. من يحتمي بمن؟
خاص – المساء برس| تقرير: يحيى محمد الشرفي|
رصد “المساء برس” سلسلة تصريحات نشرتها وسائل الإعلام الأمريكية والسعودية، بشأن التطورات الحاصلة حالياً في السعودية والمتعلقة بالتطبيع مع الكيان الإسرائيلي مقابل تأجيل إسرائيل لمخططاتها في قطاع غزة.
وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، إن “أمريكا والسعودية قامتا بعمل مكثف معاً خلال الشهر الماضي بشأن التطبيع مع (إسرائيل)”.
وقال بلينكن لقادة دول الخليج الذين التقى بهم وممثليهم في السعودية في جولته التي يجريها حالياً بدءاً من السعودية وتشمل كيان الاحتلال الإسرائيلي ومصر والأردن وقطر والإمارات بشأن قطاع غزة والتطبيع مع الكيان الإسرايلي ومستقبل القطاع، قال بلينكن لقادة دول الخليج إن “التهديد الإيرني يستدعي تكاملاً دفاعياً”.
بدوره قال وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان في حديثه عن المفاوضات مع واشنطن بشأن “اتفاقية أمنية مشتركة”: الاتفاقيات الثنائية بين المملكة وأميركا قريبة جداً.
وقال بلينكن عن هذا الاتفاق إن “الولايات المتحدة تقترب من الانتهاء من اتفاق أمني مع السعودية سيعرض عليها في حال طبعت مع إسرائيل”، مؤكداً اقتراب التوقيع على هذا الاتفاق وإعلانه وهو ما يعني أن السعودية وافقت على التطبيع مع كيان الاحتلال الصهيوني، حيث قال بلينكن “إن العمل الذي تقوم به السعودية والولايات المتحدة معاً فيما يتعلق باتفاقياتنا، قد يكون قريباً جداً من الاكتمال”.
الاتفاقية الأمنية السعودية الأمريكية، تهدف في الأساس لإصلاح الدفاع السعودي كون الحرب التي شنتها السعودية بقيادة تحالف أشرفت عليه واشنطن ضد اليمن كشف حجم الهوة التي يعاني منها الدفاع الجوي السعودي.
الهدنة السعودية اليمنية والفيتو الأمريكي و(سياسة صفر مشاكل في رؤية 2030)
غير أن الحديث عن الاتفاقية الأمنية السعودية الأمريكية المشتركة كان يجري بحثه بين الجانبين بعد توقيع الرياض هدنة عسكرية مع صنعاء والتي انطلقت منذ مطلع أبريل 2022، حيث قررت السعودية عدم خوض الحرب من جديد مع اليمن بعد هزيمتها وفشل أنظمتها الدفاعية الأمريكية التصنيع والتشغيل، ومع وجود رغبة سعودية للمضي نحو الإصلاح الاقتصادي في المملكة وجلب الاستثمارات الأجنبية لتحقيق رؤية 2030 التي تتطلب عدم وجود مشاكل بين السعودية وجيرانها، دفعت الرياض وعلى وقع انتهاء 7 سنوات من حربها على اليمن بالهزيمة المدوية والسمعة السيئة بتسببها بأسوأ أزمة إنسانية في العالم وفق الأمم المتحدة، دفعت نحو المضي في خطوات إنهاء الحرب على اليمن والجلوس على طاولة مفاوضات مع صنعاء وإرسال وفود رفيعة المستوى إلى العاصمة اليمنية بعضها كانت سرية وبعضها معلنة.
التحرك السعودي نحو إنهاء الحرب على اليمن، قوبل بمخاوف أمريكية، كون واشنطن لم تكن ترغب في إنهاء الحرب على اليمن بشكل تام وإبقاء الوضع في البلاد في حالة اللاسلم واللاحرب، كون الهدنة بين صنعاء والرياض أتت في وقت كانت فيه واشنطن تتخوف من أن استمرار الحرب في اليمن سيؤدي إلى تعريض السعودية لمزيد من الضربات التي تستهدف منشآتها النفطية وحينها سيكون الأمر كارثياً بالنسبة لواشنطن التي تخوض حرباً مع روسيا التي كانت قد اندلعت للتو فكانت الهدنة في صالح واشنطن وحربها ضد روسيا، كون المستفيد من تراجع النفط السعودي هي روسيا التي تتنافس معها على الترتيب الأول لإنتاج وتصدير النفط وكان ذلك واضحاً من خلال عدم قدرة أوروبا على التخلي عن النفط والغاز الروسي حتى في ذروة الحرب بينهما.
دفعت الولايات المتحدة بالسعودية لعدم التقارب أكثر مع صنعاء وفي كل مرة كانت الرياض وصنعاء على وشك التوقيع على اتفاق نهائي تقفز الولايات المتحدة بمسؤوليها إلى الرياض لمنعها من ذلك ودفعها للتراجع، إلا أن السعودية كانت تشترط على الولايات المتحدة اشتراكها بشكل مباشر في الحرب إذا ما أرادت واشنطن استمرار الحرب في اليمن بالإضافة إلى تعزيز الشراكة الأمنية السعودية الأمريكية بما يشمل تجديد ترسانة أسلحة الجيش السعودي بما في ذلك أنظمة الدفاع الجوي التي فشلت في حماية السعودية من الصواريخ الباليستية والمجنحة والطائرات المسيرة اليمنية.
وبقيت الولايات المتحدة تماطل في مسألة الاتفاقية الأمنية المشتركة مع السعودية حيث استغلت واشنطن الوضع لتحقيق المزيد من المكاسب من خلال هذه الاتفاقية فكانت خطوة دمج الاتفاقية وإقرانها بالتطبيع السعودي الإسرائيلي كنقطة تحسب للرئيس الأمريكي الحالي جوزيف بايدن الذي سيضمن بتحقيق هذه الخطوة (التطبيع) بقاءه في الرئاسة للدورة الثانية.
طرح السعودية لمسألة الشراكة الأمنية الكاملة مع الولايات المتحدة كان بدافع وتحت اعتقاد سعودي بأن أمريكا لم تفعل كل ما يلزم لحماية السعودية من الهجمات اليمنية، فكانت الرياض تعتقد أن إلزام أمريكا باتفاقية أمنية مشتركة وكاملة سيجعل واشنطن مسؤولة مسؤولية كاملة عن حماية السعودية من أي هجمات وأنها (أي أمريكا) قادرة على تحقيق ذلك، إلى أن جاء طوفان الأقصى الذي قلب الموازين رأساً على عقب وكشف حقائق عن القدرات العسكرية الدفاعية الأمريكية.
والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم، هل السعودية تثق في أن الولايات المتحدة قادرة على حمايتها من أي هجوم؟ خاصة أن السعوديين هدفهم من هذه الاتفاقية هو تحقيق هذا الغرض؟
يقول كيفن دونيغان، وهو نائب أدميرال متقاعد في البحرية الأمريكية وخدم في الأسطول الخامس المنتشر بمنطقتنا ومتخصص بأبحاث الأمن القومي في معهد الشرق الأوسط، يقول في سلسلة مقالات كتبها في صحف ومواقع سعودية خلال أبريل الجاري، “تحتاج المملكة العربية السعودية إلى حل طويل الأمد لمواجهة القدرات العسكرية الهجومية الإقليمية المعادية المتنامية واستعداد هذه الأطراف الواضح لاستخدام هذه القدرات ضد الدول الإقليمية الحليفة لواشنطن وضد القوات الأميركية في المنطقة وضد سلاسل الإمداد في الممرات البحرية”.
ويضيف دونيغان أن من بين أولويات السعودية في اتفاقها الأوسع مع أمريكا “إبرام اتفاقية دفاع رسمي مع الولايات المتحدة يشمل ضمانات أمنية صريحة”.
من سيحمي من؟
الواقع والشواهد التي كشفها طوفان الأقصى يؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تستطيع بكل ما لديها من قوة بحرية تعد الأولى عالمياً من حماية سفنها التجارية بعد قرار صنعاء حظر عبورها من مضيق باب المندب رداً على تدخل واشنطن عسكرياً ضد اليمن لحماية كيان الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما يعني أن الاتفاقية الأمنية المشتركة مع الولايات المتحدة لم تعد ذات قيمة بالنسبة للرياض فمن لم يتمكن من حماية نفسه لن يكون قادراً على حماية الآخرين.
ولعل الأمريكان يبدون واضحين في هذا الأمر، فوزير الخارجية الأمريكي بلينكن يقول اليوم من داخل السعودية وبالحرف الواحد “الولايات المتحدة مهتمة بإحياء الشراكات ولا تستطيع فعل كل شيء وحدها لذلك تحتاج إلى التحالفات”.
وللتأكيد على ذلك كتب يقول المسؤول الدفاعي الأمريكي السابق دونيغان، وهو يتحدث عن مصلحة أمريكا من إبرام اتفاق دفاعي مع السعودية، إن “تعزيز قدرة المملكة العربية السعودية على تأمين دفاعها بشكل مستقل، يتماشى مع الأهداف طويلة الأمد للولايات المتحدة، ويهدف هذا النهج إلى تقليل احتمالية المشاركة العسكرية الأمريكية المباشرة في الصراعات المستقبلية داخل الشرق الأوسط”.
ولعل ما يعنيه دونيغان صراحة، هو أن أمريكا تريد من السعوديين أن يقاتلوا باسمها فإذا انتصروا فسمعة الانتصار ستؤول للولايات المتحدة وسلاحها وإن خسروا فسمعة الهزيمة ستؤول للسعوديين فقط، ولو كان للولايات المتحدة من “ضمانات أمنية صريحة” حسبما تريده الرياض من هذه الاتفاقية، لكانت استخدمتها في حماية سفنها التجارية التي تستهدف بين الحين والآخر في البحرين الأحمر والعربي وباب المندب ولما كانت طائراتها الأكثر تطوراً على مستوى العالم (MQ-9) تتساقط بفعل دفاعات القوات المسلحة اليمنية مثلما تتساقط العصافير عند اصطيادها.